يتم التحميل...

صفة جهنم

يوم القيامة

هي دارٌ أعدَّها الله لمن كفر به، ولمن آمن به ولكن عصاه، وهم الذين ألبسوا إيمانهم بظلم، وفيها ألوان من العذاب لا يطيقها هذا الإنسان الضعيف، وهو عذاب وصفه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: "ليس جرحاً بالمدى ولكن ما يستصغر معه ذلك أعاذنا الله منها برحمته.

عدد الزوار: 128

تمهيد
هي دارٌ أعدَّها الله لمن كفر به، ولمن آمن به ولكن عصاه، وهم الذين ألبسوا إيمانهم بظلم، وفيها ألوان من العذاب لا يطيقها هذا الإنسان الضعيف، وهو عذاب وصفه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: "ليس جرحاً بالمدى ولكن ما يستصغر معه ذلك أعاذنا الله منها برحمته"1.

أوصاف جهنم في القرآن الكريم
وردت في القرآن الكريم أوصاف عديدة للعذاب الذي وعد به الله تعالى من خالفه وعصاه، ومن هذه الأوصاف:

1- جهنَّم
﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ
(الحجر:43-44).

2- سقر
﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ(المدثر:26-29).

3- السَّعير
﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ
(الشورى:7).

وهذه الكلمة مشتقة من المصدر (سعر) ويعني إذكاء النَّار وتأجيجها، وجاء أيضاً بـمعنى شدَّة الاضطرام، ولهذا (فالسعير) يعني النَّار شديدة الإشتعال واللهب والإحراق.

4- الجحيم
﴿فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى(النازعات:37-39).

5- الحطمة
﴿كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ(الهمزة:4-7).

وكلمة (الحطمة) صيغة مبالغة من كلمة (حطم)، بمعنى الكسر والتهشيم وفسَّرها البعض بمعنى تكسير الأشياء اليابسة.

6- لظى
﴿
كَلَّا إِنَّهَا لَظَى* نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى(المعارج:15-17).

وكلمة (لظى) تعني في الأصل النَّار أو شعلة النَّار الخالصة.

7- الهاوية
﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ
(القارعة:8 ـ11).

والهاوية مأخوذة فـي الأصل من مادة (هوي) بمعنى السقوط لأنَّ الكفار والمجرمين يسقطون فيها. وكما تحتضن الأم ابنها تحتضن جهنَّم من يرد فيها.

أبواب جهنَّم ودركاتها
ذكرت بعض الآيات أنَّ لجهنَّم أبواباً كما للجنَّة أبواباً، ولكن هناك آية وحيدة ذكرت عدد أبواب جهنَّم دون ذكر لعددها في الجنَّة، وهي قوله تعالى ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ(الحجر:43-44).

فما المراد من الأبواب؟ هل هي طرق دخول الناس إلى جـهنَّم؟ أم أنَّ المقصود هو طبقاتها ودركاتها التي ذكرتها الكثير من الروايات؟

لدى المفسرين في هذا قولان
القول الأول: إنَّها سبع طبقات: بعضها فوق بعض، وتسمى تلك الطبقات بالدركات، ويدل على كونها كذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ(النساء:145). يـطـلـق في اللغة العربية على الخطوات الصاعدة نحو الأعلى اسم (الدرجة) وعلى النازلة إلى الأسفل اسم (الدركة).

وهناك روايات عديدة وردت عن أهل البيت عليهم السلام تشهد على هذا التفسير. منها ما رواه في المجمع عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "أنَّ جهنَّم لها سبعة أبوابٍ أطباق بعضها فوق بعض، ووضع إحدى يديه على الأخرى، فقال عليه السلام: هكذا وإنَّ الله وضع الجنان على العرض، ووضع النّيران بعضها فوق بعض، فأسفلها جهنَّم وفوقها لظى وفوقها الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية، قال وفي رواية أسفلها الهاوية وأعلاها جهنَّم"2.

