يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء أهالي آذربيجان الشرقية

2020

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء أهالي آذربيجان الشرقية

عدد الزوار: 10

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء أهالي آذربيجان الشرقية_18/2/2020

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، لا سيما بقية الله في الأرضين.

أرحّب بكم أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات. هذا اللقاء السنوي من أطيب اللقاءات بالنسبة إلي وأبقاها في الذاكرة. كما إن اللقاء بأهالي تبريز وآذربيجان كان دومًا من أفضل وأطيب لقاءاتي وزياراتي وأبقاها في الذاكرة من بين أسفاري وزياراتي. وأنا سعيد للقائي مرة أخرى بجمع من أهالي آذربيجان وتبريز الغيارى المؤمنين الثوريين الصادقين الشجعان في هذه الحسينية. فأهلًا وسهلًا بكم.

لقد تحدثنا كثيرًا في مناقب تبريز والتبريزيين والآذربيجانيين. ويبقى للحديث صلة. كلما عاد المرء بذهنه إلى الأحداث التاريخية في فترة الثورة وما قبل الثورة، شعر أكثر بأهمية أهالي تبريز وأهالي آذربيجان وتأثيرهم. ولو أردنا أن نعطي تقييمًا إجماليًا لهؤلاء الناس بجملة واحدة لقلنا إن الغيرة الدينية والغيرة الوطنية والغيرة الثورية في آذربيجان متبلورة في سلوك الناس وشخصياتهم وهوياتهم. فقد دافعوا عن الدّين ودافعوا عن البلاد ودافعوا عن الثورة ودافعوا عن الوطن والوطنية ودافعوا عن الهوية الدينية. يوم كان هناك من يروج للنزعات العدوانية والأفكار المنحرفة المعادية للدّين في آذربيجان كان اعتماد منقذي الثورة الدستورية يومها على فتاوى الفقهاء. ولم يكن أحد ليصدق يومذاك أن يتلقى "ستار خان" و"باقر خان" الأوامر والأحكام من مراجع التقليد. لكن هذا ما حدث. فدائمًا ما حافظ هؤلاء على الهوية الدينية وصانوها.

ذكر إمام الجمعة المحترم نقطة جيّدة مهمة تكرّرت في كلمته وهي أن الأمور في آذربيجان وتبريز تقع في وقتها المناسب دون تأخير. أي أنها تقع في الوقت اللازم وفي اللحظة المناسبة. لقد قلت مرارًا إنه في خط الإنتاج حينما يمر المنتج من أمامكم وأنتم تقفون في موضع معين من الخط، يجب عليكم أن تقوموا بعمل ما على هذا المنتج. فإذا تأخرتم عن هذا الفعل خمس ثوان سيسير المنتج ويتجاوزكم ويبقى ناقصًا. لذا ينبغي أن تتخذوا القرار في تلك اللحظة بالذات وتتصرفوا. وهكذا تصرفت آذربيجان. اتخذت قرارها في اللحظة المناسبة وعملت به. وهذا كان واقع الأمر في التاسع والعشرين من بهمن سنة 56 [18/02/1978م]؛ الذي يصادف اليوم الذكرى السنوية التي تعيد للأذهان ذلك الحدث العظيم. حيث اتخذوا القرار في الوقت المناسب وتصرفوا، وبارك الله في عملهم. وسوف أشير إجمالًا كيف أن الله يبارك في مثل هذه الأعمال.

وفي الأحداث التي تلت الثورة أيضًا كان الوضع كذلك. وقد كنا على اطلاع هنا في شورى الثورة. كان الجميع يهتمون بشؤون تبريز بشكل دائم. وكذلك كان الإمام الخميني. [فعندما] استوحش البعض قال الإمام الخميني لا يستوحشن أحدٌ فأهالي تبريز أنفسهم سيتولون دفع الفتنة ولا حاجة لشخص آخر. وهذا ما حصل. جمعوا أعداء الثورة من هنا وهناك وأخذوهم إلى تبريز في الشهور الأولى بعد انتصار الثورة عسى أن يستطيعوا إشعال فتنة ما. وكان أهالي تبريز أنفسهم هم من عالج الفتنة وأخمدها. أهالي تبريز أنفسهم، شباب تبريز أنفسهم هم الذين نزلوا إلى الساحة وعالجوا الأمر. وكذا الحال في الدفاع المقدس، وفي أحداث ما بعد الدفاع المقدس، وفي مختلف الفتن التي حصلت، وفي عام 88 [2009م] وفي الأحداث اللاحقة كانت تبريز رائدة دومًا وتسير متقدمة على الآخرين. ومع أنهم لم يأخذوا جثمان الشهيد سليماني إلى تبريز لكن الحشود الجماهيرية الهائلة والتجمعات التي حصلت في تبريز لتوديع الشهيد -وكنت أشاهد ذلك من التلفاز- تبعث على الدمع حقًّا. إنه أمر بغاية الأهمية وذو معنى عظيم. ثم كانت مظاهرات الثاني والعشرين من بهمن [11 شباط ذكرى انتصار الثورة الإسلامية] في ذلك البرد والثلوج والطقس غير المؤاتي وتلك الحشود الهائلة من الناس. هذه أمور تشاهدها الأعين؛ تشاهدها أعين الأصدقاء فتزداد أملًا، وتشاهدها أعين العدو فتحسب لها الحساب. العدو أيضًا يشاهد هذه الأمور. العدو ليس نائمًا ولا هو أعمى. وهو يرى ما يحدث في إيران. لذا فإن هذه الأمور مؤثرة. وسوف أشير لهذا الجانب.

