يتم التحميل...

البعد السياسي للحجّ

الحج

إنّ إحدى أكبر فلسفات الحجّ ـ القضيّة ـ هي البعد السياسيّ الّذي تسعى أيادي الجُناة لاقتلاعه واجتثاثه من كافّة جوانبه وهم يعملون على ذلك. وللأسف إنّ دعايات وتبليغات هؤلاء قد أثّرت على المسلمين حيث أصبح كثيرٌ من المسلمين يعتبر أنّ السفر إلى الحجّ عبارة عن عبادة جافّة

عدد الزوار: 6
إنّ إحدى أكبر فلسفات الحجّ هي البعد السياسيّ الّذي تسعى أيادي الجُناة لاقتلاعه.

الإمام الخميني قدس سره

أهميّة البُعد السياسي للحجّ
إنّ إحدى أكبر فلسفات الحجّ ـ القضيّة ـ هي البعد السياسيّ الّذي تسعى أيادي الجُناة لاقتلاعه واجتثاثه من كافّة جوانبه وهم يعملون على ذلك. وللأسف إنّ دعايات وتبليغات هؤلاء قد أثّرت على المسلمين حيث أصبح كثيرٌ من المسلمين يعتبر أنّ السفر إلى الحجّ عبارة عن عبادة جافّة وصعبة وخالية من أيّ تفكير بمصالح المسلمين. إنّ الحجّ منذ ذلك اليوم الّذي وجد فيه لم يقلّ بعده السياسيّ أهميّة عن بعده العباديّ أبداً، وإنّ البعد السياسيّ بنفسه عبادة، إضافة لكونه سياسة.

إنّ البعد السياسيّ لهذه المناسك العظيمة من أكثر الأبعاد المهجورة. وقد عمل الجُناة وما زالت أياديهم الخائنة تعمل أكثر وستبقى تعمل لأجل إبقائه مهجوراً.

ومسلمو اليوم وفي هذا العصر، عصر شريعة الغاب، مكلّفون أكثر من أي زمن مضى لرفع هذه الشبهات وإظهار هذا البعد. لأنّ اللاعبين الدوليّين ولأجل إبقاء المسلمين في غفلتهم ودائرة التخلّف من جهة، وعمل عملائهم النفعيّين من جهة أخرى، وغفلة الأجيال الجاهلة من

 ناحية وعلماء البلاط أو أصحاب الفهم المنحرف والملتوي من ناحية أخرى، والنسّاك الجاهلون من جهة عن علم أو عن غير علم، قد وقفوا وراء بعضهم البعض لمحو هذا البعد ليعملوا فيما بعد على تقرير مصير المظلومين وتحريرهم.

ينبغي على الملتزمين والواعين والّذين تحترق قلوبهم لأجل غُربة الإسلام، وهجرانه أن يبيّنوا هذا البعد في أحكام الإسلام وخاصّة في أحكام الحجّ، حيث إنّ هذا البعد أكثر وضوحاً وتأثيراً. لينهضوا جميعاً ويسعوا لأجل ذلك من خلال أقلامهم وأحاديثهم وبياناتهم وكتاباتهم وخصوصاً في أيّام موسم الحجّ وبعد الانتهاء من هذه المراسم العظيمة، وعودتهم إلى ديارهم وبلادهم.

وبالالتفات لهذا البعد العظيم يستطيعون تحريك الناس وتوعيتهم لأجل تحرير مظلومي العالم من ضغط أدعياء السلام الظالمين المتزايد يوماً بعد يوم. ومن الواضح جدّاً أنّه ما لم يتمكّن المسلمون في هذا التجمّع العالميّ العظيم الّذي يضمّ جميع فئات الشعوب الإسلاميّة المظلومة، لأيّ مذهب أو شعب انتموا أو أيّ لغة تكلّموا ومن أيّ لون أو طبقةٍ كانوا، والّذين يجتمعون جميعاً وبزيّ واحد ولباس متشابه، بعيداً عن الشكليّات من حلّ المسائل الأساس للإسلام والمسلمين ومظلومي العالم، وما لم يجلسوا مكان الحكومات المستكبرة ومتكلّمي الزور سوف لن يجنوا شيئاً من الاجتماعات الصغيرة في المناطق والأقاليم، وسوف لن يتهيّأ لنا الوصول إلى حلول معيّنة.

بيت الله الحرام أوّل بيت بني للناس، بيت للجميع ولا أفضليّة فيه لأيّ شخصيّة أو نظام أو طائفة. الجميع سواسيةٌ هناك، فأهل البادية وسكّان الصحاري والّذين يحملون بيوتهم على أكتافهم متساوون مع العاكفين في الكعبة وسكّان المدن ورعايا الدول. هذا البيت شُيّد للناس، لأجل نهضة الناس، نهضة الجميع، ولأجل منافع الناس. وأيّ نفع أعظم وأعلى من جعل أيادي جبابرة العالم، وظَلَمة العالم مكفوفة عن تسلّطها على الدول المظلومة ولتصبح ثروات الدول العظيمة من حقّ شعوبها.

