يتم التحميل...

الكتاب المقدس

أديان

تحدثنا في ما سبق عن العهد القديم كما يعتقد به اليهود، ولكن هناك نسخة منه كتبت باللغة اليونانية مترجمة من العبرية، وهي تختلف عن الأصل العبري اختلافاً يسيراً، وتشتمل على أقسام ليست موجودة في النسخة العبرية أطلق عليها أبوكريفا

عدد الزوار: 56

الكتاب المقدس عند المسيحيين ينقسم إلى قسمين : العهد القديم والعهد الجديد .

العهد القديم
تحدثنا في ما سبق عن العهد القديم كما يعتقد به اليهود، ولكن هناك نسخة منه كتبت باللغة اليونانية مترجمة من العبرية، وهي تختلف عن الأصل العبري اختلافاً يسيراً، وتشتمل على أقسام ليست موجودة في النسخة العبرية أطلق عليها أبوكريفا Apocrypha ، وأصبحت مثاراً للشك من العصور القديمة إلا أنها نالت إقبال النصارى وهي تتضمن عشرة أسفار : طوبيا، يهوديت، استير، الحكمة، يشوع بن سيراخ، باروخ، صحيفة إرميا، دانيال، المكابين الأول، المكابين الثاني . والأرثوذكس والكاثوليك من المسيحيين يطلقون عليها صفة القانونية الثانية، بمعنى أنها أدخلت في قانون الإيمان في مرحلة لاحقة، وأما البروتستانت فيسمونها " منتحلة " .

العهد الجديد
يتألف العهد الجديد من سبعة وعشرين سفراً، كتبت جميعها باللغة اليونانية، وهي موزعة على ثلاثة أقسام :
1.الكتب التاريخية : وهي التي تؤرخ شيئاً من تاريخ المسيح وتلاميذه، وهي خمسة : إنجيل متى، مرقص، لوقا، يوحنا، أعمال الرسل . ومتى ويوحنا من الحواريين فيما مرقص ولوقا من حواريي الحواريين . ويغلب على الأناجيل الثلاثة الأولى طابع الانسجام في ما بينها وتسمى بالأناجيل الإزائية .

2. الكتب الرعائية أو التعليمية : وهي ثلاث عشرة رسالة لبولس، يضاف إليها الرسالة إلى العبرانيين ورسالة ليعقوب ورسالتان لبطرس وثلاث رسائل ليوحنا ورسالة ليهوذا .

3.كتاب نبوي : وهو رؤيا يوحنا اللاهوتي . وليس في هذه الكتب كتاب واحد بخط المؤلف نفسه، بل هي " كلها نسخ أو نسخ النسخ التي كتبها المؤلف أو أملاها إملاء " 1...

ولم تدخل هذه الأسفار قانون العهد الجديد دفعة واحدة، كما أن القانون لم يكن منحصراً فيها، فقد بقيت النزاعات حولها بين القبول والرفض حتى انعقاد مجمع نيقيا سنة 325 م . حيث أقرت قانونيتها دون سواها .

أما الأناجيل فكانت تزيد عن الأربعين إنجيلاً، رفضتها الكنيسة ما خلا الأربعة، وأما الرسائل فهناك عدد من الرسائل دخلت أول الأمر في القانون، مثل رسالة برنابا، ورسالة الراعي لهرمس، وغيرهما .

ويمكن القول على العموم، إننا إذا استثنينا رسائل بولس، فلم يخل كتاب من الكتب دخل القانون دفعة واحدة، ودون عناء .

تاريخ الأناجيل
يعتقد المسيحيون أن المسيح لم يأت بكتاب منزل ـ كما هو الحال في التوراة والقرآن الكريم ـ بل كانت دعوته عبارة عن الكرازة، والوعظ، وشفاء المرضى، وإحياء الموتى، والدعوة إلى الله عبر تعليم شفوي، استمر بعده على أيدي التلاميذ والرسل حوالى أربعين سنة، حيث بدأ بعض التلاميذ بكتابة سيرة وأعمال السيد المسيح عليه السلام وأسموها " أناجيل" .