إنّ تأثيرَ الحضور في الوقت واللحظة المناسبة تأثيرٌ ينظر له الله تعالى بلطف وعناية خاصة. أي أن بركة العمل عندما تقومون به في لحظة الحاجة تكون بركاته أكبر. على سبيل المثال حادثة التاسع والعشرين من شهر بهمن سنة 1356هـ.ش هذه. أنا أعتقد أنه لو لم يحيي أهالي تبريز أربعينية حادثة التاسع عشر من شهر دي في التاسع والعشرين من بهمن لذهبت حادثة التاسع عشر من دي في مطاوي النسيان على الأغلب. ولأودعت غياهب النسيان وسط أمواج الدعاية المتنوعة يومذاك. لكن الله تعالى منّ ببركاته ووقف الناس وقاوموا وأبدوا الشجاعة وأحيوا أربعينية شهداء التاسع عشر من دي في مدينة قم. ولأن الحركة كانت في الظروف المطلوبة، والمكان المطلوب، وفي الوقت المطلوب، بارك الله تعالى بها. فما هي البركة التي منّ الله بها؟ كانت البركة أن التحرك العام للشعب الإيراني جاء تبعًا لهذا التحرك. فبعد تبريز، أحيت عدة مدن – غير مدينة – أربعينية شهداء تبريز. أي أنهم تعلموا ما الذي ينبغي فعله. التبريزيُّون هم من فتحوا الطريق. هكذا يبارك الله في الأعمال. وأفضى التحرك العام للشعب الإيراني إلى حدث لا سابقة له طوال تاريخ بلادنا: استئصال حكم الطاغوت وتأسيس حكم الإسلام. هذه هي البركة الإلهية.

إن أملي كبير بآذربيجان وتبريز. وأملي كبير بالشباب. أكثر المتواجدين هنا من الشباب. أنتم لا تتذكرون ذلك اليوم. [أو] لم تشهدوا ذلك اليوم [أصلًا]. ولم تروا الإمام الخميني، ولم تشهدوا الدّفاع المقدّس. لكن قابلياتكم أنتم، إن لم تكن أكبر من قابليات أولئك الأعزاء الذين جاهدوا في الدفاع المقدس، فهي ليست بأقل منها. هذا ما أعتقده. يقف الشاب الآذربيجاني اليوم بمنتهى الرجولة في ساحة الدفاع عن الثورة ويتصدى في مجال الحرب الناعمة وفي القضايا العقائدية وفي قضايا الأفكار المتنوعة في مواجهة الإعلام المعادي. وإذا وقع حدث معين يستدعي التواجد في الساحة بصورة أخرى، نرى أولئك الشباب أيضًا جاهزين. آذربيجان جاهزة وعلى أهبة الاستعداد حقًّا لممارسة دورها في الشؤون الاقتصادية وفي القضايا السياسية وفي الأمور العلمية وفي مختلف شؤون البلاد. وسوف تمارس هذا الدور الحاسم إن شاء الله وبتوفيق من الله.

