يتم التحميل...

آداب المعزي

فقه الأحزان

التعزية، هي تفعلةٌ من العزاء أي الصبر، يقال: عزّيته أي صبّ رته، والمراد بها طلب التسلّي عن المصائب والتصبّر عن الحزن، والانكسار بإسناد الأمر إلى الله، ونسبته إلى عدله وحكمته،

عدد الزوار: 44

ما هي التعزية ؟
التعزية، هي تفعلةٌ من العزاء أي الصبر، يقال: عزّيته أي صبّ رته، والمراد بها طلب التسلّي عن المصائب والتصبّر عن الحزن، والانكسار بإسناد الأمر إلى الله، ونسبته إلى عدله وحكمته، وذِكْرِ ما وعد الله على الصبر، مع الدعاء للميت، والمصاب لتسليته عن المصيبة، وهى مستحبّة إجماعاً ولا كراهة فيها بعد الدفن عندنا 1.

فضل التعزية
عندما نتأمّل ما ورد في الروايات الشريفة من فضل التعزية والمواساة في الأحزان والأتراح، يتعجّب الإنسان من عظيم الفضل الذي وضع مقابل هذا العمل الذي لا يعدّ من الأمور التي تنهك الجسد, فقد تكون في غالب الأحيان كلمة مؤثّرة أو عِظة من حكمة أو حديث أو مثل. ولننظر إلى ما ورد عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام في فضل التعزية وهو كثير.

فعن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله : "من عزى مصاباً كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيئاً"2.
وجاء عن الرسول الأكرم الله صلى الله عليه و آله ، أيضاً قوله: "التعزية تورث الجنة"3.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله : "من عزى حزيناً كسي في الموقف حلَّة يحْبَر بها"4.

وذكرالشهيد الثاني في مسكن الفؤاد عن أنس قال قال: رسول الله صلى الله عليه و آله : "من عزى أخاه المؤمن من مصيبة كساه الله عزَّ وجلَّ حِلَّة خضراء يحبر بها يوم القيامة. قيل يا رسول الله صلى الله عليه و آله ما يحبر بها قال: "يغبط بها" 5.
فقد جعل الله تعالى في الصبر على المصيبة أجراً كبيراً وعظيماً عنده, وبمجرد ذهاب الإنسان المؤمن للتعزية بفقيد, فإن أجر الصبر على المصيبة الذي كتب لصاحب العزاء يكتب للمعزي أيضاً, من دون أن ينقص من أجر صاحب المصيبة, وهذا من عظيم الكرم الإلهي.

ومن التعزية التي لها فضل كبير، أن يهتم المعزي بأيتام المتوفى, فيخفف عنهم ويسليهم عن المصيبة ويسْكِتْ بكاءهم، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله : "إنَّ اليتيم إذا بكى اهتز له العرش، فيقول الرب تبارك وتعالى، من هذا الذي أبكى عبدي الذي أسلبته أبويه في صغره، فوعزتي وجلالي لا يسكته أحدٌ إلا أوجبت له الجنة"6.

متى تكون التعزية؟
إن للتعزية وقتاً اعتبره الشارع الوقت الأفضل لها, وهو أن تكون بعد الدفن فعن الإمام الصادق عليه السلام : "التعزية الواجبة بعد الدفن" 7.
نعم تجوز التعزية قبل الدفن وبعده 8.
والتعزية، من الواجبات الاجتماعية لدى أغلب المجتمعات البشرية, أما في الإسلام فلها أسلوب خاص أراده الله تعالى وعلمنا إياه الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله , فما هو فضل التعزية، وكيف نعزي الآخرين؟

كيف نعزي؟
هناك طرق كثيرة، يمكن للإنسان من خلالها، أن يظهر التعاطف والتضامن مع أهل العزاء, فحضوره لدى أهل المصيبة بنفسه عزاء لهم, لأن التواجد إلى جنبهم في هذه المرحلة، التي يعتبرونها صعبة، بحد ذاته مواساة لهم، ولو لم يقال لهم ما يخفف عنهم, ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام في التعزية الواجبة بعد الدفن, "كفاك من التعزية بأن يراك صاحب المصيبة"9.

ولقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله , وأهل البيت عليهم السلام يعزون بأسلوب خاص وبما أننا من أتباعهم، فإننا نستن بسنتهم, ونمشي على إثر خطاهم.
ففي الرواية، "أنه لما قبِضَ رسول الله صلى الله عليه و آله ، أحدق به أصحابه فبكوا حوله، واجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح، فتخطى رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: إن في الله عزاءً من كل مصيبة، وعوضاً من كل فائت، وخلفاً من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، ونظره إليكم في البلاء فانظروا، فإن المصاب من لم يؤجر.
فقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل ؟ فقال علي عليه السلام : نعم، هذا أخو رسول الله صلى الله عليه و آله الخضر عليه السلام
"10.

وقد عزى الإمام الصادق عليه السلام قوماً فقال لهم:"جبر الله وهنَكم، وأحسنَ عزاكم، ورحِمَ متوفاكم"11.
وعن الإمام الرضا عليه السلام في تعزيته للحسن بن سهل :"... التهنئة بآجل الثواب، أولى من التعزية على عاجل المصيبة"12.

وفي الرواية أنه كتب الإمام الجواد عليه السلام إلى رجل: "ذكرت مصيبتك بعلي ابنك. وذكرت أنه كان أحب ولدك إليك، وكذلك الله عزَّ وجلَّ إنما يأخذ من الوالد وغيره أزكى ما عند أهله, ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة, فأعظمَ الله أجرك وأحسن عزاك، وربط على قلبك إنه قدير، وعجل الله عليك بالخلف، وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله تعالى"13.

وفي رواية أخرى: عزى الإمام الصادق عليه السلام رجلاً بابنٍ له فقال عليه السلام : "الله خير لابنك منك، وثواب الله خير لك من ابنك، فلما بلغه جزعه بعد ذلك عاد إليه فقال له عليه السلام : قد مات رسول الله صلى الله عليه و آله فما لك به أسوة فقال: إنه كان مرْهَقاً فقال عليه السلام : إن أمامه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله، ورحمة الله، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه و آله ، فلن تفوته واحدة منهن إن شاء الله"14.

ويروى أن رسول الله صلى الله عليه و آله كتب إلى معاذ يعزيه بابنه:"من محمد رسول الله صلى الله عليه و آله إلى معاذ بن جبل، سلام عليك؛ فإني أحمد الله الذي لا اله إلا هو، أما بعد: فقد بلغني جزعك على ولدك الذي قضى الله عليه، وإنما كان ابنك من مواهب الله الهنيئة، وعواريه المستودعة عندك، فمتعك الله به إلى أجل، وقبضه لوقت معلوم فإنا لله وإنا إليه راجعون. لا يحبطن جزعك أجرك ولو قدِمت على ثواب مصيبتك، لعلمت أن المصيبة قد قصرت لعظيم ما أعد الله عليها من الثواب لأهل التسليم والصبرَ. واعلم أن الجزعِ لا يرد ميتاً، ولا يدفع قدراً، فأحسن العزاء وتَنَجزِ الموعود، فلا يَذْهَبَن أسفك على ما هو لازم لك ولجميع الخلق نازلٌ بقدره، والسلام عليك ورحمة الله و بركاته"15.

وفي هذ الخصوص أيضاً جاء ما ذكر عن الرسول الاكرم صلى الله عليه و آله ، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله أتاهم آتٍ يسمعون حسه، ولا يرون شخصه فقال: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته ﴿كل نَفْسٍ ذَآئِقَة الْمَوْتِ وَإِنَّمَا توَفَّوْنَ أجورَكمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاة الدنْيَا إِلاَّ مَتَاع الْغرور وَما الْحَيَاة الدنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرور16 في الله عزَّ وجلَّ عزاء من كل مصيبة، وخلفٌ من كل هالك، ودرك لما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المحروم من حرِمَ الثواب. والسلام عليكم" 17.

تعزية اليتيم
تتحدث الروايات عن اليتيم المفجوع بفقد أحد والديه. وقد ترك لنا المعصومون عليهم السلام أخباراً تؤكد على لزوم مواساتهم والتخفيف عنهم، فإذا كان المعزى يتيماً، فامسح يدك على رأسه. فقد روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: "من مسح يده على رأس يتيم تَرَحماً له كتب الله له بكل شعرةٍ مرت عليه يده حسنة"18.