إنّ البيت قد أُسّس من أجل نهوض الناس ولأجل الناس. لذا يجب الاجتماع هناك على أساس هذا الهدف الكبير، وتتأمّن منافع الناس في هذه المواقف الشريفة وتُرجم الشياطين الكبيرة والصغيرة. ولا يكفي أبداً مجرّد عِمارة المسجد الحرام وسقاية الحاجّ وامتلاك مفتاح البيت، فهذا ليس له علاقة بالهدف. وإبقاء البيت والمسجد عاديّين كما كانا زمن إبراهيم وصدر الإسلام، وأن يتّحد المسلمون في ذلك المكان دون تكلّف مع الوافدين بدون حلق الرأس أفضل آلاف المرّات من تزيين الكعبة ورفع بنائِها العظيم، والغفلة عن الهدف الأصليّ الّذي هو نهوض الناس وشهود منافع الناس
﴿أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين1. وكأنّ

 الآية الكريمة نازلة في عصرنا نحن وتتحدّث عن حالنا في عصرنا الحاضر. نراهم مشغولين بالسقاية وحياة الحجّاج، وعمارة وتزيين المسجد الحرام، غافلين عن الإيمان بالله واليوم الآخر ويقفون جانباً عن الجهاد في سبيل الله، وهذا ظلم، والّذين هم غافلين عن ذلك يُحسبون من الظالمين.

الإيمان بالله واليوم الآخر، يعني أن يُجاهد الإنسان في سبيل الله، ويثور لأجل الحقّ، وإقامة القسط والعدل، والله لا يهدي قوماً ليسوا كذلك لأنّهم ظالمون.

اليوم موسم حجّ بيت الله الحرام، وفيه يأتي المسلمون من جميع أطراف العالم لزيارة بيت الله فينبغي أثناء إنجاز أعمال الحجّ الشريفة الانتباه إلى إحدى أهم فلسفات هذا الاجتماع العظيم، فيبحثوا في الأوضاع السياسيّة والإجتماعيّة للدول الإسلاميّة، ويطّلعوا على المصائب والمصاعب الّتي يواجهها إخوانهم في الإيمان، ويسعوا ضمن إطار تكليفهم الإسلاميّ والوجدانيّ لرفعها وحلّها. فالاهتمام بأمور المسلمين من الواجبات المهمّة في الإسلام.

الحجّ فرصة الوعي السياسيّ
إلى جميع حجّاج بيت الله الحرام أيّدهم الله، بعد التحيّة والسلام، اليوم وبسبب تساهل واستهتار الشعوب الإسلاميّة تمكّنت مخالب الاستعمار الخبيثة من أن تنفد إلى أعماق الأراضي الواسعة لأمّة القرآن، وتبتلع جميع ثرواتنا ومنابعنا الضخمة المؤمّمة.

إنّ ثقافة الاستعمار المسمومة قد انتشرت حتّى وصلت إلى أعماق المدن والقرى في الدول الإسلاميّة، ورمت ثقافة القرآن جانباً، وبدأت صياغة أجيالنا أفواجاً أفواجاً ليكونوا في خدمة الأجانب والمستعمرين. في كلّ يوم يحرفون شبابنا بنغمة جديدة وأسماء خدّاعة، ينبغي عليكم أنتم يا أمّة الإسلام الّذين اجتمعتم في أرض الوحي لأداء مناسك الحجّ، أن تستفيدوا من هذه الفرصة وأن تفكّروا بحلّ ما، تفاهموا وتبادلوا وجهات النظر لأجل حلّ مشاكل المسلمين.

يجب أن تتنبهوا أنّه في هذا الاجتماع العظيم الّذي هو بأمر من الله تعالى، وفي كلّ سنة وفي هذه الأرض المقدّسة، أنّكم مكلّفون بالسعي في سبيل الأهداف الإسلاميّة المقدّسة وتحقيق المقاصد العُليا الشريفة المطهّرة في سبيل تطوّر وعلوّ المسلمين ووحدة واتحاد المجتمعات الإسلاميّة.

كونوا فكراً واحداً وعهداً واحداً في طريق الاستقلال واجتثاث سرطان الاستعمار. لقد سمعتم مشاكل ومتاعب الشعوب الإسلاميّة من لسان أهل كلّ بلد فلا تتباطؤوا عن أيّ إجراء في سبيل حلّ مشاكلهم. فكّروا لأجل فقراء ومعوزي الدول الإسلاميّة. فكّروا بطريقةٍ ما لأجل تحرير الأراضي الفلسطينيّة الإسلاميّة من مخالب الصهيونيّة، عدوّة الإسلام والإنسانيّة. لا تغفلوا عن مساعدة ومعاونة أولئك الأبطال الّذين يقاومون بشهامة وبطولة في سبيل تحرير فلسطين. ينبغي على المفكّرين المشاركين في هذا الاجتماع من أيّ بلد كانوا توعية الشعوب

 وإصدار البيانات بعد تبادل الآراء ووجهات النظر، وتوزيعها في محيط الوحي بين المجتمع الإسلاميّ، وكذلك نشرها في بلدانهم حين عودتهم، وأن تطلبوا في هذه البيانات من رؤساء الدول الإسلاميّة، أن يضعوا أهداف الإسلام نصب أعينهم ويضعوا الخلافات جانباً ويفكّروا بطريقة ما لأجل الخلاص من براثن الاستعمار.