أريد اليوم أن أتحدث عن الانتخابات قليلًا. والمخاطب بهذا الكلام هو أنتم الأعزاء المتواجدون هنا، والذين سيستمعون لاحقًا لكلامنا عبر وسائل إعلامية أخرى. قضية الانتخابات مهمة جدًّا. وأقولها لكم؛ إن الانتخابات جهاد عام. وهي تبعث على تقوية البلد. وهي بمثابة ماء وجه النظام الإسلامي. وأنتم ترون دعايات الأمريكيّين كيف يريدون التفرقة بين النظام الإسلامي والشعب. وهم يعملون كثيرًا ولا ينفكّون عن العمل. ويشكّلون -حسب تعبيرهم- غرف تفكير. هم يطلقون على هيئات المفكّرين اسم غرف تفكير. فيجتمعون ويفكرون ويخططون. [عندهم] عشرات الأشخاص بل مئات الأشخاص في قطاعات مختلفة تعنى بشؤون إيران والرأي العام في إيران. فيجتمعون ويقومون بفعالياتهم. والغاية من هذه الأعمال الفصلُ بين الشاب الإيراني والنظام الإسلامي. لكنهم لا يحقّقون أيّ نتيجة. وترون ما الذي يحدث في الثاني والعشرين من بهمن [ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة] وما الذي يحدث في تكريم شهيدنا العزيز سليماني! وهذا ما ينبغي أن يحدث في الانتخابات أيضًا، بمعنى أن يرى الأعداء أنه على الرغم من إصرارهم على فصل الشعب عن النظام الإسلامي، إلا أن الشعب يُقبل على الانتخابات. وهذا الإقبال بمثابة ماء وجه النظام الإسلامي.

وإن أبصار الأصدقاء والأعداء شاخصة إلى هنا. ينبغي أن تأخذوا هذا الأمر بعين الاعتبار. فالأعداء يريدون أن يعرفوا ما هي نتيجة كل المساعي والحملات الإعلاميّة والمشاكل الاقتصادية الموجودة في البلد ونكث العهود الذي أظهره الغربيون والأوروبيون والضغوط التي يمارسها الأمريكيّون واعتبروها ضغوطًا قصوى. يريدون معرفة ما هي نتيجة كل ذلك [وتأثيره] على الشعب في نهاية المطاف؟ العدو ينظر ويريد أن يعرف. وأصدقاؤنا أيضًا في أطراف العالم ينظرون بقلق ليعرفوا إلى ما ستؤول الأمور. ونحن كل مرة نبعث فيها رسالة إلى مجموعة من أصدقائنا، أقول [لهم] دومًا أن لا تقلقوا أبدًا، و ألّا تقلقوا على الشّعب الإيراني، فهو يعرف ما يفعل، ويحسن التصرف وهو يقوم بما يجب عليه القيام به.

الانتخابات محبطة لكثير من النوايا السيئة التي يحملها الأمريكيّون في أذهانهم ويبيتها الصهاينة في قلوبهم ضد البلد. الانتخابات تحبط هذه النوايا المشؤومة. والانتخابات هذه هي بمثابة هجوم مضادّ لمكر أعداء إيران وكيدهم. وهي نموذج للحضور في الوقت المناسب الذي تحدّثنا عنه. وقلنا بأنّ الله يبارك بالحضور في الوقت المناسب. على غرار الحضور في التاسع والعشرين من بهمن سنة 56 حيث بارك الله. وهنا أيضًا ستكون البركة في الحضور عند صناديق الاقتراع بتوفيق من الله. إذا قمنا بعملنا على أحسن وجه، قد يترك هذا العمل تأثيرًا باعثًا على التحوّل في البلد.

لقد قلنا مرارًا بأنه يجب على إيران أن تكون قويّة. فإن صارت قويّة، فسوف ييأس العدو وستنتهي مؤامراته في مهدها ولا تصل إلى أيّ نتيجة. هذه هي نتيجة القوة. ومن مصاديق القوة أن يكون لدينا مجلس قوي. مجلسٌ يستطيع بتشريعه القوانين اللازمة وبتوجيه الحكومات نحو الاتجاه المطلوب، أن يصون البلاد مقابل مؤامرات العدو. هكذا هو المجلس القوي. وكلما كانت مشاركة الشعب عند صناديق الاقتراع أكثر كلما كان المجلس أقوى. طبعًا هذا أحد الأركان. أمّا الرّكن الثاني فسوف أشير إليه أيضًا. أحد أركان قوة المجلس هي أن يمنحه أفراد كثر وجمع أكبر أصواتهم. مجلس الشورى الذي يتكون بأصوات الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب سيكون مجلسًا قويًا معتبرًا. هذا التأثير الذي تتركه الانتخابات لا ينحصر بدورة الأعوام الأربعة التي يتشكل فيها المجلس، إنما لها تأثيراتها طويلة الأمد. لأن النواب الذين ترسلونهم للمجلس قد يتخذون قرارات ويصادقون على قوانين تبقى آثارها لعدة سنين. فإذًا تأثير المجلس – سواء كان مجلسًا قويًا صالحًا أو مجلسًا ضعيفًا – سيكون طويل الأمد. وإذا كان المجلس ضعيفًا لا سمح الله، وإذا كان منهزمًا نفسيًا أمام العدو، هناك أيضًا سيترك مثل هذا المجلس تأثيرات سلبية طويلة الأمد.

