يتم التحميل...

كلمة سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله في المجلس العاشورائي - الليلة السابعة من محرم

2014

في الليلة السابقة تحدثنا أن الناس في الحاضر والماضي لديهم اهتمام كبير بأخبار المستقبل وقلنا بأن أخباره من الغيب ولا يعلمه إلا الله والله تعالى قد حجب هذه المعرفة عن عامة الناس رغم أنه فتح إليهم أبواباً من المعرفة وحجب عنهم هذا النوع من المعرفة رحمة بهم لتستقيم الحياة

عدد الزوار: 25

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليكم سيدي يا أبا عبد الله يا أبا عبد الله الحسين يا بن رسول الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك عليكم مني جميعًا سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين .

السادة العلماء الأخوة والأخوات السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.

في الليلة السابقة تحدثنا أن الناس في الحاضر والماضي لديهم اهتمام كبير بأخبار المستقبل وقلنا بأن أخباره من الغيب ولا يعلمه إلا الله والله تعالى قد حجب هذه المعرفة عن عامة الناس رغم أنه فتح إليهم أبواباً من المعرفة وحجب عنهم هذا النوع من المعرفة رحمة بهم لتستقيم الحياة وتسير بشكل طبيعي لكن الله يطلع بعض عباده على الغيب لحكمة وهدف والحكمة التي وصلنا إليها أن الطريق الوحيد الموصل لأخبار المستقبل هو أن يعود الخبر إلى عالِم الغيب وهو الله تعالى وأن نحصل على الخبر من هذا الطريق وأهمه الوحي ونحن كمسلمين لدينا مصدران مهم جدًا على هذا الصعيد، المصدر الأول هو القرآن الكريم والمصدر الثاني هو الأحاديث الشريفة والروايات الشريفة التي وصلت إلينا.

بالنسبة للمصدر الأول وهو القرآن الكريم، نحن المسلمون نجمع على أن ما فيه جاء يقيناً من الله وكل ما فيه من الله ولذلك يقال بالمصطلح أنه قطعي الصدور، أي صادر عن الله تعالى قطعًا لا شك فيه ولا ريب ولا نقاش، وكل ما بين الدفتين هو كلام الله، يبقى المهم هنا هو فهمنا لمعاني الآيات ودلالاتها أما الآيات أنها من الله تعالى فهو محسوم مقطوع.

في القرآن الكريم الكثير من أخبار الغيب وأخبار المستقبل بل الجزء الأكبر من القرآن يتناول هذا الجانب إذا ذهبنا إلى معنى الغيب بالمعنى الواسع كما شرحته سابقًا أما موضوع حديثنا عن المستقبل وأخبار الأرض والأحداث أيضًا تعرض لها القرآن في مواضع عديدة، ولكن القرآن ما أخبره عن المستقبل لم يكن له علاقة فقط بأحداث آخر الزمان بل له علاقة أيضًا بأحداث قريبة عن زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحكمة، ومن بعض الأمثلة سورة الروم، النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في مكة والمؤمنون قلة والمشركون كثر، وتصير حادثة وقتال في مكان ما بين الفرس والروم في ذاك الوقت لأن الفرس والروم كانا أكبر مملكتين، والفرس كانوا مجوسًا والروم كانوا نصارى، والفرس المجوس يغلبون الروم المسيحيين ومشركوا مكة يفرحوا لأنهم يعتبرون المجوس المشركين غلبوا المؤمنين النصارى وأخذوا هذا الحدث على محمل الخير لأنهم بذلك سينتصرون على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاءت السورة لتخبر، (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين، لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) والهدف من هذا الإخبار هو التعبير عن إيمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يقول بالوحي الذي ينزل عليه، ولتقوية إيمان المسلمين وغيره، أي هذا الإخبار في ذلك الزمان له أغراض وحكم، وفي مكان آخر كان المشركون أعدادهم ضخمة والمسلمون عددهم قليل، فكانوا دائماً يقولون للمسلمين سنهزمكم وبظاهر الأمر الموضوع منطقي فلا توازن بين الفريقين ماديًا لا من حيث العدد ولا من حيث الإمكانات ولا أي شيء، الله تعالى مبكرًا في مكة قال وهي من جملة الآيات والتي كان فيها تحدي (أتقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع وتولون الدبر) الله وعد المؤمنين بالنصر قريبًا وأخبر عن ذلك.

