يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي خلال مؤتمر الوحدة الإسلامية

2015

أبارك لكم أيّها الحضور الكرام الأعزّاء، والمسؤولون في البلاد، وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية، وسفراء البلدان الإسلاميّة المحترمين الحاضرين في هذا الاجتماع، ذكرى الولادة السعيدة لنبي الإسلام المكرّم وولده العظيم الإمام الصادق (عليه السلام)،

عدد الزوار: 14

كلمة الإمام الخامنئي خلال لقاء مسؤولي النظام الإسلامي وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية في ذكرى ولادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والإمام الصادق (عليه السلام)_29-12-2015

بسم الله الرحمن الرحیم(1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا محمد وآله الطاهرین.

أبارك لكم أيّها الحضور الكرام الأعزّاء، والمسؤولون في البلاد، وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية، وسفراء البلدان الإسلاميّة المحترمين الحاضرين في هذا الاجتماع، ذكرى الولادة السعيدة لنبي الإسلام المكرّم وولده العظيم الإمام الصادق (عليه السلام)، كما وأبارك هذا اليوم للشعب الإيراني أجمع، وللأمة الإسلامية جمعاء، ولأحرار العالم كافة، ولكل من يقدّر قيمة الفضيلة والأخلاق ومن يبذل الجهد والجهاد في سبيل الفضيلة والأخلاق.

ولادة النبي: روحٌ نفخت في جسد العالم الميت
إن ولادة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك بعثة ذلك العظيم، كانت روحاً نفخت في جسد العالم الميت في ذلك الزمان. حيث كان ذلك العالم حيّاً في ظاهره، وكانت هناك دول وممالك وحركة ونشاطات، غير أن الحقيقة كانت موت الإنسانية وموت الفضيلة، وما كان فيه هو الجفاء والظلم والتمييز والقسوة وموت الفضيلة، فنفخ النبي الأكرم بنفسه وبدعوته روحاً في ذلك العالم. وقولنا بنفسه وبدعوته، لأن النبي نفسه كان تجسيداً للإسلام، فقد رُوي عن إحدى زوجات النبي الأكرم قولها: «كان خُلقُه القرآن»(2)؛ أي أنه كان قرآناً مجسّداً. فنفخ النبي ودينه روحاً في ذلك العالم الميت. ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم(3)، أي إن ما جاء به كان حياةً لأولئك الناس، ولذلك العالم الذي كانت قد خيّمت عليه الظلمات والآفات والموت.

أنا وأنتم اليوم نُحيي هذه المراسم، وإحياؤها باللسان والاجتماع أمرٌ محمود، غير أن هذا ليس هو العمل المتوقَّع مني ومنكم، نحن الذين ندّعي السير على خطى الإسلام والرسول؛ هذا ليس كافياً. بل يجب علينا أن نسعى وراء بثّ الروح في العالم المعاصر الميّت والمبتلى بالآفات. اليوم أيضاً العالم يعاني من الظلم والقسوة والتمييز، اليوم أيضاً أجواء موت الفضيلة والعزاء الكبير للبشر. الفضيلة والعدالة والإنسانية والأخلاق كلها تسحق بواسطة القوى المادية، ودماء الناس تجري على الأرض بيد المتسلطين الذين لا يردعهم رادع، أضحت الشعوب تموت جوعاً بسبب ما قامت به القوى الكبرى من نهبٍ لثرواتها. هذه هي الأوضاع السائدة في العالم المعاصر، وهي شبيهة بتلك الجاهلية قبل ظهور الإسلام؛ إنها جاهلية جديدة.