وقد كانت هذه الأناجيل تزيد عن الأربعين إنجيلا، بعضها منسوب إلى تلاميذ المسيح أنفسهم، وقد كتب قسم كبير منها قبل الأناجيل القانونية المعروفة، أخفتها الكنيسة جميعها ومنعت التداول بها، وأهم هذه الأناجيل إنجيل العبرانيين الذي يؤكد على تكريم التوراة والالتزام بأحكامها، بل " فيه توكيدات متواترة أن الإنجيل تصديق وتفصيل للتوراة يشعر بضرورة التوراة مع الإنجيل، لإقامة أحكام التوراة والإنجيل معاً" 2.

ويذهب كثير من الباحثين المتأخرين إلى أن العبرانيين هو إنجيل متى العبراني، قبل ترجمته إلى اليونانية، ولكنه فقد بعد ذلك . وعلى فرض صحة ذلك، فإن الإنجيل المترجم لا يحكي الإنجيل الأصل في كثير من مضامينه، فإن إنجيل العبرانيين هو الذي عملت به طائفة النصارى التي أبيدت في ما بعد .

وهذا من مشاكل الترجمة، قال الحداد :" يلاحظ العلماء أن ترجمات الكتاب المقدس لم تكن حرفية اللفظ والمعنى، بل أحيانا ما كانت تفسيراً توسيعياً أي تفصيلا للكتاب المقدس " 3.
إلا أن الأناجيل الأربعة القانونية قد أقر العمل بها دون سواها بعد مجمع نيقيا عام 325 م . وأما قبل ذلك التاريخ فلم يكن العمل محصوراً بها .

بل لا يوجد ما يثبت وجود هذه الأناجيل قبل ذلك التاريخ أصلا، إلا مجرد شهادة أو شهادتين في القرن الثاني ذكرت أسماء بعضها، دون إثبات أنها هي نفسها .
 كما أن النسخ الخطّية الموجودة والمكتشفة كلها تعود إلى ما بعد هذا التاريخ .

تحريف الأناجيل
رغم أن الأناجيل الأربعة مجهولة الكاتب، كما هو الحال في أكثر أسفار الكتاب المقدس بعهديه، إلا أنها لم تسلم من التحريف والزيادة والنقيصة، على مر الزمن، ويكفي هنا أن نذكر شهادتين صادرتين من الآباء المسيحيين أنفسهم : الأولى : قال الآباء اليسوعيون : ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل إلى آخر الطباعة مثلا بمختلف ألوان التبديل في عدد كبير من القراءات .

والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة لكي يقيم نصا أقرب ما يمكن إلى النص الأول، ولا يرجى في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه 4.

الثانية : قال الخوري بولس الفغالي : " ... ويقول العلماء : لم يدون إنجيل يوحنا على يد كاتب واحد، ولو كان الرسول نفسه . . . هناك أجزاء جمعت، ومقاطع ضمتها الجماعة إلى الإنجيل لئلا يضيع شيء من التقليد الذي جاء به المسيح " 5.

والشهادات متواترة من الآباء والباحثين في الكتاب المقدس، بالتبديل والتحريف .

مضمون الأناجيل قراءة نقدية
إذا طالعنا الأناجيل بنظرة نقدية لما هو مشاع عند المسيحيين من عقائد ومفاهيم، سنجد فيها الكثير من الفقرات التي تتنافى مع تلك المفاهيم وتحتاج للتأويل لجعلها منسجمة مع هذه العقائد والمفاهيم، وهنا نطل على بعض المفاهيم من خلال الأناجيل :

 المسيح إنسان
لا شك أن بعض الفقرات تدل على عدم إمكان كونه ذا طبيعة إلهية كما يقولون، فقد ورد في سفر اشعياء النبي ـ الذي يوليه المسيحيون أهمية عالية ـ قوله : من أنت حتى تخافي من إنسان يموت، ومن ابن الإنسان الذي يجعل كالعشب، وتنسي الرب صانعك، باسط السماوات ومؤسس الأرض 6.