هناك جوانب سياسيّة كثيرة تُطرح في الاجتماعات، جماعات وجمعات، وخصوصاً الاجتماع العظيم للحجّ، الّتي من جملتها الاطّلاع على المشاكل والمتاعب الأساسيّة والسياسيّة للإسلام والمسلمين، الّتي يُمكن أن تُطرح من خلال المؤتمرات للعلماء والمثقّفين والملتزمين من حجّاج بيت الله الحرام، وأن يطّلعوا على الحلول الممكنة من خلال التشاور، وينقلوا هذه الحلول ويطرحوها في التجمّعات العامّة عند عودتهم إلى بلدانهم ويسعوا لأجل حلّ مشاكلهم.

قدِّموا التقارير

في هذا الاجتماع المقدّس للحجّ، يجب أوّلاً بحث المسائل الأساس للإسلام، وثانياً تبادل وجهات النظر في المسائل الخاصّة للدول الإسلاميّة، انظروا ماذا يجري على الأخوة المسلمين في داخل دولهم من الاستعمار وعملائه وأتباعه. يجب على أهل كلّ بلد أن يقدّموا تقريراً لمسلمي العالم في هذا الاجتماع المقدّس يشرحون فيه ما تعانيه شعوبهم من مصاعب ومتاعب.

الاستكبار يخشى وحدتكم
أيّها الحجّاج المحترمون، لقد اجتمع العالم حول بعضه بعضاً، ويتبادل الآراء في مصالح الإسلام ومشاكل المسلمين، فيجب أن تتّخذوا إجراءات ضروريّة لحلّ هذه المشاكل والوصول إلى الأهداف الإسلاميّة المقدّسة. وابحثوا في طريق وسبل الوحدة بين جميع الطوائف والمذاهب الإسلاميّة، وابحثوا في المسائل السياسيّة المشتركة بين جميع الطوائف الإسلاميّة، وابحثوا المشاكل الّتي أوجدها أعداء الإسلام لمسلمي العالم والّتي نعتبر أهمّها تفرقة صفوف المسلمين، لأجل إيجاد حلّ لها. وكما يعلم الجميع فقد سعَّرت قوى الشرق والغرب من أكَلَة العالم في الآونة الأخيرة نار هذه المعركة الخطيرة لأنّها تخشى وحدة المليار مسلم. وتعمل بكلّ قوّتها بشكل مباشر أو من خلال أيادي عملائها المنحرفين لإيجاد هذه الاختلافات حتّى تبقى متسلّطة ومسيطرة على مقدّرات مسلمي العالم وحاكمة عليهم لتنهب ثرواتهم وذخائرهم الّتي لا تنتهي.

هذه الاجتماعات والتجمّعات الّتي هيّأها الإسلام بنحو سهل لأجل المسلمين، فجعلها الله سبحانه في كلّ سنة فريضة على كلّ من يستطيع، ليجتمعوا في مكّة المعظّمة وفي المواقف الشريفة، مع بعضهم بعضاً في محيط واحد، بعيداً عن التشريفات، لأنّه في الحجّ تسقط كلّ جوانب الاعتبارات الشخصيّة، ويحضر أحدنا في تلك المواقف بكفن؛ هو عبارة عن قطعتين من القماش لا غير،

 والمهم هو اطلاع بعضنا بعضاً على المشاكل الّتي عانت منها بلاد المسلمين طيلة السنوات الماضية، والتفكير لأجل حلّ هذه المشكلات للمسلمين. وما الاجتماع المليونيّ الكبير الإسلاميّ في الحجاز إلّا لأجل هذه النكتة.

غفلة الكبار
نحن المسلمون للأسف قد ابتعدنا عن الإسلام، وانزوينا عن الحقائق الإسلاميّة.

والآن نرى أنّه لا يتشرّف بمكّة وحجّ بيت الله الحرام، سوى فئة معيّنة من عوام الناس، أمّا الأشخاص القادرون والمؤثّرون في الحكومات من كبار القوم لا نراهم هناك مجتمعين؛ للبحث في مسائل الإسلام والمسلمين وفي المسائل السياسيّة والاجتماعيّة، ونراهم للأسف غافلين عن هذا الأمر.

الحجّ: الاجتماع الأكبر
إنّ عقد هذه الاجتماعات قائم في جميع دول المسلمين. وفي كلّ مدينة وقرية، هذه أمور سياسيّة واجتماعيّة ينبغي على أهل كلّ بلد أن يجتمعوا في المساجد ويبحثوا في مشاكلهم ويعملوا على حلّها.

وإنّ صلاة الجمعة هي صلاة عباديّة سياسيّة وإجتماعيّة، حيث إنّه في كلّ أسبوع يُكثّف الناس اجتماعاتهم ويحلّوا مشاكلهم هناك. وإنّ اجتماع الكعبة هو أكبر اجتماع حيث تعجز أيّ دولة عن القيام به.