واجبنا بناء "حضارة إسلاميّة جديدة"
إنّ واجب الأمة الإسلامية في الوقت الراهن لا يقتصر على إحياء ولادة النبي أو إقامة الاحتفالات في يوم مبعثه، فإنّه عملٌ صغير وقليل بالمقارنة مع ما يقع على عاتقها من واجب. يجب على العالم الإسلامي اليوم أن ينتهج نهج الإسلام ويحذو حذو الرسول في بثّ الروح في هذا العالم، وإطلاق أجواء جديدة وفتح سبلٍ جديدة، ونحن نعبّر عن هذه الظاهرة التي ننتظرها بـ«الحضارة الإسلامية الجديدة». فيجب علينا أن نسعى لبناء الحضارة الإسلامية الجديدة للبشرية، وهذا يختلف اختلافاً أساسياً عمّا يراود القوى الكبرى وما تفكر به وتمارسه عملياً في حق أبناء البشر، فهو لا يعني احتلال الأراضي، ولا التطاول على حقوق الشعوب، ولا فرض الأخلاق والثقافة على الشعوب الأخرى، وإنما يعني عرض الهدية الإلهية على الشعوب من أجل أن يتسنى لها اختيار المسار الصحيح بإرادتها واختيارها وتشخيصها. فإنّ الطريق التي قادت القوى العالمية اليوم الشعوب نحوها، طريق ضلال وانحراف... هذا هو واجبنا اليوم.

حضارة مادية؛ مفروضة.. ومفلسة
لقد استطاع الأوروبيون في يومٍ من الأيام أن يستخدموا علوم المسلمين وفلسفتهم في سبيل تشكيل دعائم حضارة لهم، وكانت هذه الحضارة بالطبع حضارة مادية. فبدأ الأوروبيون منذ القرن السادس أو السابع عشر الميلادي بوضع أسس حضارتهم الجديدة، واستخدموا في هذا الطريق شتى الأدوات والوسائل من دون رفق وتدبّر من منطلق أنّها كانت تقوم على أسسٍ مادية، فانتهجوا من جانب نهج الاستعمار والسيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها، وعمدوا من جانب آخر إلى تعزيز ركائزهم الداخلية عبر العلم والتكنولوجيا واكتساب التجارب، وبالتالي فرضوا هذه الحضارة على البشرية. وهذا ما قام به الأوروبيون على مدى أربعة أو خمسة قرون. ووضعت هذه الحضارة التي قدّموها للعالم مظاهر جميلة وجذابة من التقنية والسرعة والسهولة وأدوات الحياة في متناول الناس، ولكنها لم تحقق سعادة البشر، ولم تنشر العدالة، بل على العكس من ذلك، فقد ضربت العدالة ضربة قاضية! واستعبدت عدداً من الشعوب، وقادت البعض الآخر إلى الفقر والحرمان، وأهانت شعوباً واحتقرتها، وكذلك فهي تعاني في داخلها من التناقض والتعارض، فأضحت فاسدة أخلاقياً ومفلسة معنوياً وروحياً، وهذا ما يعترف به الغربيون أنفسهم اليوم. فقد قال لي أحد السياسيين الغربيين البارزين: عالمنا عالم يعيش في فراغ وخواء، وهذه حقيقة أشعر بها وأتلمّسها! وهو صادق في قوله، فإن هذه الحضارة كان لها مظاهرها وبهارجها وبريقها الظاهري، لكنّ باطنها خطير ويهدد مصير البشرية. اليوم تلوح تناقضات الحضارة الغربية، في أمريكا بطريقة، وفي أوروبا بطريقة أخرى، وفي البلدان الخاضعة لهيمنتهم في أنحاء العالم بطريقة ثالثة.

اليوم قد حان دورنا، حان دور الإسلام ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ(4)؛ جاء دور المسلمين ليشدّوا همتهم في سبيل بناء حضارة إسلامية جديدة. كما إن الأوروبيين في ذلك اليوم استفادوا من علوم المسلمين وتجاربهم وفلسفتهم، نحن اليوم أيضاً نستفيد من علوم العالم والأدوات الموجودة عالمياً لإقامة الحضارة الإسلامية، ولكنها حضارة بروح إسلامية وروح معنوية. وهذا هو واجبنا اليوم.