والقول الثاني: إنَّ قرار جهنَّم مقسوم سبعة أقسام: ولكلِّ قسمٍ باب أولها: جهنَّم. ثم لظى. ثم الحطمة. ثم السَّعير. ثم سقر. ثم الجحيم. ثم الهاوية. وقوله تعالى: ﴿لِكُلّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ(الحجر:44) معناه: أنَّه تعالى يجزيء أتباع إبليس أجزاء، بمعنى أنَّه يجعلهم أقساماً وفرقاً، ويدخل في كلِّ قسم من أقسام جهنَّم طائفة من هؤلاء الطوائف.

والخلاصة أنَّ أعمال الإنسان مختلفة، وأصناف المجرمين والكفار متباينة، لهذا فإنَّ عقوباتهم في العالم الآخر غير متساوية، وتختلف فيما بينها اختلافاً شاسعاً.

أنواع العذاب في جهنَّم
كـمـا أنَّ الـثـواب الإلهي والنعم الموجودة في الجنَّة تقسم يوم القيامة إلى قسمين، (روحية) و(مـاديـة)، فكذلك عذاب جهنَّم أيضا، يقسم هو الآخر إلى نوعين: روحي، ومادي.

وصف بالإجمال لعذاب النَّار
إنَّ أهل النَّار في عذاب دائم، لا راحة ولا نوم، بل من عذاب إلى عذاب، وهم يتمنون الموت فلا يموتون! قد اسودَّت وجوههم، وأُعميت أبصارهم، وأبكمت ألسنتهم، وقصمت ظهورهم، بدِّلت وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع من حديد، عليها ملائكة غلاظ شداد، فحزنُهم دائم فلا يفرحون، ومقامهم دائم فلا يبرحون ﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(المائدة:37) ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ(النساء:56) ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ(الرحمن:44) ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (الهمزة:8-9)، وهم ينادون الله ويدعونه ليخفف عنهم هذا العذاب فيأتيهم الجواب: ﴿اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ(المؤمنون:108).

رُوِيَ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال:"وأمَّا أهل المعصية فخلِّدوا في النار، وأوثق منهم الأقدام، وغلَّ منهم الأيدي إلى الأعناق، وألبس أجسادهم سرابيل القطران، وقطِّعت لهم منها مقطِّعات من النَّار، وهم في عذاب قد اشتدَّ حرُّه، ونار قد اطبق على أهلها، فلا يفتح عنهم أبداً ولا يدخل عليهم ريح أبداًَ، ولا ينقضي منهم عمر أبداً، العذاب إبتداءً شديد، والعقاب أبداً جديد، لا الدار زائلة فتفنى، ولا آجال القوم تقضى، ثمّ حكى نداء أهل النَّار، فقال: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ(الزخرف:77)، قال: أي نموت، فيقول ﴿ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ3"4.

خصائص عذاب النَّار
وقد قارن أمير المؤمنين علي عليها السلام بين عذاب الدنيا وبلائها وبين عذاب النَّار، ليتبين عظيم الفرق بينهما لمن سمع فوعى، فيتجنَّب كل ما يؤدِّي به إلى عذابها وهوانها:"يا رَبِّ وَأنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفي عَنْ قَليل مِنْ بَلاءِ الدُّنْيا وَعُقُوباتِها وَما يَجْري فيها مِنَ الْمَكارِهِ عَلى أهْلِها، عَلى أنَّ ذلِكَ بَلاءٌ وَمَكْرُوهٌ قَليلٌ مَكْثُهُ، يَسيرٌ بَقاؤُهُ، قَصيرٌ مُدَّتُهُ فَكَيْفَ احْتِمالي لِبَلاءِ الآخرة وَجَليلِ (حُلُولِ) وُقُوعِ المَكارِهِ فيها وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ وَيَدُومُ مَقامُهُ وَلا يُخَفَّفُ عَنْ أهله لأنَّهُ لا يَكُونُ إلاّ عَنْ غَضَبِكَ وَاْنتِقامِكَ وَسَخَطِكَ، وَهذا ما لا تَقُومُ لَهُ السَّمـاواتُ وَالأرضُ يا سَيِّدِي فَكَيْفَ بي وَأَنَا عَبْدُكَ الضَّعيـفُ الـذَّليـلُ الْحَقيـرُ الْمِسْكيـنُ الْمُسْتَكينُ"5.

