يتم التحميل...

المرأة والجهاد

علم وعمل وجهاد

المجتمع الإسلامي مجتمع رسالي اختاره الله تعالى لحمل أعظم رسالة وأكمل دين وهو الدين الإسلامي العظيم.. وبذلك يتحمل المجتمع الإسلامي مسؤولية إعلاء كلمة الله في الأرض وتطبيق شريعة الله في العالم...

عدد الزوار: 63

المجتمع الإسلامي مجتمع رسالي اختاره الله تعالى لحمل أعظم رسالة وأكمل دين وهو الدين الإسلامي العظيم..

وبذلك يتحمل المجتمع الإسلامي مسؤولية إعلاء كلمة الله في الأرض وتطبيق شريعة الله في العالم..

فهو ليس مجتمعاً محدود الهدف تنتهي مهمته عند حدود توفير العيش والأمن والارتياح لأفراده بل انه يقوم بدور الرقيب على تطبيق قيم الحق والعدل والحرية في العالم كله فهو الشهيد على أوضاع البشرية جميعاً قال تعالى:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًاً1

وإذا ما تحملت الأمة الإسلامية هذه المسؤولية وقامت بها خير قيام فإنها ستصبح خير الأمم وأفضلها كما يقول القرآن الحكيم:
﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ2

وأداء هذه المهمة والقيام بهذا الدور الخطير يتطلب من الأمة أن تعيش صراعاً مستمراً دائباً مع قوى الكفر والظلم والجور في العالم.. ويجعل الأمة هدفاً للاعتداء من جانب تلك القوى التي ترى في وجود هذه الأمة تهديداً لبقائها وخطراً على مصالحها.. وقد أعد الإسلام أبناءه لخوض هذا الصراع الطويل مع قوى الطغيان والكفر والانحراف لتخليص العالم منهم وليعيش الإنسان حراً لا يخضع لسيطرة أحد إلا لأمر الله تعالى.. ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ3

من هنا فقد ركز القرآن كثيراً على قضية الجهاد في سبيل الله، وتحدث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الطاهرون عليهم السلام بتأكيد كبير على أهمية الجهاد ومكانته وفضله..

ففي القرآن الكريم ما يقارب الأربعين 40 آية تتحدث عن الجهاد ومشتقاته.

وهناك اكثر من مائة آية 100 تتحدث عن الجهاد بلفظ القتال ومشتقاته..

بالإضافة إلى مجموعة من الآيات تتحدث عن الجهاد بلفظ الغزو والحرب والشهادة ومشتقاتها..

بينما لا نجد في القرآن الحكيم عن الحج إلا 5 خمس آيات فقط وعن الخمس آية واحدة لا غير وعن الصوم 10 آيات تقريباً..

وحينما نرجع إلى السنة المطهرة نجد مئات الأحاديث والنصوص تركز على موضوع الجهاد وتقرر بصراحة: أن الجهاد أهم وأفضل من جميع الأعمال والعبادات الأخرى..

فعن الرسول صلى الله عليه وآله سلم: فوق كل ذي بر، بر حتى يقتل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر4..

ويقول الإمام محمد الباقر عليه السلام الجهاد الذي فضله الله على الأعمال وفضل عامله على العمال تفضيلاً في الدرجات والمغفرة5..

وإذا ما قمنا بجولة عابرة في ربوع نهج البلاغة سنرى أن الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام يعطي للجهاد مكانة خاصة ويرفعه إلى أعلى مستوى من الأهمية والتقدير ويمنحه أعظم الصفات حيث يقول: الجهاد عز الإسلام6:
الله، الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله7.

وكان المسلمون الأوائل والجهاد يشكل جزءاً لا ينفصل من حياتهم العملية، فكانوا يرون فيه طريقاً سريعاً ومختصراً إلى الجنة فينتظر كل واحد فرصته الغالية في الجهاد في سبيل الله ويتسابقون إليه ويستبشرون به"8.

وقد قاد الرسول صلى الله عليه آله وسلم سبعاً وعشرين 27 غزوة خلال العشر سنوات التي قضاها في المدينة المنورة على راس المجتمع الإسلامي يعني بمعدل كل أربعة أشهر غزوة تقريباً..