برأيي وبملاحظة كافة الجوانب، فإنّ المشاركة في الانتخابات والتصويت في الوقت الحاضر تعد حكمًا شرعيًا. وليس مجرد واجب وطني وثوري. بل هي واجب شرعي. وهي في الوقت ذاته عرس وطني. وفي الوقت ذاته حق مدني. فمن حقّ النّاس أن يتدخّلوا ويشاركوا في تقرير مصير البلاد. وهي وسيلة لاستيفاء جميع أفراد الشعب حقهم في المشاركة. وعليه، سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية الوطنية أو من حيث إحقاق الحق المدني، تتميز الانتخابات بخصوصية بارزة. هذا جانب من القضية.
جانب آخر منها هو كيفية الانتخاب. كيف ننتخب ومن الذي ننتخبه. وهو أمر مهم جدًّا. وبالطبع ذكرت عدة نقاط في كلماتي السابقة. وأؤكد الآن أيضًا على تلك النقاط التي سبق أن أشرت لها: أن يكون الذين تنتخبونهم مؤمنين، شجعان، وكفوئين. أن يكونوا أفرادًا مؤمنين شجعان ملمّين بواجباتهم، متحفّزين، أوفياء للناس وأوفياء للثورة.

يا أعزائي! كان لدينا في مجلس الشورى الإسلامي ذات يوم نوّاب – في مجلسنا هذا مجلس الشورى الإسلامي – هم اليوم خدم وعملاء لدى أمريكا وأعداء إيران. [هم] أعداء للجمهورية الإسلامية. [لكنّهم] كانوا ذات يوم نوابًا هنا! ينبغي الحذر من هذه الأمور بدقة. [يجب أن يكونوا] أوفياء للإسلام، أوفياء للشعب، أوفياء للثورة، أوفياء للبلد، أشدّاء مقابل العدو؛ أن لا يشعروا بالضعف ولا يبدوه أمام العدو. وأن لا تكون أعينهم وقلوبم حريصة على مال الدنيا. بل أن تكون أعينهم وقلوبهم مكتفية. فقد يدخل البعض ساحة النيابة من أجل أن يكسب المال والمنافع. مثل هؤلاء غير جدير لنيابة هذا الشعب. أي الذين يطمحون أن يصبحوا نوابًا ليؤثّروا في أوضاع إدارة بعض الدوائر – عزل هذا والمجيء بذاك – ويجعلوا ذلك مطمعهم لتحقيق مكاسب مالية! ينبغي أن لا يكونوا من هذا القبيل.

ينبغي أن تكون هناك تركيبة متناسبة في المجلس بين الشباب وبين أصحاب التّجارب. وهذا أمر ضروري. أنا أعتمد دومًا على الشباب، لكن هذا لا يعني أن يغض المرء الطرف عن الأفراد أصحاب التجربة والخبرة والعلم والمتمرسين. الشباب في الواقع هم الروّاد الأساسيون، والمندفعون والمحرّكون إلى الأمام. وبالتالي فوجودهم ضروري. سواء في الأجهزة الحكومية أو في الأجهزة التشريعية، أو في القطاعات المختلفة الأخرى. هذه النزعة الشبابية التي تحدثنا عنها ضرورة أكيدة للبلد. لكنها لا تعني استبعاد الأشخاص أصحاب التجربة والمتمرّسين والخبراء. كلا. التركيب بين هاتين الفئتين تركيبة مطلوبة.

كما ينبغي اعتبار سابقة الميل للعدو والانفعال أمامه نقطة سلبية ومرفوضة. فالأشخاص الّذين لهم مثل هذه السابقة من الانفعال أمام العدو، والافتقار للقدرة على مواجهته، والافتقار للثّقة بالنفس؛ للإنصاف، هؤلاء غير جديرين لنيابة هذا الشعب. فهذا الشعب يتمتّع بالثقة بالنفس. شعبنا يتمتّع بالثقة بالنفس. وكل من ينظر إلى بلدنا يشعر بذلك.