على جميع أهلِ البلاد الّتي تدخل مكّة وأفرادها المستطيعين أو علمائها المحترمين أن يبحثوا في أوضاع المسلمين في كلّ سنة، ما هو حالهم؟ كيف هو الوضع بينهم وبين حكوماتهم؟

ما هو الوضع بين حكوماتهم والقوى الشيطانيّة الأخرى؟ ما هو الوضع بين الشعوب أنفسهم؟ وبينهم وبين الشعوب الأخرى؟ ما هو الوضع بين العلماء المنتشرين في بلاد المسلمين وبين وضع الحجّ، هذه أمور ينبغي ويجب بحثها، والحجّ إنّما هو لأجل ذلك. الحجّ إنّما هو لأجل البحث في مشاكل المسلمين في كلّ سنة ولأجل وضع الحلول لها.

إنّ معمّمي البلاد الّذين يفرّقون بين منطقة وأخرى، ويقولون إنّ الحجّ يجب أن يبتعد عن الأطر السياسيّة، هؤلاء يُدينون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هؤلاء يُدينون الخلفاء، يُدينون أئمّة الهدى، هؤلاء لا يعلمون أنّ السفر إلى الحجّ إنّما كان لأجل هذه المشاكل، إنّما كان لأجل قيام الناس، إنّما كان لأجل أن يُدرك المسلمون مشاكل المسلمين ويسعون لأجل حلّها، إنّما كان لأجل خلق الأخوّة والمودّة بين المسلمين.

العدوّ المشترك
بكلّ تواضع أعرض على الحجّاج المحترمين وزوّار بيت الله الحرام لأيّ بلد أو طائفة أو مذهب انتموا. جميعكم من أمّة الإسلام وأتباع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والسائرين على هدى القرآن المجيد، وجميعكم لديكم عدوّ غدّارٌ مشترك، استطاع من خلال إيجاد الاختلافات والتفرقة

بواسطة عملائه السيّئين، ومن خلال وسائل الإعلام، وبثّ الإشاعات والدعايات الكاذبة على امتداد التاريخ، وخاصّة في الفترة الأخيرة وبالأخصّ في عصرنا الحاضر، أن يأسر جميع الدول والشعوب الإسلاميّة، وأغار على ذخائر بلادكم الغنيّة، وما زال يُغير على مظلومي بلادكم، وهو بصدد أن يصمّ سمع الحكومات ويُطبق أعينها بالكامل، وتصبح الشعوب بيديه، سوقاً استهلاكيّة، ويمنع بمكائده وحيله الشيطانيّة ومؤامراته أيّ تقدم إنسانيّ أو حضاريّ أو صناعيّ لهذه الدول المظلومة، ويؤكّد بذلك أكثر فأكثر على ضرورة الارتباط والاعتماد على الشرق والغرب ولا يسمح حتّى في مجال التفكير لأيّ شخصٍ يفكّر بالاستقلال والإبداع، ويخنق الأنفاس المتوثّبة لأجل توعيّة الشعوب وتحريكها، وأنتم تشاهدون الوضع المأساويّ في البلاد الإسلاميّة وسائر الدول المظلومة، هذا نتيجة مؤامرات أعداء المسلمين والمظلومين المشتركين. ولكنّكم الآن في مركز الإسلام، واجتمعتم حول بعضكم بعضاً بأمر من الله ورسوله، واجتمعتم في هذا المكان العظيم من مذاهب وشعوب متعدّدة، لأجل أن تفكّروا بطريقة ما للتخلّص من هذا السرطان والوجع المهلك.

أصلحوا رؤساءكم

يجب على مسلمي العالم أن يعملوا على تربية وضبط وإصلاح رؤسائهم الّذين باعوا أنفسهم في بعض الدول، ويعملوا على نصيحتهم أو تهديدهم حتّى يستيقظوا من سباتهم الّذي سيؤدّي بهم وبمصالح

الشعوب إلى الفناء. ويحذروا هؤلاء العملاء والمأجورين، ويكونوا هم أنفسهم يقظين بوعي كامل، ولا يغفلوا عن خطر المنافقين وسماسرة الاستكبار العالمي، وأن لا يضعوا كفّاً على كفّ ويتركوا مراقبة الساحة الّتي تشهد تحطم الإسلام ونهب ثرواته وهتك أعراض المسلمين.

تجهَّزوا لمحاربة اسرائيل
اليوم وقعت قبلة المسلمين الأولى بيد إسرائيل، هذه الغدّة السرطانيّة في الشرق الأوسط. اليوم يجاهد إخوتنا الأعزّاء اللبنانيّون والفلسطينيّون بكلّ قوّتهم وتروي دماؤهم الأرض. اليوم تعمل إسرائيل بكلّ وسائلها الشيطانيّة لإيجاد الفرقة. يجب على كلّ مسلم أن يجهّز نفسه لمحاربة إسرائيل.

إنّ فلسفة الحجّ يجب أن تشكّل أجوبة لهذه الصرخات المظلومة، والطواف حول بيت الله يتجلّى بأنّ الإنسان لا يطوف إلّا لله ويرفض أن يطوف لأحد آخر غير الله.

وإنّ رجم العقبات هو رجم شياطين الإنس والجن، أنتم برجمكم تُعاهدون الله على أن تطردوا شياطين الإنس والقوى العظمى من بلادكم الإسلاميّة. اليوم، العالم الإسلامي أسير بيد أمريكا، أنتم تحملون رسالةً من الله لأجل جميع المسلمين في القارَّات المختلفة من العالم، رسالة تؤكّد أنّ العبوديّة إنّما هي لله وحده ولا يمكن أن تكون لأيّ شخص آخر.