طعام أهل النَّار وشرابهم
إنَّ أهل النار يأكلون ويشربون تماماً كأهل الجنَّة، ولهم ألوان خاصة من الأطعمة والأشربة، ولكنَّها كلّها لا تغني من جوعٍ، ولا تروي من ظمأ.

وأحد تلك الأطعمة (الزقوم)، وهي شجرة عظيمة مهيبة تنبت في قعر جهنَّم ولها ثمر، قال تعالى ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ(الدخان:43-46). وهي كمَا وصفها المولى عزَّ وجلَّ في كتابه ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ(الصافات:65).

وهي اسم لعشب مرٍّ كريهِ الرائحة له أوراقٌ صغيرة، وهو عشب عصارته شديدة المرارة وحادة الطعم إذا لامس الجسم تورم.

أما الضريع فهو كالزقوم، يقطع الأحشاء من شدة حرارته، ولا يتجرَّعه المجرمون من فرط مرارته. وأما الغسَّاق كما قوله تعالى: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ(ص:57).

قيل: الغسَّاق: القيح الغليظ المنتن.

وأما الأشربة الوارد ذكرها في القرآن الكريم، فمنها (الحميم)، ومعنى كلمة (الحميم) هو الماء المغلي، أمّا كلمة (آن) فهي تعني (بالغ) وهي صفة للحميم، فماء جهنَّم يصل إلى أقصى درجات السخونة والغليان بحيث أنَّ حرارته تقطع لحم وجه الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا(الكهف:29).

كما أنَّه يقطع الأمعاء ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ(محمد:15). أمَّا (الغسلين) الذي ذكرته الآية الشريفة: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ(الحاقة:35-37). الـمـعـروف بين المفسِّرين وأصحاب اللغة أنَّه دم يشبه الماء يخرج من أبدان أصحاب النَّار، وبما أنَّه يـشبه الماء الذي يغسل فيه الانسان، سمي بـ (الغسلين).

وشرابهم فيها ماء صديد، قال تعالى ﴿وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ(إبراهيم:15-16)، (دم وقيح) يتجرَّعه ( يشربه غصبا) ولا يكاد يسيغه.

لباس أهل النَّار
وكما في النَّار طعام وشراب ففيها أيضاً اللباس، وليس اللباس لوقايتهم من الحرِّ، وإنَّما هو زيادة في العذاب، قال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ(الحج: 19)، فهي ثياب من نار.

وقال تعالى: ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ(إبراهيم:49-50)، والقطران هو النحاس العذاب.

بعض أنواع عذاب أهل النَّار
يتعرض أهل النَّار لأنواع أليمة من العذاب الإلهيّ، وسنتحدث عن بعض ما جاءت به آيات الكتاب العزيز عن هذه الأنواع من العذاب:

1- إنضاج الجلود
إنَّ نار الجبَّار سبحانه وتعالى تحرق جلود أهل النَّار، والجلد موضع الإحساس بألم الإحتراق، ولذلك فإنَّ الله يبدِّل لهم جلودا أخرى غيرها، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا(النساء:56).

2- الصهر
من ألوان العذاب صبُّ الحميم فوق رؤوسهم، والحميم هو ذلك الماء الذي لا يُتصوَّر مقدار حرارته، فلشدة حرارته تذوب أمعاؤهم وما حوته بطونهم: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ(الحج:19-20).

3- اللفح
إنَّ النَّار تلفح وجوههم وتغشاها أبداً لا يجدون حائلاً يحول بينهم وبينها ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ(الأنبياء:39). وقال ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ(المؤمنون:104).

4- السحب
ومن أنواع العذاب الأليم سحبُ الكفار على وجوههم في النَّار، يقول تعالى واصفاً هذه الحالة: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ(القمر:47-48).