شاهد ثالث وأخير ورد في سورة الفتح (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلموا ما لا تعلموا فجعلوا من دون ذلك فتحًا قريباً) وهذا صار لاحقًا، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين معه دخلوا مكة محلقي رؤوسهم.

وفيما خص أخبار المستقبل فهناك آيات عديدة أما فيما يعني موضوعنا فأنا سأتناول ثلاث آيات.

يقول الله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) الله يتحدث أن لديه إرادة وأنه سيمن على المستضعفين في الأرض وسيتفضل عليهم بأن يجعلهم قادة الأرض وحكام الأرض وهم الذي يرثون هذه الأرض من كل الحكومات والحكام.

الآية الثانية: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) تحكي عن وعد إلهي للصالحين المؤمنين بأن الله سيجعلهم خلائف الأرض وسيمكن لهم ويحكمون ويمسكون ويحصلون على الأمن والسلام والدعة دون قلق وخوف.

الآية الثالثة: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الزبور وهو كتاب داود وآية من بعد الذكر عبر عنها المفسرون بأنها توراة موسى (عليه السلام) وأعاده في زبور داود (عليه السلام) وبعض المفسرين قالوا أن الذكر هو كل الكتب السابقة، والبعض قال أن المقصود هو اللوح المحفوظ.

مكتوب في الزبور أن مستقبل الأرض هو مستقبل الصالحين ومجتمع وحكومة الصالحين وهذه نصوص قرآنية واضحة ومعاني الآيات أيضًا واضحة جدًا والخلاصة أن مستقبل البشرية ومستقبل الأرض ستؤول إلى المستضعفين والمسلمين وهي الحكومة التي ستكون في آخر الزمان وقبل قيام الساعة.

وهذا المعنى تدل عليه آيات كثيرة، الآية الأولى ذكرت إرادة الله (نريد) والآية الثانية (وعد) والآية الثالثة (مكتوب)، عادة القرآن الكريم لم يأت إلى تفصيل بالذي سيقيم هذه الحكومة العالمية في آخر الزمان ولم يتعرض له القرآن بل تحدث عنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمفسرون عندما يصلون إلى هذه الآيات يأتون بالروايات لتعطينا صورة واضحة، بأن هذا الوعد سيصير في آخر الزمان على يد عظيمين، على يد المهدي (عليه السلام) وهو الذي يملأ الله به الأرض قسطًا وعدلاً بعدما ملئت ظلمًا وجورًا وهو من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو من ولد فاطمة (عليه السلام)، وهذا المضمون فيه روايات كثيرة عند الشيعة والسنة.

وكذلك نحن المسلمون نعتقد بعودة السيد المسيح (عليه السلام) إلى الأرض وعلى عاتق المهدي والمسيح (عليه السلام) ستتحقق وراثة المؤمنين المستضعفين الصالحين في هذا العالم وستبنى على هذه الأرض دولة السلام والعدل والرفاه وكل ما كانت تتطلع إليه البشرية منذ بدء الخليقة سيتحقق إن شاء الله وهذا بالعودة إلى المصدر القرآني.

أما المصدر الثاني وهو الأحاديث الشريفة وما رواه المسلمون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ما ورد عن أهل البيت (عليه السلام)، في هذا المجال الذي له علاقة بأخبار المستقبل والمغيبات وأخبار الزمان توجد مئات الروايات والأحاديث وبعض العلماء قال بآلاف الروايات.

بالحد الأدنى توجد مئات الروايات والأحاديث التي تتحدث عن المستقبل وعن آخر الزمان، وهناك في مضمامين بعض الكتب واحد من الأبواب اسمه الملاحم والفتن والمقصود به أخبار المستقبل، في الأزمنة الأخيرة قام بعض العلماء بجمع كل الروايات التي تتصف بشكل أو بآخر بالمهدي (عج) ضمن مجاميع روائية، وهم جمعوا ما تم روايته بغض النظر عن تصفيته والتحقق منه.