لاحظوا أنه في العالم اليوم – ولا أدري إذا ما كانت تصل هذه الأخبار لجميع أفراد شعبنا العزيز أم لا – الكثير من المفكرين والسياسيين والكتاب، ممن لهم مثل هذا التقييم بشأن الشعب الإيراني. ويقولون بأن هذا الشعب، شعب رشيد وعظيم وقوي ولا يمكن إخافته أو إجباره على عمل ما بممارسة الضغط. هذا ما يقوله الجميع. أي الذين يفكّرون بشأن إيران. طبعًا عضو منظمة السي آي أي الأمريكية لا يقول ذلك، وهذا واضح. والتابع للدولة الفلانية المعادية لا يقول ذلك. أما الإنسان الحر فبلى. وهناك الكثير من هذا الكلام في الصحافة الخارجية، وتقارير ذلك تصلنا.

لقد تحدثنا عن أهمية الانتخابات وقلنا بأنّ انتخابات المجلس مهمة للغاية. لكن انتخابات مجلس الخبراء أيضًا على جانب عظيم من الأهمية. ونحن لدينا مثل هذه الانتخابات إلى جانب انتخابات المجلس. فهناك انتخابات مجلس الخبراء في عدد من المدن. هذه القضية أيضًا يجب أن لا تهمش. فالمهمة التي تقع على عاتق خبراء الشعب على جانب كبير من الأهمية.

إذًا هناك ركنان في باب الانتخابات: الأول أساس الانتخابات والمشاركة العامة للناس وقد قلنا إن كل من يحب الإسلام ويحب الثورة والنظام الإسلامي وكل من يحب إيران يجب أن يشارك في الانتخابات، بعيدًا عن التأثر بالدعايات والإعلام المتنوع. كل من له هذه الخصوصيات يجب أن ينتخب انتخابًا جيّدًا. لقد وصلني تقرير – وهو على الأغلب تقرير واقعي دقيق – بأن أحد هذه البلدان العنودة في المنطقة - ولا أريد ذكر الاسم - منحت مالًا لوسيلة إعلام غربية إنجليزية لتطلق في برامجها باللغة الفارسية كلامًا الغرض منه إبعاد الناس عن الميل للشخصيات الثورية. ينفقون الأموال والدولارات النفطية ليغروا الناس ويأخذوهم باتجاه آخر. هذا هو الركن الثاني. الركن الأول هو أساس الانتخابات وأصلها، والركن الثاني كيفية الانتخابات ونوعها. هذا هو كلامنا حول الانتخابات التي ستقام بعد أيام قليلة. وهي نعمة إلهية وامتحان إلهي وساحة للمشاركة والحضور. ونتمنى أن يخرج كل أبناء بلدنا العزيز وأهالي آذربيجان وأهالي تبريز الأعزاء من هذا الامتحان مرفوعي الرأس إن شاء الله.

ونشير إلى نقطة حول الهراء الأخير الذي يتفوّه به الأمريكيّون. فمؤخّرًا اصطف هؤلاء الحمقى من الدرجة الأولى واحدًا تلو الآخر وراح كل واحد منهم يكثر الكلام عن إيران وعن الشعب الإيراني وعن نظام الجمهورية الإسلامية وعن الانتخابات. يهدف جانب من هذا الكلام الذي يقولونه إلى التّأثير في الانتخابات. فهم يريدون التأثير في الانتخابات بأي شكل من الأشكال. ويريدون بث اليأس من صناديق الاقتراع في نفوس الناس. وجانب منه ناجم عن ارتباكهم. فبعد استشهاد شهيدنا العزيز وتلك الجريمة التي ارتكبها الأمريكيّون في مطار بغداد، أصابهم الارتباك والقلق. أي أنّ الرّئيس الأمريكي نفسه، ومن هم حوله، أصابهم الارتباك بكل ما للكلمة من معنى. وأدركوا أنهم أقدموا على عمل غير مدروس بعد قيامهم بهذه العملية. فقد أصبحوا عرضة لهجمات في العالم، بالإضافة إلى تعرضهم لهجمات شديدة في داخل أمريكا. حيث تم توبيخهم بأن أي حماقة هذه التي ارتكبتموها وقد أتت نتائجها عكسية؟! فقد أراد الأمريكيّون القضاء على شهيدنا العزيز ذي التأثيرات العميقة جدًّا في المنطقة، ليتمكّنوا هم من السّيطرة. فجرى الأمر عكس ذلك تمامًا. فالمظاهرات العظيمة للشعب العراقي في بغداد وتحرك الشعب في سورية والقضايا والتطوّرات المتّصلة بحلب وما إلى ذلك وبعض الأمور والقضايا الأخرى في المنطقة جاءت على العكس تمامًا من إرادة الأمريكيّين. الأمريكيّون مرتبكون. وهذا الهراء الذي يطلقونه في الفترة الأخيرة بعضه ناجم عن هذا الارتباك الذي يريدون تعويضه بشكل من الأشكال. هذا بالنسبة إلى ذاك الجانب من المسألة. طبعًا تحملنا بشهادة الشهيد سليماني فقدًا مرًا. فقد كان هذا الشهيد رجلًا صالحًا للغاية. وعزيزًا جدًا. ونافعًا جدًا. كان رجلًا يثير استحسان المرء بشدّة. هذا كله صحيح ومحفوظ في محله. وقد فقدناه. ولكن حين ننظر لهذا الحدث نجد أنه كسائر الأحداث الإلهية التي يغلب فيها لطف الله تعالى على قهره.