فكّروا بطريقة ما، لأجل تحرير الأراضي الإسلاميّة الفلسطينيّة من مخالب الصهيونيّة؛ العدوّة اللئيمة للإسلام والإنسانيّة.

لا تغفلوا عن مساعدة ومعاونة أولئك الأبطال المضحّين الّذين يجاهدون ويقاومون في سبيل تحرير فلسطين.

يجب على الشعوب الإسلاميّة أن تفكّر بتحرير فلسطين، وتبرز غضبها واستياءها من المساومة الّتي يقوم بها زعماء العار الّذين باعوا أنفسهم وفرّطوا بأهداف شعوب الأرض المحتلّة والمسلمين في المنطقة باسم فلسطين. ويجب أن لا تسمح لهؤلاء الخونة بالجلوس على طاولة المفاوضات والقيام بالجولات المكوكيّة الّتي تهدف إلى النيل من شرف وكرامة الشعب الفلسطينيّ البطل.

إنّ هؤلاء المتجلببين بلباس الثوّار، ضعاف النفوس، الّذين باعوا أنفسهم، يتوسّلون بإسرائيل وأمريكا. لا يظنّنّ هؤلاء أنّه مع مرور الزمن قد تغيّرت سيرة وصورة جرائم العدوّ الصهيونيّ، وأنّ الذئاب مصّاصي الدماء والصهاينة قد رفعوا أيديهم عن التفكير بالتوسّع واغتصاب الأراضي من النيل إلى الفرات.

سوف لن يتوانى أحد من المسؤولين المحترمين في إيران وشعبنا والشعوب الإسلاميّة، عن مقاومة هذه الشجرة الخبيثة لاجتثاثها من الوجود. وبعون الله تعالى وبفضل أتباع الإسلام والقدرات المعنويّة لأمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وبالاستفادة من إمكانات الدول الإسلاميّة، وتشكيل قوى حزب الله في العالم سيتمكّنون من إخراج فلسطين والأراضي

 المغتصبة من مخالب الصهيونيّة، وسيجعلونها تندم على كلّ جرائمها الّتي ارتكبتها في الماضي.

وأنا، كما قلت وحذّرت مراراً في السنوات الماضية قبل وبعد الثورة، مجدّداً أحذّر من خطر انتشار هذه الغدّة السرطانيّة الصهيونيّة في قلب وجسد العالم الإسلاميّ وأعلن عن دعمنا وتأييدنا شعباً وحكومة ومسؤولين في إيران للشعوب الإسلاميّة المقاومة، وللشباب المسلم الغيور في سبيل تحرير القدس.

وأشكر شباب لبنان الأعزّاء الّذين كانوا سبباً لعزّة وارتقاء أمّة الإسلام، وأذلُّوا ومرّغوا أنوف مستكبري العالم.

وأدعو الله لجميع الأعزاء في داخل الأراضي المحتلة والّذين على حدود هذا البلد المغتصَب الّذين يقاومون ويجاهدون العدو ويوجِّهون له الضربات معتمدين على سلاح الإيمان. وأطمئنكم أنّ شعب إيران سوف لن يترككم وحدكم، توكّلوا على الله واستلهموا من القدرات المعنويّة للمسلمين واهجموا على الأعداء متسلّحين بسلاح التقوى والجهاد والصبر والثبات
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ 2.

دور العلماء والمفكّرين
ينبغي على المفكّرين الّذين يشاركون في هذا الاجتماع ومن أيّ بلدٍ كانوا، أن يُصدروا البيانات الّتي تدعو لتوعية الشعوب بعد تبادل

 الآراء، والتوجيه بها، ونشرها في "محيط الوحي" بين المجتمعات الإسلاميّة، ونشرها أيضاً في بلادهم بعد عودتهم إليها. ويطلبوا في هذه البيانات من رؤساء الدول الإسلاميّة أن يضعوا نصب أعينهم الأهداف الإسلاميّة، ويضعوا جانباً الاختلافات، وأن يفكّروا بحلّ ما لأجل الخلاص من مخالب الاستعمار.

إنّ إحدى الفرص المناسبة والّتي يجب أن يستغلّها العلماء هي إقامة العلاقات مع أصحاب الرأي والمفكّرين، وعلماء الدول الإسلاميّة، حيث إنّ الاستكبار العالميّ أو بعض رؤساء الدول الإسلاميّة يعملون بقوّة لمنع هذا النوع من اللقاءات وإقامة العلاقات المتينة ويراقبون ذلك، وقد كان أحد أهداف الجمهوريّة الإسلاميّة الاستفادة من هذا الظرف المناسب لتبادل الآراء والأفكار ووضع البرامج الدقيقة والمفصّلة والصحيحة لأجل العثور على الحلول لمشاكل ومعضلات المجتمعات الإسلاميّة.