والخطاب هذا موجَّهٌ في الدرجة الأولى لعلماء الدين والمثقفين الصادقين. أنا العبد لله لم يبقَ لديّ من أملٍ بالسياسيين! حيث كان التصوّر فيما مضى أن بوسع قادة العالم الإسلامي المساهمة في هذا الطريق، ولكن هذا الأمل للأسف قد تضاءل. أملنا اليوم بعلماء الدين في جميع أرجاء العالم الإسلامي وبالمثقفين الصادقين الذين لم يجعلوا من الغرب قبلة لهم، فقد عقدنا آمالنا عليهم، ولا يقولوا بأنه أمرٌ متعذّر، بل هو أمرٌ ممكن ومتاح عملياً. فإن العالم الإسلامي يتمتع بإمكانات وطاقات وافرة؛ عدد سكان مناسب، وأراضٍ جيدة، وموقع جغرافي ممتاز، ومصادر وموارد طبيعية هائلة في العالم الإسلامي، والطاقات البشرية المميزة والمستعدة في العالم الإسلامي من الأفراد الذين إذا أعددناهم على تعاليم الإسلام ليكونوا مستقلين، فإن بوسعهم عرض وتقديم إبداعاتهم وتفننهم في مجالات العلم والسياسة والتقنية وفي شتى الميادين الاجتماعية.

الجمهورية الإسلامية نموذج وقدوة
الجمهورية الإسلامية هي نموذج، ومنطقة اختبارٍ وموضع امتحانٍ للعالم الإسلامي. حيث كنا قبل سيادة الإسلام على هذا البلد شعباً تابعاً متخلّفاً ــ بكل معنى الكلمة ــ من الناحية العلمية والسياسية والاجتماعية، ومعزولاً في عالم السياسة.

إن حالات التقدّم التي حققتها الجمهورية الإسلامية اليوم قد أرغمت حتى أعداءنا على الاعتراف بها. فاليوم، وبعد مضي نحو 35 عاماً على انتصار الثورة الإسلامية، أصبحنا من البلدان المتقدمة في مجال العلم والتكنولوجيا، وفي الكثير من العلوم العالمية الحديثة. والتقارير التي ثبتت صحتها ومصداقيتها، تفيد بأننا نتبوّأ المرتبة السابعة في مجال، والمرتبة السادسة في مجال آخر، والمرتبة الخامسة في مجال ثالث. ولقد استطاع الشعب الإيراني وببركة الإسلام إثبات هويته وشخصيته، وهذا ما يمكن تعميمه، بشرط أن يتبدّد الظل الثقيل المشؤوم للقوى العظمى الجاثم على أي بلد، وهذا هو الشرط الأول، وله بالطبع تكاليفه، إذ لا يمكن لأي إنجاز كبير أن يتحقق من دون تكاليف. وإنني في هذا الاجتماع الهامّ الذي تحضره شخصيات مهمة كبيرة، أريد أن أقول إنّ الأمة الإسلامية وبجهدها الجدي وسعيها الحثيث تستطيع أن تخطط لبناء حضارة إسلامية متناسبة مع هذا العصر، وأن تؤسس هذه الحضارة، وتصل بها الى ثمارها المرجوة وتعرضها على كل البشرية.

حقيقتُهم: "إن تمسَسْكم حسنةٌ تسؤهم"
نحن لا ندعو أيّ أحد إلى الإسلام بالقوة، ولا نحاول إخضاع أيّ بلد لهيمنة العالم الإسلامي قهراً، ولا نعمل كما يعمل الأوروبيون والأمريكيون. فقد انطلق الأوروبيون من جزيرة في المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، وقاموا باحتلال بلد كبير كالهند وعدة دول محيطة بها، ونهبوا ثرواتهم، وأصبحوا من الأثرياء، وجرّعوا تلك البلدان طعم البُؤس والشقاء؛ فإنهم بهذه الطريقة شقّوا طريقهم وتطوروا!. وها هم اليوم يكرّرون نفس الأعمال في العالم بأساليب وسُبُلٍ أخرى، حيث باتوا يحققون التقدم لأنفسهم ويجمّلون ظواهرهم بأموال الآخرين ورساميلهم وثرواتهم ونتائج أعمالهم، والباطن بالطبع آيلٌ إلى الفساد والسقوط والخواء المتزايد كما ذكرت. فإنه يُغيظهم كلّ مكسب تحصلون عليه أنتم المسلمون، ويُفرحهم كل مصيبة تحلّ بكم؛ ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا(5)، وهذه هي حقيقتهم؛ هذا كلام القرآن. فلا ينبغي أن تكون أعيننا شاخصة إليهم وإلى ما في أيديهم وإلى ابتساماتهم وإلى نظراتهم الغاضبة، بل لا بد وأن نحدد طريقنا ونسلكه ونمضي قُدماً إلى الأمام، وهذا هو واجبنا وواجب العالم الإسلامي أجمع.