ما معنى كلمة ابن الله الواردة في الأناجيل؟ هذه الكلمة تعني الاختصاص والكرامة الإلهية، والرسالة منه تعالى، وهو معنى موجود بحق عيسى وغيره في الأناجيل الأربعة، فنجد مثلا في انجيل يوحنا قوله : أعطى أي يوحنا المعمدان الذين قبلوه أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه 7. كما أن آدم ابن الله 8. وإسرائيل ابن الاله البكر 9.

وقال المسيح : طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون 10. والذين هم للحياة الأبدية هم أبناء الله 11.

فإذا كانت عبارة ابن الله تعني أنه إله، فينبغي أن يكون هؤلاء كلهم آلهة، ولم يدّعِ أحد لهم ذلك، ولا يرضى به المسيحيون، مع أن تفسير يوحنا لأولاد الله بالمؤمنين باسمه يدل على إرادة هذا المعنى دون سواه .

وأما التعبير عنه بالرب فلا يدل على ارادة الالوهية بحال، فإن الرب بمعنى السيد والمعلم ونحوه، وقد ورد تفسيرها بذلك في إنجيل يوحنا، عندما نقل حوارا بين يسوع وبين مريم المجدلية : فقالت له : ربوني الذي تفسيره يا معلم 12، وأقر تلاميذه على مناداته به، لأنه هو كذلك حسب التعبير الوارد عنه . .

 المسيح نبي
تطالعنا الأناجيل الأربعة، وعلى طول دعوة المسيح، بالحديث عن أنه نبي وكاهن، وظيفته الوعظ والإرشاد، والدعوة إلى الله الواحد، طبقاً لشريعة موسى عليه السلام وهو ما كان تلاميذه يعملون به أيضا، وكذلك كان شائعاً بين الناس أنه نبي مرسل لا أكثر .

لم يستطع أن يصنع معجزة في الناصرة لأنهم لم يؤمنوا به، وخرج منها بعد يومين وقال انه ليس لنبي كرامة في وطنه 13.
وتوجه الى الله في نهاية المطاف قائلا : وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويعرفوا يسوع المسيح الذي أرسلته 14.

وكذلك تلاميذه كانوا ينادونه بالمعلم والسيد وأقرهم على ذلك 15، وأحيى ميتاً وهو في طريقه إلى مدينة تدعى نايين فصرخ تلاميذه ورفاقه ورفاق الجنازة قائلين : لقد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه 16.
واستمر تلاميذه ـ وهم أهل سره والعارفون بكل أحواله، فقد كان يعلمهم كل شيء، ويفسر لهم وحدهم كل الأمثال التي كان يذكرها في مقام الوعظ والبشارة، حتى أعطي لهم أن يعرفوا سر الملكوت ـ باعتقادهم بنبوته إلى ما بعد رحيله، فقد جرى حوار بينه وبين تلميذين من تلاميذه، بعد قيامته ! وسألهما عما يتحدثان به فقالا له إنهما يتحدثان عن الأمور المختصة بيسوع الناصري، الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب 17.

المسيح والجهاد

إن المسيحيين كانوا وما زالوا يرددون أن مهمة المسيح عليه السلام اقتصرت على الهداية إلى ملكوت السماء، وأن صلبه جاء تكفيراً عن خطايا البشر، ولكننا نجد في الكثير من نصوص الأناجيل أن عيسى عليه السلام كان مجاهداً وثائراً، سعى جاهداً لإنقاذ المستضعفين من مخالب الظالمين، وفي ما يلي نستعرض بعض النماذج :

1.السيف بدل السلام : لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلاماً بل سيفاً، جئت لأفرّق بين المرء وأبيه، والبنت وأمّها، والكنّة وحماتها، فيكون أعداء الإنسان أهل بيته 18. ونجده يؤكد على أصحابه أن يتبعوا نهج الكفاح المسلّح، فحينما علم أن إلقاء القبض عليه بات أمراً وشيكاً، وعلم أيضاً أنه سيعامل معاملة مجرم، وجّه هذه الكلمات لأصحابه من لم يكن عنده سيف فليبع رداءه ويشتره 19، ولكن دعوته هذه لم تجد آذاناً صاغية، مما حال دون الاستفادة من السلاح في تلك الظروف الحرجة مما حدا بالمسيح إلى مناشدة أصحابه بعدم مواجهة العدو وإذا واحد من الذين مع يسوع قد مد يده إلى سيفه، فاستله وضرب خادم عظيم الكهنة، فقطع أذنه، فقال له يسوع : إغمد سيفك، فكل من يأخذ بالسيف بالسيف يهلك " 20.