لذا هناك أعداد كبيرة من الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحدثنا عن المستقبل والمقصود بالمستقبل هو ما بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وممكن شخص أن يقسم هذه الأحاديث والروايات إلى أقسام من زوايا متعددة. وما سأعتمده أنا هو ثلاثة تقسيمات لأن له علاقة بنتيجة البحث.

القسم الأول: هو أخبار المستقبل والمغيبات التي لم يتم ربطها بالإمام المهدي (عليه السلام) ودولة آخر الزمان إنما تكلمت أنه سيصير في المستقبل كذا وكذا، ومثلاً سيأتي على الناس زمان، أو على أمتي زمان كذا وكذا، وأغلبها لم تربط بسياق الإمام المهدي (عليه السلام).

مثلاً في هذا القسم بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أخبره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سيأتي زمان يحكم فيه بنو أمية وهذا موجود في الروايات وظلم وأداء حكام بنو أمية.

والرايات التي ستزيل حكم بنو أمية ومن ثم زوال بني العباس وأحوال بني العباس وزحف المغول وأحوال العالم والحروب والحكام والأمراء والعلماء والقراء والنساء والرجال والعلاقات الاجتماعية وعلاقة الولد مع أهله، الأحداث الكونية، مثلاً تطلع الشمس من مغربها، الكسوف الخسوف، المطر والزلازل، كل هذه الروايات تحكي عن المستقبل من هذا النوع.

مثلاً الجزء الثاني من كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، جمع مجموعة من هذه العلامات، يتكلم أيضاً فيها عن الزي والكتب والمساجد والمصاحف وفيه تفاصيل كبيرة جدًا وهي موجودة في كتب الشيعة والسنة، والكثير من هذه الإخبارات نحن اليوم في عام 1436هـ ننظر إلى العالم وما جرى فيه وما جرى في الماضي سنجد أن الكثير من الروايات والأحاديث تحققت، والقسم الثاني هو العلامات والأحداث التي تم ربطها بالإمام المهدي (عليه السلام) وكان هناك نحو من الصلة فيه ولم يقال بأن هذا الخبر إذا تحقق بينه وبين المهدي رابط زمني وإنما الموضوع مفتوح من حيث الفاصل الزمني، وبعضها قد تكون أحداثاً قد حصلت بالماضي وبعضها أحداث تكون بعيدة عن قيام المهدي (عليه السلام) بقرون والله أعلم.

مثلاً قد لن يكون هذا الأمر قبل أن يكون كذا وكذا، لن تروا ما تحبون قبل أن يكون كذا وكذا، وهذه الأحداث والشخصيات والوقائع يتم ربطها بالمهدي (عليه السلام) بأنه قبل قيامه دون تحديد الفاصل الزمني.

ولا يمنع أن يكون هناك بعض الأخبار تذكر في القسم الأول وفي القسم الثاني، مثلاً قيام دولة بني العباس وزوال بني العباس ذكرت في القسم الأول والثاني، ولكن ما هو الفاصل الزمني بين دولة العباس وظهور المهدي (عليه السلام) غير معروف.

والقسم الثالث وهو الأحداث المتعلقة زمنيًا، وبالروايات هناك كلام تعلق بالزمان وأن هناك أحداث متصلة بقيام الإمام (عليه السلام) وهناك أيضًا تحديدًا زمنيًا، مثلاً في شهر رمضان، أو في سنة واحدة، يعني ورد تحديد زمني.

وهذا النوع من العلامات لأنه متصل زمنيًا بالإمام سنسميه بالعلامات الخاصة، وهذه الروايات موجودة عند الشيعة والسنة، مثلاً خروج السفياني والخرساني، خروج اليماني والعلامة هنا هو الخروج، وممكن أن يكون الشخص موجودًا فالكلام عن الخروج وليس عن الشخص ووجوده في الدنيا.

مثلاً من الأحداث المرتبطة زمنيًا واتصالاً قتل نفس الزكية في الكعبة بين الركن والمقام، بعض الروايات تقول أن الذي يقتل شاب هاشمي حسني وهو فتى، والصيحة من السماء تقول الروايات أن جبرئيل في السماء يصيح ويخبر عن المهدي (عليه السلام) ويسميه أيضاً ويدعو لنصرته وأنه يخاطب كل ناس بلغتهم وأن هذا الصوت في لحظة واحدة يدخل إلى كل أذن على امتداد العالم، وهذا الصوت له نوع من الشدة وبعض الروايات تشير إلى الرعشة التي تصيب الناس جراء الصوت، ومن الاحداث المتصلة أنه بعد الصيحة بأيام أو بأسابيع يكون ظهور الإمام وبعض الروايات تشير إلى نفس اليوم.