فرّق تسد؛ من بريطانيا الى أمريكا!
إنّ واحدة من أدوات العدو، هي بث التفرقة في صفوفنا، وأنا أصرّ على التأكيد والتشديد على هذا الموضوع. أيها الإخوة والأخوات! أيها المسلمون في العالم الإسلامي إن بلغ هذا الصوت مسامعكم! منذ أن طُرحت قضية السنّة والشيعة في الأدبيات الأمريكية، إنتابنا القلق، نحن وكل أصحاب الفكر والرأي، فما هي علاقة السنة والشيعة بأمريكا؟ وما شأن ذلك السياسي اليهودي الصهيوني الأمريكي الذي لا يمكن أن يصدر منه سوى الشرّ تجاه الإسلام والمسلمين في أن يحكم بين السنّة والشيعة في العالم الإسلامي، فيُطلق كلمة بشأن السنّي، ويُطلق كلمة أخرى بحق الشيعي؟ منذ أن ظهرت أدبيات السنّة والشيعة في كلمات الأمريكيين، شعر هنا أهل البصائر والرؤى الثاقبة بالقلق، وأدركوا أنّ هناك مهمة جديدة على مشارف الظهور والتحقق. فإن إثارة الحروب بين الشيعة والسنّة لها ماضيها، والبريطانيون مخضرَمون في هذا العمل. وإن لدينا نماذج كثيرة ومعلومات وافرة عن هذا الماضي في إثارة الصراع والعداوة والبغضاء بين الشيعة والسنة بواسطة الأيادي الإنجليزية، سواء في هذا البلد، أو في عهد الحكومة العثمانية السابقة، أو في البلدان العربية، وذلك في سبيل الإيقاع بينهم، بيد أن المخطط الأمريكي اليوم في هذا المجال أشد خطورة. فهل يكون تأييد فرقة أمام فرقة أخرى في داخل العالم الإسلامي مبعث فرحنا وسرورنا؟ وهل يجب علينا الابتهاج والفرح فيما لو قاموا بتأييدنا ومناصرتنا؟ كلا، بل يجب أن يثير ذلك حزننا واكتئابنا، وأن نفتّش لنرى ما هي نقطة الضعف التي وجدوها فينا حتى أخذوا يستغلونها ويتخذونها ذريعة لمناصرتنا؟

عدوّ أمريكا: "النزعة الإسلاميّة"
إنهم يعارضون أساس الإسلام، وإن حقيقة القضية هي تلك التي جرت على لسان الرئيس الأمريكي السابق بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر وانفجار الأبراج في نيويورك، حيث وصفها بأنها حرب صليبية، وكان محقاً في قوله، فإنه إنسان شرير ولكنه في كلمته هذه صادقٌ! ذلك أن الصراع قائمٌ بين الإسلام والاستكبار، علماً بأنه ذكر المسيحية والحرب الصليبية، وقد كذب في ذلك، حيث كان المسيحيون يعيشون في العالم الإسلامي بأمان كامل، وهذا هو حالهم اليوم في بلدنا وفي بعض البلدان الأخرى أيضاً. وكان يقصد من كلامه الصراع بين القوى الاستكبارية المهيمنة على العالم وبين الإسلام، وهذا هو ذلك الكلام الصحيح الصادق. إنّ هؤلاء السادة المتربعين على كرسيّ الحكم في أمريكا حالياً، والذين يقولون إنّنا نؤيد الإسلام، ونعارض بعض الفرق الإسلامية، إنما ينهجون منهج الكذب والنفاق والرياء، فإنّهم يعارضون أساس الإسلام، ووجدوا سبيل ذلك في إثارة الصراعات والخلافات والحروب بين المسلمين.