حضور النساء للعزاء
فإن على المرأة أيضاً أن تخفف عن امرأة المتوفى, وأهله, وتواسيهم في مصابهم. كما جاء في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام : "مات ابن المغيرة فسألت أم سلمة النبي صلى الله عليه و آله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته، فَأَذن لها وكان ابن عمتها فقالت:

أَنْعَى الْوَليدَ بْنَ الوَليدِ                أَبا الوَليدِ فَتَى العَشيرَة
حامي الْحَقيقَة ماجِداً                يَسْمو إلى طَلَبِ الوَتيرَة
قَدْ كانَ غَيْثاً فِي السنينِ             وَجَعْفَراً غَدِقاً وَميرَة
"19.

ما يذكر في العزاء
على المعزي أن يذكر أهل العزاء بما يخفف عنهم المصيبة.

ومن العناوين التي ينبغي التحدث بها في المآتم:
1 - التذكير بالعدل الإلهي
وسنذكر نموذجاً عن هذا التذكير، ذكره الشهيد الثاني قدس سره في مسكن الفؤاد, وهو أن يقال لصاحب العزاء :..."إنك نظرت إلى عدل الله وحكمته، وتمام فضله ورحمته، وكمال عنايته ببريته، إذ أخرجهم إلى الوجود من العدم، وأسبغ عليهم جلائل النعم، وأيدهم بالألطاف، وأمدهم بجزيل المعونة والإسعاف، كل ذلك ليأخذوا حظهم من السعادة الأبدية، والكرامة السرمدية، لا لحاجة منه إليهم، ولا لاعتماد في شيء من أمره عليهم ؛ لأنه الغني المطلق...وكلفهم بالتكاليف الشاقة، والأعمال الثقيلة ﴿لِنَبْلوهمْ أيهم أَحْسَن عملاً20، وما فعل ذلك إلا لغاية منفعتهم، وتمام مصلحتهم، وأرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل عليهم الكتب، وأودعها ما فيه بلاغ للعالمين, وإذا كانت أفعاله تعالى وتقدس كلها لمصلحتهم، وما فيه تمام شرفهم، والموت من جملة ذلك كما نطق به الوحي الإلهي في عدة آيات، كقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَموتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَاباً مؤَجَّلاً وَمَنْ يرِدْ ثَوَابَ الدنْيَا نؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ21, وقوله تعالى: ﴿قلْ لَوْ كنْتمْ فِي بيوتِكمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كتِبَ عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعِهِمْ22.

وقوله تعالى:﴿أَيْنَمَا تَكونوا يدْرِكْكم الْمَوْت وَلَوْ كنْتمْ فِي بروجٍ مشَيَّدَة23, وقوله تعالى: ﴿الله يَتَوَفَّى الْأَنْفسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمتْ فِي مَنَامِهَا فَيمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيرْسِل الْأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ24 ، وغير ذلك من الآيات"25.

2 - التذكير بالبلاء

وممَّا يمكن أن يسكن به روع أهل المصاب, ويخفف عنهم به التذكير بقضية البلاء وأهميته, وأن البلاء مما وعد به الله تعالى عباده في كتابه حيث يقول: ﴿وَلَنَبْلوَنَّكمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ26, فلا بدَّ من البلاء للتمحيص, ولاختبار تقبل الإنسان المؤمن للأحكام الإلهية, والالتزام بها. فعن الإمام علي عليه السلام في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالكمْ وَأَوْلادكمْ فِتْنَةٌ قال: "ومعنى ذلك، أنه سبحانه، يختبر عباده بالأموال والأولاد، ليتبين الساخط لرزقه والراضي بقسمه, وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ولكن لتظهر الأفعال، التي بها يستحق الثواب والعقاب"27.

وقد أعدَّ الله عزَّ وجلَّ للإنسان من الأجر الكثير والكبير في الصبر على البلاء؛ ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : "إن عظيم الأجر مع عظيم البلاء، وما أحبّ الله عزَّ وجلَّ قوماً إلا ابتلاهم"28.