مثلاً الخسف في البيداء، السفياني عندما يخرج يرسل جيشًا إلى الحجاز وجيشاً إلى العراق، والجيش الذي يرسله إلى الحجاز يرتكب الأفاعيل في المدينة كما فعل أجداده وأبائه يزيد بن معاوية، هذا الجيش يخسف به في أول الطريق بين المدينة ومكة ويباد الجيش ولا يبقى منه إلا رجلان وهذا موجود عند السنة والشيعة.

وهذا النوع من الأحداث يسمى بأحداث متزامنة وتتكلم هذه الأحداث عن دائرة زمنية ضيقة عن سنة واحدة عن أشهر عن أيام، بعض الروايات شبهت الموضوع كالخيط الذي فيه خرز، والحبة تتلو الحبة وهذه الأحداث متصلة تتلو بعضها، وهذه العلامات تسمى بالعلامات الخاصة.

إذًا صار لدينا الأخبار العامة في وقت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القسم الثاني هو ما ربط بالمهدي (عليه السلام) ولكن دون توضيح الاتصال المباشر والمدى الزمني، والقسم الثالث هو المرتبط بالإمام المهدي (عليه السلام) وفيه رابطة زمنية معينة.

اليوم البعض يتعاطى مع هذه العلامات ومع هذه الأخبار بشكل صحيح والبعض يتعاطى بشكل خاطئ كما كل شيء كما العلم والماء والسلاح من الممكن الاستفادة منها بشكل سيء والاستفادة منها بشكل جيد.

ما هي فائدة أن نعرف أو نطلع على هذه الأخبار التي تتحدث عن آخر الزمان وعن العلامات سواء كانت متصلة بالإمام المهدي (عليه السلام) أو لم تكن متصلة؟

البعض يقول أنه لا فائدة سواء علمنا أم لا نعلم، فإن كانت صحيحة ستحصل وإن حصلت سنعلم بها.، وهذا غير صحيح فأن نعلم وأن نتعلم وأن نستوعب هذا أمر له فوائد كثيرة جدًا، أولاً ولو بالإجمال عندما يخبرنا الله عن المستقبل هل الله وضعها في القرآن مع الآيات للزيادة أم له حكمة؟ إنّ الله تعالى في كل غيب أخبر به أنبياءه له حكمة ورحمة، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أخبر كل هذه التفاصيل عبر الروايات هل أنّ النبي كان يخبر المسلمين عن الأحداث لحكمة ورحمة وهدف؟ أم لا، أكيد لهدف وحكمة، والله عزّ وجل أطلع رسوله وأنبيائه على الغيب لهذه المصلحة.

وسواء أننا اكتشفنا الحكمة منها أو الفائدة أم لم نكتشف من الأكيد أن هناك حكمة، وعلى المستوى العقائدي من متابعة هذه الأحاديث والتثبت منها والتأكد من صحتها له فائدة عظيمة، ودائماً الأنبياء (عليه السلام) عندما كانوا يأتون إلى قومهم كانوا يُطالبون بدليل، والدليل هو المعجزة وكان للنبي (عليه السلام) معجزة أو معاجز حتى لا يختلط الأمر على الناس ويصبح أيٍ كان مدعٍ للنبوة والرسالة والاتصال بالغيب، ومن جملة معاجز الأنبياء (عليه السلام) السابقين، موسى وعيسى (عليه السلام) مثلاً كان هو الإخبار عن المستقبل، وأنه سيصير كذا وكذا، النبي عيسى (عليه السلام) ورد أنه كان يخبر الأشخاص عن الغيب وما يوجد في بيوتهم، ونبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) نُقل عنه بعد التثبت من النقل كل هذا الكم الهائل من الأخبار المتعلقة بالمستقبل ونتحقق من الأخبار، ثمّ نقرأ الماضي والحاضر ونجد أن الكثير مما تحدث عنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحقق ووقع أليس هذا دليل على صدق هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل على عظمة هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل على سعة علم هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة، نحن الذين نؤمن بنبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يزيدنا إيماناً بنبوة نبينا وكرامة نبينا وهذا له فائدة واضحة.