كما بعث سبعاً وأربعين سرية فرقة صغيرة من الجيش إلى مختلف القبائل والأنحاء وخاض في بعضها القتال..

والمرأة ما هو دورها في صراع الرسالة مع الأعداء وجهادها ضد قوى الكفر والجور؟

وإذا كانت المرأة جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي.. فهل جعل لها حصة من الجهاد أو حملها نصيباً من مسؤولية نشر الدعوة؟

أم تأخذ المرأة موقف التفرج وتبقى في حالة انتظار لما تسفر عنه أحداث المعركة وميدان الصراع؟

في الحقيقة إن الصراع المسلح ضد أعداء الرسالة والأمة يكون على إحدى حالتين:
إما أن ترتأي القيادة الرسالية مهاجمة معاقل الشرك ومواقع الكفر والضلال، فهذا ما يسمى الجهاد الابتدائي الهجومي، وإما أن يقع اعتداء على شبر من أراضي المسلمين أو على شيء من حقوقهم أو مصلحة من مصالح الرسالة فتهب الأمة للدفاع عن حقوقها وكرامتها لرد الاعتداء الأثيم.. وهذا يسمى: جهاد دفاعي.

في النوع الأول: من الجهاد الابتدائي الهجومي على القيادة الشرعية أن تخطط له مع استبعاد العنصر النسائي من المشاركة في ميدان القتال مراعاة لظروف المرأة الجسمية والنفسية والتي لا تمكنها غالباً من خوض القتال وحمل السلاح ومواجهة العنف، ونظراً للمهام الاجتماعية الأخرى التي تقوم بها المرأة،والمفروض في هذا النوع من الجهاد توفر القدرة والقوة اللازمة في المجتمع الإسلامي لكي يأمر القائد على أساسها بمهاجمة الأعداء، وإذا أدّى ترك النساء بيوتهن وإهمال أولادهن الى مضاعفات اجتماعية خطيرة فهذا يعني عدم توفر القدرة اللازمة للجهاد، فلا يصح للقائد حينئذ أن يعلن الجهاد الابتدائي.

بيد أن الإسلام يفسح المجال للمرأة للمساهمة في معركة الرسالة.. الهجومية.. ضد قوى الاعتداء والكفر بالقيام بالمهمات الجهادية التي لا تتعارض مع ظروف المرأة وطبيعتها ولا تؤثر على دورها وأعمالها الاجتماعية الأخرى..

فهي قادرة على الهاب الحماس ورفع الروح المعنوية في نفوس المجاهدين وتشجيع المقاتلين.. وعليها تموين الجيش بما يحتاج من الطعام والشراب وعلاج المرضى وتضميد الجرحى وسقايتهم الماء..
وتبقى مسؤولة عن حفظ الأمن والاستقرار في داخل المجتمع أبان المعركة..

وإذا استطاعت تجاوز ظروفها الخاصة وكانت نفسيتها مستعدة لتحمل مشاق القتال ومصاعب الجهاد المسلح – كما يحصل عند بعض النساء – فلها الحق حينئذ أن تشارك في القتال إذا كانت فيه مصلحة للمعركة.. فالجهاد الابتدائي ليس واجباً على المرأة لكنه جائز منها فتحظى بشرف الجهاد والنضال..

أما في حالة تعرض المجتمع الإسلامي للاعتداء فإن واجب الدفاع يشمل المرأة أيضاً حينما تتطلب المعركة ذلك..

والمرأة المسلمة اليوم مدعوة للجهاد ضد الاستعمار وعملائه الخونة الذين يعتدون على مصالح الرسالة ويسلبون حقوق الأمة..

وإن في تاريخنا الإسلامي صوراً مشرقة للدور الجهادي العظيم الذي قامت به المرأة في معركة الرسالة ضد أعدائها الكافرين الطغاة..

ولنلتقط الآن بعض تلك الصور الرائعة الجميلة:

1- تشارك في سبع غزوات:
تتحدث الصحابية الجليلة أم عطية عن دورها النضالي في معارك الرسالة فتقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات وكنت اخلفهم في رحالهم واصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى9.

2-بطولة رائعة
إنها لبطولة رائعة جسدتها هذه المرأة حيث ثبتت في مواقف عصيبة انهزم فيها كثير من الرجال وساهمت في العديد من المعارك والغزوات..