3 - المواعظ
وهي الأمور التي يمكن أن تروى لأخذ العبرة منها كالقصص, وخصوصاً لمن تأخذ منه المصيبة مأخذاً بحيث يغلب عليه الحزن, ويقارب درجة اليأس.
فتذكر لأصحاب المصيبة لتسقى الروح الذابلة بمطر الرضا, فتجري في عروقها ماء التسليم لإرادة الله تعالى.
منها ما ذكر أنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد، وكانت له امرأة، وكان بها معجباً، فماتت فوجد عليها وجداً شديداً، حتى خلا في بيت، وأغلق على نفسه، واحتجب عن الناس، فلم يكن يدخل عليه أحد. ثم إن امرأة من بني إسرائيل سمعت به، فجاءته فقالت: "لي إليه حاجة استفتيه فيها، ليس يجزيني إلا أن أشافهه بها"، فذهب الناس، ولزمت الباب،فأخبِرَ، فأَذِنَ لها، فقالت:"أستفتيك في أمر"، فقال: "ما هو"؟

قالت: "إني استعرت من جارة لي حلياً، فكنت ألبسه زماناً، ثم إنهم أرسلوا إلي فيه، أفأرده إليهم؟"
قال: "نعم".
قالت: "والله إنه قد مكث عندي زماناً طويلاً"
قال: "ذاك أحق لردك إياه".
فقالت له: "رحمك الله، أَفَتَأْسَف على ما أعارك الله عزَّ وجلَّ، ثم أخذه منك، وهو أحق به منك ؟ فأبصر ما كان فيه". ونفعه الله بقولها 29.

ومن المناسب أن يذكر من فقد ولداً عزيزاً؛ بما في ذلك من الرحمة والشفاعة له؛ وبما ورد عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله , وآل البيت عليهم السلام من روايات، منها ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، قال: "من قدم أولاداً يحتسبهم عند الله تعالى، حجبوه من النار بإذن الله عزَّ وجلَّ"30.
وعن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: "ولدٌ واحد يقدمه الرجل أفضل من سبعين، يخلفونه من بعده، كلهم قد ركب الخيل، وقاتل في سبيل الله" 31.

4 – التذكير بمصابنا بالرسول الأكرم صلى الله عليه و آله
إن أي مصيبة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله هينة, فقد جاء في الروايات الشريفة عنه صلى الله عليه و آله أن يتذكر بالمصاب مصيبته ليخفف عنه ما أصابه, فعن ابن عباس رضوان الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله : "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب". وعنه صلى الله عليه و آله : "من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته بي، فإنها ستهون عليه". وعنه صلى الله عليه و آله ، إنه قال في مرض موته: "أيها الناس، أيما عبدٍ من أمتي أصيب بمصيبةٍ من بعدي فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدَّ عليهِ من مصيبتي "32.

وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه و آله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: "بَخْ بَخْ 33، خَمْسٌ ما أَثْقَلَهفنَّ في الميزان ! لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه"34.

5 - عدم توهين عزيمة أهل العزاء:
إنَّ على أقارب الفقيد ومن أتى لتقديم التعازي, أن يرفع من معنويات أصحاب العزاء, لا أن يحبطها من خلال نواحه, والقيام بالصراخ والعويل, ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام : "أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر، وجز الشعر ومن أقام النواح فقد ترك الصبر، ومن صبر واسترجع وحمد الله تعالى، فقد رضي بما صنع الله، ووقع أجره على الله عزَّ وجلَّ، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم، وأحبط الله عزَّ وجلَّ أجره" 35.

ويكفي أهل المصاب ما حل بهم, فلا ينبغي المزايدة عليهم أو زيادة حزنهم بهذه التصرفات, حتى وإن كان يشعر بالأسى والحزن عليه لمعرفته بهم, بل ينبغي الشد على أيديهم؛ للتصبر والتسليم بما قضى الله تعالى لهم من أمره, وما أجراه عليهم من حكمته.

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام : "الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر ، والصبر عند الصدمة الأولى أعظم، وعِظَم الأجر على قَدْر المصيبة، ومن استرجع بعد المصيبة جدَّد الله له أجرها كيومَ أصيب بها"36.
ومن النماذج الرائعة والمعبرة التي يرويها التاريخ في هذا الصدد, أن "صلة بن أشيم" كان في مغزى له، ومعه ابن له، فقال لابنه: "أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبكْ، فحمل فقاتل فقتل، ثم تقدم أبوه فقاتل فقتل، قال: فاجتمع النساء عند أمه معاذة العدوية زوجة صلة، فقالت لهن: "مرحباً بِكنْ إن كنتن جئتن لِتَهْنِئَتي ، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجِعْن"37.