أما حول الشهيد نفسه فقد قال الله تعالى في القرآن عن لسان المسلمين: «قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا اِلّا اِحدَى ‌الحُسنَيين‌» إن لنا إحدى الحسنيين. والحسنى بمعنى الأمر الأفضل. نمتلك أحد أفضل الأمرين. فما هما هذان اللذان يمتلك الإنسان أحدهما؟ أحدهما النصر والثاني الشهادة. وقد نال الشهيد سليماني كلا الحسنيين. فالشهيد سليماني هو المنتصر في الساحة على صعيد المنطقة طوال سنوات. والخاسر فيها هو أمريكا وعملاؤها. هكذا هو الحال في كل هذه المنطقة. وقد استشهد. أي إن الله تعالى منّ على هذا الشهيد العزيز بكلا الحسنيين.

أمّا بالنسبة للشعب الإيراني، فقد أفصح عن عظمته وأبدى اتّحاده وشوقه ومشاركته. هذا الذي حدث في طهران وفي تبريز وفي مشهد وفي أهواز وفي كرمان وفي قم كان حدثًا عظيمًا جدًا. وقلّما يحدث مثل هذا الأمر؛ أن يخرج عشرات الملايين من البشر في مدن مختلفة ليشيعوا شهيدًا. إنّها حالة تدل على عظمة الشعب الإيراني وعلى عرفانه بالجميل وعلى بصيرته. هذا بالنسبة لهذا الجانب من القضية حيث نزلت إحدى البركات الإلهية. وهو حدث جعل الكثير من الشعوب تقف في صف التعاطف مع إيران. لقد تعاطفت الشعوب معنا. في أحد هذه البلدان الخارجية – ولا أريد ذكر الاسم لسبب ما ولو ذكرت اسم ذلك البلد لأيد الجميع صحة هذه الإحصائية – أقيم ألف مجلس تكريمًا لذكرى الشهيد سليماني، ألف مجلس! هكذا تعاطفت البلدان معنا. وحدث هذا التعاطف في بعض البلدان الأوربية وحتى في البلدان البعيدة وفي بلدان أفريقية. وقد سمعنا بهذا تدريجيًا منذ ذلك الحين إلى الآن، ولا نزال نسمع. تشير الأخبار الواردة من أنحاء مختلفة أن هذا الحدث دفع الشعوب للتعاطف معنا وقرب قلوبهم إلينا. وهذه نعمة كبيرة جدًا تمثّل عمقًا استراتيجيًا للثورة الإسلامية والنظام الإسلامي. إذًا لقد ربحنا في هذه القضية. في قضية ظاهرها مُرّ إلى هذه الدرجة – إذ سلبونا شهيدنا العزيز وهذا مرير جدًا – جعل الله لها مثل هذا الباطن المليء انتصارات.

عندما توفي المرحوم الحاج السيد مصطفى الخميني الابن الكبير والفاضل والجليل للإمام الخميني في النجف – وقد كانت هناك شبهات بأنهم دسوا له السم وما إلى ذلك. قال الإمام الخميني في أول كلمة له بأنّ رحيل مصطفى من الألطاف الإلهية الخفية . ولم يعِ أحد أبدًا معنى ذلك الكلام. وكيف للإنسان أن يفقد ابنه الكبير ونجله الفاضل – وقد كان المرحوم الحاج السيد مصطفى الخميني بارزًا جدًا ومن آمال المستقبل، ولو بقي حيًّا لكان اليوم بالتأكيد من مراجع التقليد – ثم يقول إن هذا الفقد كان من الألطاف الخفية؟ ثم عندما قام الشعب الإيراني بتلك التحركات حيث أقاموا له مجالس الفاتحة وأدت هذه المجالس إلى رد فعل البلاط [الملكي] ذاك، ثم تعاقبت بعد ذلك أحداث قم وتبريز وسلسلة الأحداث الأخرى، عندها أدرك الناس ماذا كان هذا اللطف الخفي. أي إن الإلطاف الإلهية الخفية تبدأ من محطة مريرة تؤدي إلى تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية وسقوط حكم الطاغوت. والوضع هنا أيضًا على هذا النحو. هنا أيضًا الحدث مرير ومفجع. لكن جبهة الحق هي التي انتصرت في هذا الحدث. وأصابت الخسارة العدو الخبيث الذي ظنّ أنه أنجز شيئًا. لكنه في الواقع خسر وتضرر.