إنها أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية ثانية اثنتين شهدتا العقبة الكبرى وأول مبايعة فيها للنبي وقد شهدت غزوة أحد وبيعة الرضوان ويوم اليمامة حيث كانت تقاتل مع أبيها عبد الله حتى قتل المتنبي الكذاب مسيلمة.. وقد قطعت يدها في تلك المعركة وجرحت اثنا عشر جرحاً.. أما موقفها في غزوة أحد في السنة الثالثة للهجرة.. فكانت أكاليل غار على رؤوس النساء وقد خرجت نسيبة في جيش المسلمين تسقي الظماء وتداوي الجرحى... وعندماانكشف المسلمون وولوا مدبرين إلا عشرة أو نحوهم وقفوا يدرأون عن رسول الله ويحولون دون الوصول إليه، هنالك حان دور نسيبة فأخذت سيفها واحتملت قوسها وذهبت تصول وتجول بين يدي رسول الله تنـزع على القوس وتضرب بالسيف فكانت من اظهر القوم أثرا وأعظمهم موقعاً وكانت لا ترى الخطر يدنو من رسول الله حتى تكون سداً دونه تدفع عنه سيوف العدو وحرابهم حتى قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ما التفت يميناً وشمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني..

ولقد رآها يومئذ وهي تعصب جرحاً ينزف دماً في ذراع ابنها عمارة فما انتهت عنه حتى دفعته للكفاح كرة أخرى وهي تقول له: قم يا بني فضارب القوم وجاهد في سبيل الله.

ويرمقها الرسول بنظرة حانية وهو يقول: ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة10؟

3- روح نضالية معطاءة
حينما يمتلك الإنسان روح النضال ونفسية العطاء فإنه يصنع معاجز الجهاد وروائع التضحية والفداء ويتجاوز حدود ظروفه المادية الضيقة..

فهذه الخنساء زعيمة شواعر العصر كانت قد أدركها الهرم حينما تهيأ الجيش الإسلامي للرحيل إلى القادسية ولها أربعة من الأولاد هي في أمس الحاجة إلى وجودهم ليقوموا بخدمتها ورعايتها خاصة،وان المرأة كلما تقدمت بها السن ازداد لهيب عاطفتها فتصبح اكثر تعلقاً بأولادها وأحبائها..

ولكن روح الخنساء النضالية ونفسيتها المعطاءة جعلتها تجمع أبناءها الأربعة وتحفزهم على الجهاد في سبيل الله وتشوقهم إلى وسام الشهادة وشرفها.. فقد قالت لهم في خطبتها الرائعة:

يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية..

يقول عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ11 فإذا أصبحتم إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين فإذا رأيتم الحرب شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سباقها وصبت ناراً على أوراقها فيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها تظفرون بالغنم والكرامة في دار الخلود والمقامة..

وكان لهذه الخطبة العظيمة اثر كبير في اندفاع أبنائها الأربعة نحو المعركة حيث قاتلوا إلى أن احتضنتهم الشهادة ونالوا كرامة الله وحياة الخلود. فلما جاء خبر استشهادهم إلى أمهم العجوز الحنون لم تسيطر عليها العاطفة ولم تتغلب على رؤيتها المأساة بل غمرتها روح النضال ونفسية العطاء فبادرت تقول الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة12

فللمرأة المسلمة في الجهاد دور كبير ويمكنها أن تقدم الشيء الكثير وأن تصنع معاجز الفداء وروائع الصمود والتضحية والعطاء..

*مسؤولية المرأة،الشيخ حسن الصفار...ص24-28.


 

1-البقرة:143.
2-آل عمران:110.
3-البقرة:193.
4- ميزان الحكمة 5/187.
5- حياة الإمام الباقر للقرشي ج1 ص309.
6- الإمام علي: نهج البلاغة- حكمة رقم 252.
7- المصدر السابق خطبة رقم 47.
8- رؤى الحياة في نهج البلاغة للمؤلف ص87.
9- المرأة في حضارة العرب ص 27.
10- المصدر السابق ص 27.
11-آل عمران:200.
12- مئة أوائل من النساء لسليمان سليم البواب ص212-214.

2013-03-21