2.صليب الشهادة : يقدس المسيحيون الصليب كرمز لصلب المسيح الذي جاء تكفيراً عن خطايا البشر، وقد ورد عن المسيح قوله إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، ومعنى حمل الصليب هو الاستهانة بالحياة والاستعداد للتضحية في سبيل الله . وقد تمثّل ذلك في قول دعبل شاعر أهل البيت عليه السلام : إني أحمل خشبتي منذ أربعين سنة، ولا أجد من يصلبني عليها 21.

3.اختراق تنظيمات العدو : أوصى عيسى أتباعه وتلامذته مراراً بالإفصاح عن هويتهم أمام الناس، إلا أنه أذن لأحد تلامذته بالمشاركة في جلسات المجمع اليهودي سنهدرين مستخفياً، لأنه يصب في صالح الأهداف العليا للرسالة، وبقي يتابع هذه المهمة إلى أن أُلقي القبض على المسيح وتم صلبه ـ بحسب الظاهر ـ وتخلى عنه أتباعه، في هذه الظروف انطلق التلميذ المذكور إلى الحاكم الجائر وطلب منه جثمان عيسى حيث أخذه ودفنه باحترام بالغ .

جاء رجل اسمه يوسف، وهو عضو في المجلس، وامرؤٌ صالح بارّ لم يوافقهم على قصدهم ولا عملهم، وكان من الرامة، وهي مدينة لليهود، وكان ينتظر ملكوت الله 22.

4.الله وقيصر : قيل إنه جاء في الأناجيل أوكلوا عمل قيصر لقيصر وعمل الله لله . ولكن ينبغي أن يُعلم أن العبارة في الأناجيل هي أدوا لقيصر ما لقيصر، ولله ما لله وأنها وردت في حال التقية، فكما تنقل الأناجيل فترصّدوه وأرسلوا جواسيس يظهرون أنهم من أهل الورع، ليأخذوه بكلمة فيسلموه إلى قضاء الحاكم وسلطته، فسألوه : يا معلم نحن نعلم أنك على صواب في كلامك وتعليمك لا تُحابي أحداً، بل تعلّم سبيل الله بالحق، أيحلّ لنا أن ندفع الجزية إلى قيصر أم لا؟ ففطن لمكرهم فقال لهم : أروني ديناراً ! لمن الصورة التي عليه والكتابة؟ فقالوا : لقيصر، فقال لهم : أدّوا إذاً لقيصر ما لقيصر، ولله ما لله 23.

*دروس في الأديان, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- مدخل إلى العهد الجديد، موسوعة المعرفة المسيحية ص18.
2- القرآن دعوة نصرانية، ص127.
3- القرآن دعوة نصرانية، ص163.
4- مدخل إلى العهد الجديد، موسوعة المعرفة المسيحية، ص21.
5- إنجيل يوحنا ـ دراسات وتأملات ص18.
6- سفر اشعياء : 51-12-13.
7- يوحنا : 1-2.
8- لوقا : 8-38.
9- سفر الخروج : 4-22-23.
10- متى : 5-9.
11- لوقا : 20-36.
12- يوحنا : 20-16.
13- انجيل متى : 13-54-58 ، وأجمع عليها الأربعة .
14- انجيل يوحنا :17-3-4.
15- انجيل يوحنا :13-13.
16- انجيل لوقا : 7-11-16.
17- إنجيل لوقا : 24-19.
18- متى : 10-34-36.
19- لوقا : 22-37.
20- متى : 26-51-52، مرقس : 14-47 ، لوقا :22-50-51 ، يوحنا : 18-10-11 .
21- عبد الله بن المعتز، طبقات الشعراء، ص 125.
22- لوقا : 23-50-51.
23- لوقا : 20-20-21 ، متّى :22-15-22 ، مرقس :12-13-17 .
 

2013-02-09