غفلة العلماء
ويا للعجب كيف أنّ الكثير من علماء وروحانيّي الدول والبلاد الإسلاميّة غافلون عن دورهم العظيم وعن رسالتهم الإلهيّة والتاريخيّة في هذا العصر الّذي تعيش فيه البشريّة الظمأ للأحكام النورانيّة والمعنويّة للإسلام. وكيف لا يُدركون ظمأ الشعوب واشتعال رغبات المجتمعات البشريّة الّتي لا تعرف شيئاً عن قيم الوحي الإلهيّ، ولم يقدّروا قدراتهم ونفوذهم المعنويّ لديهم، فبوسع علماء البلاد

 والخطباء وأئمّة الجمعة والمفكّرين الإسلاميّين في هذه الظروف الّتي يُخيّم فيها زهو العلوم والحضارة المادّيّة على الجيل المعاصر، أن يجعلوا باتحادهم وتلاحمهم وشعورهم بالمسؤوليّة والعمل بواجبهم وتكليفهم المهمّ في هداية وقيادة الناس، وأن يضعوا حدّاً لكلّ هذا الفساد واستعباد المسلمين واحتقارهم، وأن يحولوا دون تغلغل الشياطين الصغار والكبار وخاصّة أمريكا في البلدان الإسلاميّة، وأن يشمّروا عن سواعدهم وينكبُّوا على تحقيق ونشر الأحكام النورانيّة للإسلام بدل كتابة المطوّلات وإطلاق الترّهات والكلمات الّتي تفرّق الناس، وكيل المديح والثناء لسلاطين الجور والظلم، والتسبّب بانحراف المستضعفين عن نصرتهم للإسلام وقضاياه.

وأن يحقّقوا عزّتهم ويُعيدوا الاعتبار والكرامة لأمَّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالاستفادة من هذا البحر الواسع للشعوب الإسلاميّة.

أليس عاراً على علماء الدول الإسلاميّة مع وجود القرآن الكريم والأحكام النورانيّة للإسلام وسنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام، أن تحكم قوانين الكفر في البلاد الإسلاميّة وتكون تحت نفوذهم، وينفّذوا الأوامر والتعليمات الّتي تُملى عليهم من المزيّفين والمزوّرين وأعداء الإسلام.

يجب على علماء البلاد والدول الإسلاميّة أن يبيّنوا لشعوبهم مدى الآثار السيّئة والنتائج المترتّبة على الضياع أمام مغريات الشرق والغرب، وأن ينبّهوا الشعوب والدول لخطر الاستعمار الجديد، وشيطنة

القوى العظمى الّتي صنعت الحروب لقتل المسلمين في العالم. إنّني أؤكّد مجدّداً أنّ الدنيا اليوم ظمأى للحقائق والأحكام النورانيّة للإسلام وقد تمّت الحجّة الإلهيّة على جميع العلماء والروحانيّين... فإنّ المسلمين الشجعان والمقاومين الأعزّاء، حزب الله في لبنان وسائر الدول يقاومون ويجاهدون المعتدين، فأيّ حجّة أكبر من ذلك، وأيّ ذريعةٍ تبقى للسكون والمسايرة والجلوس في البيت والعمل بالتقيّة في غير موردها.

إذا تأخّر العلماء والروحانيّون الملتزمون بالإسلام عن العمل، سيفوت الأوان. طبعاً نحن نشعر ونحسّ بآلام بعض العلماء الملتزمين المحاصرين في مدنهم وبلادهم تحت حِراب وضغط التهديدات وأحكام علماء السوء اللاشرعيّة، ولكن أذكّر جميع هؤلاء الأعزّاء الّذين هم تحت ضغط الجبّارين بموعظة الله سبحانه:

﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد3.

قوموا لله ولا تجزعوا من الوحدة والغربة، فالمساجد أفضل المتاريس، وصلاة الجمعة والجماعة أفضل الساحات والميادين للتنظيم وشرح وبيان مصالح المسلمين.

الحجّ الإبراهيميّ الغريب
من الأمور الّتي لا تقبل الإنكار ولا تحتاج إلى التذكير أنّ الإسلام العظيم هو دين التوحيد ومحطّم الشرك والكفر وعبادة الأصنام

 وعبادة النفس، وهو دين الفطرة والخلاص من قيود الطبيعة ودسائس الشيطان من الجنّ والإنس في العلن والخفاء، ودين سياسة التمدّن، والهادي إلى الصراط المستقيم ﴿ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ4 دينٌ عبادته سياسة وسياسته عبادة، والآن حيث يجتمع مسلمو العالم من البلاد المختلفة حول كعبة الآمال ولحجّ بيت الله الحرام والقيام بهذه الفريضة الإلهيّة العظيمة وعقد هذا المؤتمر الإسلاميّ الكبير في هذه الأيام المباركة، الجميع يعلم أنّه ليس بمقدور أيّ إنسان وأيّة دولة عقد مثل هذا المؤتمر الكبير، وأنّ أمر الله تعالى هو الّذي صنع هذا الاجتماع العظيم، إلّا أنه مع الأسف لم يستطع المسلمون على مرّ التاريخ أن يستفيدوا من هذه القوّة السماويّة وهذا المؤتمر الإسلاميّ كما ينبغي لصالح الإسلام والمسلمين.