من ألوان العذاب الروحيِّ
يتعرض أهل النَّار لعذاب من نوع آخر، غير العذاب الجسديّ، وهو العذاب الروحيّ وقد ذكر القرآن الكريم بعض الأمثال لهذا العذاب منها:

1- المهانة
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ(الحج:57). تـدل هذه الآيات وغيرها أنَّ عذاب الجحيم مـقـرون بأنواع الإهانة والتحقير والاستهانة والغم والحزن الذي يعاني منه أصحاب جهنَّم وهو ما يعكس آلامهم النفسية: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(الحج:22)، فيقوم خزنتها بإرجاعهم إليها ليذوقوا العذاب.

2- كثرة اللوم والتقريع
وتقول الآية المباركة: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ(المؤمنون:107)، فيقال لهم من قبل اللّه تعالى: ﴿قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ(المؤمنون:108).

وقـد صـرح أصحاب اللغة والمفسِّرون بأنَّ كلمة (إخسأ) تعبير يستخدم لطرد الكلب، وأنَّ استخدامه هنا فيه دلالة على احتقار هؤلاء الظلمة والمستكبرين.

3- الحسرة
قال تعالى ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(سبأ:33).

وقال عزَّ من قائل ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا(الفرقان:27-29).

أشعار الحكمة
ومن لي إذا قام يوم النشور        وقمت بلا حجة للحساب
ومن لي إذا ناولوني الكتاب        ولم أدر ماذا أرى في كتابي
ومن لي إذا امتازت الفرقتان      أهل النعيم وأهل العذاب
وكيف يعاملني ذو الجلال          فأعرف كيف يكون انقلابي
أبا للطف، وهو الغفور الرحيم    أم العدل وهو شديد العقاب
ويا ليت شعري إذا سامني         بذنبي وواخذني باكتسابي
فهل تحرق النار عيناً بكت         لرزء القتيل بسيف الضبابي؟
وهل تحرق النار رجلاً مشت      إلى حرم منه سامي القباب؟
وهل تحرق النار قلباً أذيب        بلوعة نيران ذاك المصاب؟

مزيد  فائدة
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت له: يا ابن رسول الله خوّفني فإنَّ قلبي قد قسا
فقال: يا أبا محمّد استعدَّ للحياة الطويلة، فإنَّ جبرائيل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قاطب، وقد كان قبل ذلك يجيء وهو مبتسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبرائيل جئتني اليوم قاطباً؟
فقال: يا محمّد قد وُضعت منافخ النَّار.
فقال: وما منافخ النَّار يا جبرائيل؟
فقال: يا محمّد إنَّ الله عزَّ وجلّ أمر بالنَّار فنفخ عليها ألف عام حتّى اسودت فهي سوداء مظلمة.
لو أنَّ قطرةً من الضريع قَطَرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها، ولو أنَّ حلقةً واحدة ًمن السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرّها،
ولو أنَّ سربالاًَ من سرابيل أهل النَّار علّق بين السماء والأرض لمات أهل الدنيا من ريحه.
قال: فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبكى جبرائيل عليه السلام، فبعث الله إليها ملكاً، فقال لهما: إنَّ ربَّكما يقرؤكما السلام ويقول: قد أمنتكما أن تذنبا ذنباً أعذبكما عليه.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: فما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عليه السلام مبتسماً بعد ذلك ثمَّ قال: إنَّ أهل النار يعظمون النار وإنَّ أهل الجنَّة يعظمون الجنَّة والنعيم، وإنَّ جهنَّم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاماً، فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد، وأعيدوا في دركها، فهذا حالهم، وهو قول الله عزّ وجلّ: ﴿كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق(الحجّ:22)
ثمَّ تبدَّل جلودهم غير الجلود التي كانت عليهم.
قال: أبو عبد الله عليه السلام حسبك؟
قلت: حسبي، حسبي6.

* رحلة الآخرة, إعداد ونشر جمعية المعارف الثقافية, ط1, تشرين الأول 2008م, ص 147-160.


1- نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام ج 2 ص 95.
2- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة ج 8 ص 246.
3- المصدر السابق
4- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة ج 8 ص 292.
5- من دعاء كميل بن زياد.
6- تفسير علي بن إبراهيم القمّي ج 2 ص81.

2009-08-05