كان هذا الاختلاف في يوم من الأيام قائماً على أساس العصبية القومية الفارسية والتركية والعربية وما إلى ذلك، ولكنها لم تتسم بتلك الفاعلية المطلوبة، فأخذوا اليوم يعمدون إلى تأجيج الاختلاف والإيقاع بين الشباب باسم الطائفية. والناتج من ذلك هو أن تتولّد فِرقٌ إرهابية من أمثال داعش بأموال التابعين لأمريكا، وبدعمٍ سياسيٍ من قِبَل أمريكا، وبمواكبة حلفاء أمريكا، وأن تتوافر لها إمكانية ممارسة أنشطتها، وترتكب هذه الجرائم في العالم الإسلامي؛ هذه هي النتيجة.

إنّهم يكذبون حين يقولون إنّنا نعارض الشيعة ونؤيّد السنّة؛ كلا. هل الفلسطينيون من الشيعة أم السنّة؟ لماذا يعادونهم إلى هذا الحد؟ لماذا لا يندّدون أبداً بالجرائم التي تُرتكب بحقّهم؟ كم قد تعرّضت غزة للقمع؟ وكم كانت الضفة الغربية وما زالت تتعرض للضغوط؟ هؤلاء لا ينتمون للمذهب الشيعي، وإنما يعتنقون المذهب السنّي. غير أنّ القضية بالنسبة إلى الأمريكيين ليست قضية شيعة وسنّة، وإنّما يعادون كل مسلم يريد أن يعيش تحت ظل الإسلام وفي ضوء الأحكام والقوانين الإسلامية ويجاهد في سبيلها وينتهج نهجها.

أُجريت مقابلة مع سياسيّ أمريكي، فسأله الـمُذيع: من هو عدوّ أمريكا؟ فأجابه: عدوّ أمريكا ليس الإرهاب، ولا حتى المسلمون، وإنما هو «النزعة الإسلامية». ما دام المسلم يسير في طريقه غير مبال ولا مكترث ولا تسيّره الدوافع الإسلامية، لا يشعرون بالعداء ضده، ولكن إذا ما تجلت الدوافع نحو الإسلام والالتزام بالإسلام وسيادة الإسلام وإرساء تلك الحضارة الإسلامية، عند ذاك تبدأ الخصومة والعداء، والحقّ فيما قاله، فإنّ عدوّه هو النزعة الإسلامية. ولهذا حينما تجتاح العالم الإسلامي صحوة إسلامية، تلاحظون أنهم كم يرتبكون ويتخبطون ويبذلون الجهود والمساعي من أجل قمعها وإجهاضها، وينجحون في بعض الأماكن أيضاً. ولكن أقولها لكم إنّ الصحوة الإسلامية لا يمكن إزالتها وإلغاؤها، وسوف تُحقِّق أهدافها بمشيئة الله وفضله وحوله وقوّته.

أهل البصر والصبر
الهدف الذي يريده الأعداء هو إشعال الحروب الداخلية بين المسلمين، وقد نجحوا للأسف في ذلك إلى حدّ ما، حيث راحوا يدمّرون البلدان الإسلامية واحداً تلو الآخر، بما فيها سوريا واليمن وليبيا، ويدمرون بناها التحتية. لماذا؟ لماذا نستسلم لهذه المؤامرة؟ لماذا يبقى هدفهم مجهولاً لدينا؟ فلنمتلك البصيرة إذا ما أردنا التوفيق والنجاح في هذا الطريق، عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: «أَلا وَلا یَحمِلُ هذَا العَلَمَ إِلاّ أَهلُ البَصَرِ وَالصَّبر»(6). يجب علينا أن نكون من أهل البصائر ومن الصابرين في هذا الدرب. ﴿وَإن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا(7)، أي إذا اقترنت مسيرتنا بالبصيرة والصبر والاستقامة، سوف لا تُؤتي جهودهم ثمارها، ولكن إذا تحدثنا كما يتحدثون وعملنا كما يعملون، فستكون هذه هي النتيجة.