عندما يأتي شخص ويخبرنا بقضية وتصح وأخرى وتصح ومئة قضية وتصح هذا يزيدنا ثقة بقدراته حتى ولو لم يكن يتكلم عن الغيب فكيف إذا كان نبيًا يخبرنا عن الوحي وبأنه سيصير كذا وكذا على مدى مئات السنين إلى قيام الساعة وهو يتكلم عن المغيبات وأغلبها صار وهناك أمور أيضاً ستصير في المستقبل فهذه فائدة عقائدية من المعرفة.

بينما لو أهملنا هذا البحث وأبقيناه في الكتب لما استفدنا منه، ثالثاً وهذا أمر مهم وهو الأمل في المستقبل، اليوم الضغط النفسي أكثر من أي وقت مضى، في الزمن الماضي الأحداث التي كان تجري في المشرق لا يعرفها أهل المغرب وما يجري في إيران لا يعرفه أهل أفريقيا، فكان التواصل بطيء جدًا وكل واحد يعرف شؤون بلده، أما اليوم عبر الفضائيات ووسائل الاتصال نسمعه ونراه ونتأثر به ويضغط علينا نفسيا والأحداث كلها مترابطة ببعضها البعض بشكل كبير جدًا، وماضيًا لم يكن هناك مشاريع بمستوى اليوم بحيث أنها تدير الكرة الأرضية كلها، أما اليوم اختلف الوضع فهناك صراع دولي وإقليمي وكوارث وأمراض وتحديات وو...على كل الصعد الفكري والعسكري والبيئي والثقافي و...

هذه المليارات من البشر التي تزيد وكل هذه الأمور مع غياب الأمل يؤدي إلى الانهزام لذا فإن وجود الأمل ووجود الأفق والأمل هو الأمل الإلهي بأنه سيأتي زمان يحكم فيه المؤمنون المستضعفون العدلاء ويقيمون السلام العالمي والرخاء العالمي ويفتحون أبوابًا للعلم ما وصل إليها أحد، فينشدّ الإنسان لهذا الأمل وينجذب إليه وهذا يخلق عنده العزم والإرادة والتصميم على العمل للتهيئة وللتحضير لهذا الأمل.

رابعًا وهذا مهم جدًا من الناحية التفصيلية أيضًا بأنّ حدثًا عالميًَا بهذا الحجم وهو انهيار الطواغيت والجبابرة وقيام حكومة الصالحين المؤمنين المستضعفين في الأرض هو حدث تاريخي وعالمي غير مسبوق ولا يصير بلحظة ولا يصير بالصدمة بل يحتاج إلى مقدمات لنصله، حتى على المستوى الذهني والفكري فإنّ البشرية تحتاج للتحضير والتهيئة لحدث عالمي بهذا الحجم، فتحقيق حلم الأنبياء سيتحقق في آخر الزمان وهذا لا يصير دفعة واحدة. فلا تصح من دون مؤشرات وعلامات ودلائل ولا يمكن أن نستيقظ فنجد بأنّ كل الطواغيت قد سقطت ودولة العدل قد قامت لأنّه في النهاية البشر نفسهم هم أدوات تحقيق دولة العدل الإلهي.

وهذا يحتاج إلى علامات وشغلها هو التميهد النفسي والثقافي والتهيئة والتحضير، مثلاً موسى (عليه السلام) ونبوته كانت منتظرة وكان بنو إسرائيل منتظرين له لمئات السنين فبني إسرائيل تعذبوا واستعبدوا من قبل الفراعنة وكان لديهم أمل أخبرهم به أنبياء بني إسرائيل بأنه سيأتي نبي عظيم يخرجكم من فرعون وعمله وظلمه، وكان هناك علامات للزمن الذي سيخرج فيه موسى (عليه السلام) وهذه العلامات كان يعرفها بنو إسرائيل واطلع عليها فرعون وأعوان فرعون، فكانوا يذبحون في تلك السنة الأولاد الذين يولدون ليحول ذلك دون ولادة موسى (عليه السلام).