والآن حيث إنّ حجّاج بيت الله الحرام الّذين يتحرّرون من قفص البدن وقيود الدنيا، ويُهاجرون إلى الله ورسوله حيث يُصبح البيت القلب ولا شيء فيه غير المحبوب الحقيقيّ بل لا شيء غيره في الداخل والخارج. يجب أن يعلموا أنّ الحجّ الإبراهيميّ ـ المحمّديّ (صلى الله عليهما وآلهما) مهجور وغريب منذ سنوات، إن من الناحية المعنويّة والعرفانيّة وإن من الناحية السياسيّة والاجتماعيّة، ويجب على الحجّاج الأعزّاء من سائر الدول الإسلاميّة أن يُعيدوا الكعبة وبيت الله من غربتهما، وبجميع أبعادهما.

إنّ الأسرار العرفانيّة والمعنويّة لبيت الله يتكفّل بها العرفاء غير المحجوبين، أمّا نحن المشغولون بأبعاده السياسيّة والاجتماعيّة فيجب أن نقول إنّنا بعيدون مسافات عنها، ونحن مُلزمون بإصلاح ما فات. إنّ هذا المؤتمر الّذي بتمامه سياسة ينعقد بدعوة من إبراهيم ومحمّد وآلهما عليهم السلام، ويُقصد إليه من كلّ زوايا الدنيا ومن كلّ فجُّ عميق للاجتماع فيه، لأجل منافع الناس والقيام بالقسط وللاستمرار بتحطيم أصنام قوم إبراهيم عليه السلام ومحمد ّصلى الله عليه وآله وسلم، وطواغيت فرعون الّتي محاها موسى عليه السلام. وأيّ صنم يصل لمستوى الشيطان الأكبر وأصنام وطواغيت أكلة العالم الّتي أخضعت جميع مستضعفي العالم لعبادتها والسجود لها واعتبرت جميع عباد الله الأحرار عبيداً لأوامرها؟

إنّ فريضة الحجّ الّتي هي بحثٌ وهجرةٌ إلى الله إنّما هي ببركة إبراهيم ومحمّد صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى "لا" لجميع الأصنام والطواغيت والشياطين وأبنائهم. وأيّ صنم أكبر من الشيطان الأكبر أمريكا ناهبة العالم والاتحاد السوفياتيّ الملحد المعتدي وأيّ طاغوت أكبر من طواغيت زماننا.

الحجّ مدرسة التضحية
أقدّم التهاني الخالصة لجميع المسلمين في العالم بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك. هذا العيد الّذي يذكّر الناس الواعين بمذبح الفداء الإبراهيميّ، هذا المذبح الّذي قدّم درس الفداء والجهاد في سبيل الله تعالى لأبناء آدم وأصفياء وأولياء الله، هذا العمل بعمق

أبعاده التوحيديّة والسياسيّة لا يستطيع إدراكه غير الأنبياء العظام والأولياء الكرام وخاصّة عباد الله.

هذا أبو التوحيد ومحطّم أصنام العالم، علّمنا والبشريّة جمعاء أنّ التضحية في سبيل الله وقبل أن تكون ذات بُعد توحيديّ وعباديّ، تمتلك أبعاداً سياسيّة وقيماً اجتماعيّة. علّمنا وجميع الناس كيف نقدّم أعزّ ثمرات حياتنا في سبيل الله، ضحّوا بأنفسكم وأعزّائكم وأقيموا دين الله والعدل الإلهيّ. لقد أفهمنا نحن ذرّيّة آدم أنّ مكّة ومنى مذبح العشاق وأنّ هذين المكانين هما لنشر التوحيد ونفي الشرك، لأنّ التعلّق بالنفس والأعزّاء أيضاً من الشرك.

لقد علّم أبناء آدم الجهاد في سبيل الله. ومن هذا المكان العظيم بلّغوا العالم أيضاً عن الفداء والتضحية، وقولوا للعالم، إنّه في سبيل الله وإقامة العدل الإلهيّ وقطع أيادي المشركين في هذا الزمان، يجب أن يخلّد الحقّ بتمامه في أيّ شيء حتّى ولو أدّى ذلك إلى التضحية بمثل إسماعيل عليه السلام.

إبراهيم عليه السلام وولده العزيز محطّم الأصنام الآخر سيِّد الأنبياء محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم علّما البشريّة أنّه يجب تحطيم الأصنام كيفما تكون. وأنّ الكعبة، أمّ القرى على امتداد سعتها وحتّى آخر نقطة من الأرض، وحتّى آخر يوم في العالم يجب أن تطهّر من دنس الأصنام، أيّ صنم كان وكيفما كان أكان هياكل أو شمساً أو قمراً أو حيواناً أو إنساناً أو صنماً من الطواغيت على امتداد التاريخ، من زمن آدم صفيّ الله

حتّى إبراهيم خليل الله، إلى محمّد حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى آخر الزمان الّذي يظهر فيه محطّم آخر للأصنام ويطلق نداء التوحيد من الكعبة. أوَ ليست القوى الكبرى في زماننا أصناماً كبيرة سيطرت على العالم ودعته لعبادتها وفرضت نفسها عليه بالقوّة والتزوير؟!...