أريد القول إنّ أمريكا لم تخسر في هذا الحدث وحسب، فهي تتلقى الضربات والهزائم من الشعب الإيراني في معركة متواصلة منذ أربعين عامًا. والدليل على هزيمة أمريكا أمام الشعب الإيراني طوال هذه الأعوام الأربعين هو أنها استخدمت كل الأسلحة التي تستطيع استخدامها ضد إيران – الأسلحة السياسية والأسلحة العسكرية والأسلحة الأمنية والأسلحة الاقتصادية والأسلحة الثقافية والإعلام والدعائية – وفعلت كل ما تستطيع فعله. من أجل ماذا؟ من أجل أن يسقطوا نظام الجمهورية الإسلامية. طوال هذه الأعوام الأربعين منذ اليوم الأول وإلى اليوم. وعلى مدى هذه السنين الأربعين، لم يسقط النّظام الإسلامي؛ بل ازداد قوة ألف مرة. وهذا هو معنى هزيمة العدو. منذ أربعين سنة، وشعب إيران يفرض الهزائم على أمريكا. لقد ازددنا قوة وازدادت أمريكا ضعفًا.
أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، أيها الشباب! إنني أصر على أن تنتبهوا لهذه النقطة؛ وهي أن أمريكا اليوم تحافظ على نفسها بالتزيين والتجميل. هذا هو واقع الحال. أمريكا اليوم من أكثر بلدان العالم دينًا للآخرين. إنها مدينة بـ 22 ألف مليار دولار لشتى البلدان. والفوارق الطبقية في أمريكا اليوم أكبر من أي وقت. وهذا الكلام الذي أقوله ليس كلامي، بل كلام أحد الشخصيات السياسية الأمريكية المعاصرة. وهو نفسه من أعضاء الهيئة الحاكمة في أمريكا،. أي أنه عضو في الكونغرس وسناتور حسب الظاهر. وهو القائل– وأنا أعرف اسمه ولكن لا أريد ذكر أسماء الأشخاص – بأنّ ثروة خمسة أشخاص من أثرى الأثرياء ازدادت بمقدار مائة مليار دولار في ثلاث سنوات من استلام حكومة ترامب زمام الأمور. وثلاثة أفراد من هؤلاء الخمسة ثروتهم تعادل ثروة نصف سكان أمريكا! لاحظوا الفوارق الطبقية. أي أنّ ثلاثة أشخاص يمتلكون بمقدار ثروة 160 مليون نسمة هناك. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن أجور ثمانين في المئة من العمال هناك لا تكفيهم لقضاء معيشتهم. أي أنّهم فقراء. الشخص الذي يكون أجره ووارده أقل من إنفاقاته فهو فقير. هكذا هم ثمانون في المائة من عمال أمريكا. دققوا في هذا الفارق الطبقي! إنه مخيف! ويقول هذا الشخص نفسه –وهذه إحصائياتهم والقائل ليس صحفيًا بل سياسيًا بارزًا وشخصية معروفة– إنه من بين كل خمسة أمريكيين يوجد أمريكي واحد فقط يستطيع شراء أدويته إذا راجع الطبيب. أما الأربعة الباقون فلا يمتلكون ثمن أدويتهم إذا راجعوا الطبيب. وقد ازداد الفارق بين ثروة البيض وثروة السود طوال الأعوام الخمسين الماضية في أمريكا بمقدار ثلاثة أضعاف. والرّئيس الأمريكي الحالي يدّعي أنّه حسّن الوضع الاقتصادي. وقالوا: نعم، لقد تحسّن الوضع. لكن وضع المليارديريين وليس وضع الشعب الأمريكي. هذا هو الوضع الاجتماعي في أمريكا.