وموسى (عليه السلام) المنتظر إن صح التعبير الذي انتظره قومه لإنقاذهم من فرعون لم يكونوا ينتظرون من فراغ بل كان هناك علائم يعملون عليها.

والسيد المسيح (عليه السلام) أيضًا كل اليهود كانوا ينتظرونه (عليه السلام) وعندما وُلد من مريم (عليه السلام) اتهموها وظلموها وبأنّ فعلها هو اثمًا كبيرًا علمًا أنهم كانوا ينتظرون السيد المسيح لمئات السنين والأنبياء الذين سبقوه كانوا يبشرون به ويتحدثون عنه وكانت علامات الزمن الذي سيظهر فيه منتشرة.

ونبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) موجود في كتب اليهود وهم يعلمون وكانوا يترصدون ولادته وكانوا يخبرون العرب بأنه سيولد هنا نبي آخر الزمان وهذا الأمر كان معلومًا عند المسيحيين أيضًا، وكان معروفًا في إيران فسلمان الفارسي جاء من ايران ليصل إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وحدث بهذا المستوى أي مثل قيام المهدي (عليه السلام) وعودة السيد المسيح إلى الأرض (عليه السلام) لا يصير فجأة دون مقدمات وتمهيد واستعداد نفسي وروحي وثقافي وفكري وميداني وبشري وبدون انتظار ايجابي وجدي وحقيقي لأنه ليس المطلوب من السيد المسيح (عليه السلام) أن يرجع إلى الدنيا ليتآمر عليه اليهود من جديد، ولا المطلوب أن يقوم المهدي (عليه السلام) ليخذله الناس كما خذلوا جده أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) لتكون كربلاء جديدة وشهادة جديدة، بل المنتظر أن يصير هناك أنصار وعابدين مؤمنين ليرثوا الأرض، حينها يأذن الله لأوليائه بالحركة والخروج.

فالأمر لا يقتصر فقط على هذه الفوائد ولكن الوقت لا يتيح لأكثر من ذلك. وفائدة أخرى في البلدان التي فيها مسافات طويلة مثل إيران وأنت مستمر بالسير يضعون لافتات على الطريق تدل على قرب المسافة ورقم المسافة، وهذا يفيد بتغذية الأمل بالوصول، واقتراب الأمل، فيستعد الشخص إلى الوصول.

ونحن منذ مئات السنين إن لم يكن هناك أي قرينة وعلامة هذا الأمر يؤدي بنا إلى الإحباط، وحتى الآيات القرآنية البعض يأخذ من أي علامة منها على المستقبل أنها مؤولة بيوم القيامة.

بينما نحن لدينا علامات وإخبارات وتوقعات بما سيجري فعندما يقال لي بأن هناك مئة أمر سيتحقق، وتحقق منه عشرون مثلاً هذا يؤدي إلى اقتراب الأمل، لذا فالتعلق بالمستقبل أمر حاسم لخلق الإرادة والعزيمة والجدية.

ولكن نحن يجب علينا أن ننتظر العلامات مع مواصلة الأمل فليست هي التي تصنع الحدث فالله سبحانه وتعالى في مشيئته وضع معطيات ووقائع وظروف لتحقيق هذا الوعد الإلهي وجزء كبير من هذه الظروف هي مسؤولية البشرية ولكن العلامات تدلنا على قرب المسافة والوصول أما العلامات الخاصة فهي مؤشر للوقت القريب بشهر أو بأسبوع أو بيوم.

لذا فالعلامات تعطينا مؤشر ورؤية وبصيرة ونمشي بها على هدى ووضوح وبينة والمستقبل أمامنا يصبح واضحًا وهذا شرط أساسي للفوز والنجاح.

ويبقى البحث الأخير هو كيف نتعاطى مع هذه العلامات والأحاديث والروايات، فنختم به الليلة الآتية إذا قدّر الله، لأنّ الليلة الأخيرة سأتعرض بها للأمور السياسية.

وعظم الله أجوركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

للإستماع إلى كلمة سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله في المجلس العاشورائي - الليلة السابعة من محرم 1436هـ

2014-11-01