الطعام في العزاء
جرت العادة في بعض الأعراف أن على أهل العزاء أن يعدوا الطعام لمن جاء لتعزيتهم, وهذه العادة كانت قبل الإسلام, أي قبل بعثة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله , ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : "الأكل عند أهل المصيبة من عمل الجاهلية, والسنة البعث إليهم بالطعام" 38.

إذاً؛ ما هو المقصود من الإطعام في الشريعة الإسلامية الغراء؟
المقصود من الإطعام عند المصاب: تحضير الطعام لأهل الميت المنشغلين بتقبل العزاء والمواساة من الناس, حيث لا وقت لديهم لتحضير الطعام, وهذا العمل هو من السنن التي سنها الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ؛ فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لما قتل جعفر بن أبي طالب دخل رسول الله صلى الله عليه و آله على أسماء بنت عميس إلى أن قال: فقال: إجعلوا لأهل جعفر طعاماً فجرت السنة إلى اليوم"39 .

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لما قتل جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله صلى الله عليه و آله فاطمة عليها السلام أن تَأْتِيَ أسماء بنت عميس، هي ونساؤها وتقيم عندها وتصنع لها طعاماً ثلاثة أيام"40.

بل إن بعض الروايات أكدت على أن الجيران، هم من يقومون بتحضير الطعام عن روح الميت، لا أهل العزاء، وروى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: " ينبغي لصاحب الجنازة أن لا يلبس رداء، وأن يكون في قميص حتى يعرف، وينبغي لجيرانه أن يطعموا عنه ثلاثة أيام"41.

*فقه الاحزان , سلسلة الفقه الموضوعي , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- الشيخ الكليني-الكافي- ج 3 ص 203
2- الشيخ الكليني-الكافي- ج 3 ص 205
3-السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج 3 ص 454
4- الشيخ الكليني-الكافي- ج 3 ص 205
5- السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج3 ص452
6- الشيخ الصدوق - ثواب الأعمال - ص 200
7- الشيخ الكليني-الكافي- ج 3 ص 204
8- الإمام الخميني {- تحرير الوسيلة -ج 1 ص 96
9-السيد البروجردي -جامع أحاديث الشيعة - ج 3 ص 455
10- الريشهري-ميزان الحكمة-ج 3 ص 1972
11-م . ن.ج 3 ص 1972
12-م . ن.ج 3 ص 1972
13- الشيخ الكليني-الكافي- ج 3 ص 205
14- الشيخ الكليني-الكافي- ج 3 ص 204
15-السيد البروجردي -جامع أحاديث الشيعة - ج 3 ص 457
16-آل عمران: 185
17-السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج 3 ص 461
18-م . ن .ج3ص463
19-السيد البروجردي -جامع أحاديث الشيعة - ج 3 ص 468
20- الكهف: 7
21-آل عمران:145
22-آل عمران: من الآية154
23-النساء:78
24-الزمر:42
25-نقلا عنمسكن الفؤاد للشهيد الثاني قدس سره بتصرّف وتلخيص
26-البقرة:155
27-الريشهري-ميزان الحكمة-ح1890
28- الشهيد الثاني- مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد-ص 113
29-الشهيد الثانيمسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد – ص 111
30-م . ن. ص30
31-م . ن . ص30
32-الشهيد الثاني- مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد- ص 110
33- بخ بخ، كلمة تقال عند المدح والرضا بالشئ، وتكرر للمبالغة، وربما شددت ومعناها: تفخيم الأمر وتعظيمه، ومعني يحتسبه، أي: يجعله حسبة وكفاية عند الله عزَّ وجلَّ، أي: يحتسب بصبره على مصيبة بموته، ورضاه بالقضاء.
34-مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد-الشهيد الثاني– ص31
35-الشيخ الكليني-الكافي- ج 3 ص 223
36- الشهيد الثاني- مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد- ص 53
37- الشهيد الثاني- مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد- ص 73
38- الشيخ الصدوق- من لا يحضره الفقيه -ج 1 ص 182
39-الحرّ العامليّ - وسائل الشيعة - ج 3 ص 237
40-م . ن.ج 2 ص 889
41- الشيخ الصدوق- من لا يحضره الفقيه- ج 1 ص 174

2016-01-13