لماذا يعرّضون المسلمين في البحرين لكل هذه الضغوط؟ لماذا يرتكبون تلك الجريمة في نيجيريا بحق ذلك الشيخ الـمُصلح المؤمن الداعي إلى التقريب بين المذاهب(8) بتلك الصورة المفجعة، ويقتلون نحو ألف إنسان من أنصاره، ويقتلون ستة من أولاده خلال سنتين؟ لماذا يبقى العالم الإسلامي صامتاً أمام هذه الجرائم؟ لماذا يتحمّل العالم الإسلامي حوالى سنة من القصف المتواصل ليلاً ونهاراً على اليمن؟ ما يقرب من سنة ــ عشرة أشهر وأكثر ــ وبيوت شعب اليمن ومستشفياته ومدارسه وطرقه وأبناؤه الأبرياء ونساؤه ورجاله تحت القصف؛ لماذا؟ هل يصبّ هذا في مصلحة العالم الإسلامي؟ ويتكرر ذلك في سوريا بطريقة وفي العراق بطريقة أخرى. إن الأهداف التي يعملون لها أهداف خطيرة، وهي أهدافٌ يتم التخطيط لها في "غرف الفكر" على حدّ تعبيرهم.. إنّ علينا التحلي بالوعي واليقظة.

الأمل معقود على الصادقين!
سبق وأن ذكرت بأن الأمل معقود على علماء الإسلام والمثقفين الصادقين في العالم الإسلامي، والواجبات والمسؤوليات ملقاة على عواتقهم. إن عليهم أن يتحدثوا مع شعوبهم ومع ساستهم، فإن البعض من رجال السياسة في العالم الإسلامي يتّسمون بضمائر حية، وهذا ما جرّبناه عن كثب، وبإمكانهم أن يلعبوا دوراً في هذا المضمار. خلاصة قولي في هذا اللقاء: لننهل من معين ذكرى ولادة النبي ولنجعل ما قام به الإسلام منذ اليوم الأول من إحياء العالم الميت آنذاك نُصب أعيننا ومحور همتنا، وهذا ما يحتاج إلى عقل، وتفكّر، وتدبّر، وبصيرة، ومعرفة للعدو، فلنعرف العدو ومؤامراته، ولا نقع ضحية خداعه. سائلين الله تعالى أن يعيننا ويهدينا إلى صراطه المستقيم ويثبت أقدامنا.

ولقد صدق الشاعر العربي الذي قال:
الدَّهرُ یَقظانُ وَالأَحداثُ لم تَنَمِ***فَما رُقادُکُمُ یا أَفضَلَ الأُمَمِ(9)

عندما يستهدفكم عالم القوة والثروة والغطرسة بكل إمكانياته فلا يحق لكم النوم والغفلة.

اللهم اجعلنا من السائرين على هذا الصراط المستقيم كما يرتضيه الإسلام ويليق بالعالم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- في بداية هذا اللقاء تكلم رئيس الجمهورية حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن روحاني.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي، ج6، ص340
3- سورة الأنفال، جزء من الآية 24
4- سورة آل عمران، جزء من الآية 140
5- سورة آل عمران، جزء من الآية 120
6- نهج البلاغة، الخطبة 173
7- سورة آل عمران، جزء من الآية 120
8- الشيخ إبراهيم الزكزاكي زعيم الحركة الإسلامية في نيجيريا
9- الشاعر المصري أحمد شوقي

2016-01-01