يقول أحد الرؤساء الأمريكيّين السابقين أنّ أمريكا أوليغارشية – أي حكم طبقة معينة خاصة من دون تدخل الشعب – بارتشاء سياسي غير محدود. وآثار الفقر في أمريكا كثيرة والمتسولون وسكان الشوارع كثر هناك. وقد دوّنوا طبعًا إحصائيات ذلك. ولا أريد الإشارة إلى تلك الإحصائيات. لا يطمئن المرء كثيرًا لتفاصيل هذه الإحصائيات لكن الأمر واضح. عشرات ملايين الفقراء ممّن لا يمتلكون خبز عشائهم. وعدد كبير جدًا مضطرون للنوم في الشوارع ليلًا. وإذا برد الجو قليلًا تسمعون في الأخبار أنه مات في أمريكا ذاك العدد من الناس. فلماذا يموتون؟ لا يموت الإنسان إذا وصلت درجة البرودة إلى خمس درجات تحت الصفر مثلًا. لكنهم يموتون لأنهم ينامون في الشوارع. وإذا اشتدّ الحر ووصل إلى 40 أو 42 درجة يموت البعض لأنهم يعيشون وينامون في الشوارع. ودع عنك إحصائيات الجرائم والفسق والفجور. هناك أشياء عجيبة غريبة شائعة في ذلك البلد من الناحية الاجتماعية يدرك المرء من خلالها أنها تنهش بذلك البلد وتنخره وتقضي عليه كالنمل الأبيض. يزيّن الأمريكيّون الظاهر ويجمّلونه ويضفون هالة من الهيبة والعظمة من أجل أن يخدعوا الآخرين ويخيفوا البعض في العالم. هذه الظواهر مجرد هالة من العظمة والهيبة الزائفة. وقد سجّلت ملاحظة حول القضية بهذا التعبير فكتبت: كما إن هيبة وعظمة سفينة التايتنيك الشهيرة لم يمنعا غرقها، فإن هيبة وعظمة أمريكا لن يمنعا غرقها وسوف تغرق.

ما نعارضه هو سيادة الظلم والطغيان والاستكبار. وحين نقول «أمريكا» فهذا لا يختص بأمريكا. طبعًا في الوقت الحاضر أمريكا هي قمة الطغيان والاستكبار والطغيان. وهي تدار في الواقع بيد الصهاينة. لا الحكومة الصهيونية، بل الأثرياء والشركات الصهيونية. وأي بلد آخر يكون له السلوك نفسه سيكون على نفس الشاكلة. إنّنا لا نعارض أي شعب كشعب. لا نعارض أي عرق أو شعب. بل نعارض الاستكبار والظلم والطغيان ضد القيم الإنسانية والإلهية. وأمريكا اليوم هي مظهر هذه الأمور. وهي مظهر الظلم والاستكبار. لذلك فهي مكروهة في العالم أيضًا. تستعرض قدرتها المادية أمام هذا وذاك، ولها الآن في البلدان المختلفة المحيطة بنا عشرات القواعد العسكرية. لكن هذه القواعد العسكرية لن تنفعها بشيء. لن تنفعها هي ولن تنفع أولئك المساكين الذين يدفعون أموالهم ويعقدون الأمل عليها. لن تنفع أولئك أيضًا، إذا حدث أمر في يوم من الأيام فلن تنفعهم. ذلك البلد المستكبر آخذ بالانهيار من النواحي المعنوية والروحية والداخلية.

المهم بالنسبة لنا هو أن نحافظ على أنفسنا وعلى النّهج الإلهي القويم والصراط الإلهي المستقيم. وألا نسمح لحركتنا هذه بالتباطؤ. هذا هو المهم. ينبغي أن لا تبطأ مسيرة النظام الإسلامي والمجتمع الإسلامي نحو الأهداف الإسلامية السامية. والمسيرة الآن مستمرة. لا أنه لا يوجد نقص ولا يوجد سوء عمل ولا يوجد سوء إدارة. بلى. هذه الأمور موجودة. ولو لم تكن لكانت حركتنا ومسيرتنا الآن أفضل وأكبر، وسرنا بصورة أفضل، ولحللنا العقد والمشكلات بسهولة أكبر. ولكن على الرغم من وجود نقاط الضعف هذه، إلّا أنّ المسيرة مستمرة وقائمة وقد وصلنا إلى مراحل أكثر تقدمًا. الباعث على الأمل بالنسبة للمستقبل هو وجودكم أنتم الشباب. ليعدّ الشّباب أنفسهم. من النواحي العلمية والعملية والتجريبية والإيمانية. فالبلاد غدًا بأيديكم ويجب أن تقدروا على الارتقاء بها إلى القمة إن شاء الله. وهذا ما ستفعلونه إن شاء الله. نتمنى أن يكون دعاء حضرة بقية الله أرواحنا فداه سندًا لكم إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

2020-03-09