إنّ الكعبة المعظّمة هي المركز الأوحد لتحطيم هذه الأصنام، إبراهيم الخليل في أوّل الزمان وحبيب الله وولده العزيز المهديّ الموعود روحي فداه في آخر الزمان صدحوا بنداء التوحيد من الكعبة ويصدحون، قال الله تعالى لإبراهيم
﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ...5 وقال: ﴿...وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ6.

وهذا تطهير من جميع الأرجاس الّتي أكبرها الشرك الّذي هو في صدر الآية الكريمة ونقرأ في سورة التوبة:
﴿وَأَذَانٌ ... وَرَسُولِهِ.. وإنّ الإمام المهديّ المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف وعلى لسان كلّ الأديان وباتفاق المسلمين، يُطلق نداءه من الكعبة ويدعو البشريّة إلى التوحيد. والجميع يُطلقون صرخاتهم من الكعبة وكلمة التوحيد من ذاك المكان المقدَّس. وبالصرخات والدعوات والتظلُّمات وفضح المؤامرات، والاجتماعات الحيّة والحاسمة في مجمع المسلمين في مكّة المكرمة تحطّم الأصنام وتُرجم الشياطين وعلى رأسهم الشيطان الأكبر في العقبات، ونطردهم حتّى نحقّق حجّ خليل الله وحبيب الله ووليّ الله المهديّ العزيز عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وإلّا نكون مصداقاً للقول: "ما أكثر الضجيج وما أقلّ الحجيج".

تطبيق الشعائر
يجب أن تعلموا أنّ الطريق الأساس في ظلّ وحدة المسلمين والتجمّع العام هو في قطع يد القوى العظمى عن الدول الإسلاميّة، عبر تطبيق شعائر المواقف الكريمة والمشاهد المشرّفة عمليّاً في بلادهم.

البراءة ركن الحجّ
إنّ إعلان البراءة من المشركين تُعتبر من الأركان التوحيديّة والواجبات السياسيّة للحجّ. فحاشا أن يتحقّق إخلاص الموحّدين في حجّهم بغير إظهار السخط على المشركين والمنافقين، وأيّ بيت هو أفضل من الكعبة؛ البيت الآمن والطاهر. بيت الناس، لنبذ كلّ أشكال الظلم والعدوان والاستغلال والرقّ والدناءة واللإنسانيّة قولاً وفعلاً، وتحطيم أصنام الآلهة تجديداً لميثاقه
﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُم7 وذلك إحياءً لذكرى أهمّ وأكبر حركة سياسيّة للرسول الّتي عبّر عنها القرآن بقوله﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَر ذلك أنّ سنّة الرسول وإعلان البراءة لن يبليا؛ لأنّ إعلان البراءة لا يقتصر فقط على أيّام الحجّ. إذ على المسلمين أن يملأوا أجواء العالم بالمحبّة والعشق للبارىء، وبالبغض والاستياء والرفض لأعداء الله. ويحب ألّا يُصغوا إلى وسوسة الخنّاسين وشبهات المشكّكين والجهّال والمنحرفين وألّا يغفلوا لحظة واحدة عن هذا النشيد التوحيديّ المقدّس والشامل.

صرخة البراءة خالدة
إنّ صرخة البراءة من المشركين لم تختصّ بزمان خاصّ. هذا دستور خالد، وإن انقرض المشركون من الحجاز "فنهضة الناس" ليست مختصّة بزمان بل هي دستور كلّ زمان ومكان. وفي هذا التجمّع البشريّ العامّ تعتبر سنويّاً من جملة العبادات المهمّة الخالدة إلى الأبد. وهنا تكمن النكتة الّتي أكّد عليها أئمّة المسلمين عليهم السلام في إقامة مجالس العزاء لسيّد المظلومين إلى الأبد، وبقاء صرخة مظلوميّة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وظلم بني أميّة ـ عليهم لعنة الله ـ مع أنّهم انقرضوا...

البراءة هي من كلّ ظالم

إنّ إعلان البراءة هو المرحلة الأولى من الجهاد ومواصلته هي من المراحل الأخرى لتكليفنا، وإنّه يتطلّب في كلّ عصر وزمان مفاهيم وأساليب وبرامج خاصّة. فماذا يجب فعله في عصرنا هذا الّذي يجعل فيه قادة الكفر المفاهيم الثقافيّة والدينيّة والسياسيّة للشعوب ألعوبة بيد أهوائهم ومطامعهم وشهواتهم. هل يجب الجلوس في البيوت وتحمّل الشيطان وأتباعه من خلال حملات التضليل وإهانة منزلة البشر، وإلقاء روح اليأس والعجز في نفوس المسلمين ومنع المجتمع الإسلاميّ من بلوغ الخلاص الّذي يعتبر غاية الكمال ومحطّ الآمال، والإيحاء بأنّ محاربة الأنبياء للأصنام وعبادتها تتلخّص في الحجارة والأخشاب الهامدة، وأنّ أنبياء كإبراهيم، إنّهم كانوا السبّاقين لتحطيم

الأصنام ولكنّهم تركوا ساحة الجهاد ضد الظالمين ـ معاذ بالله ـ ؟!

إنّ تحطيم الأصنام وجهاد وحروب إبراهيم عليه السلام مع النمروديّين وعبدة الشمس والقمر والنجوم كلّها كانت مقدّمة لهجرة كبرى، وإنّ كلّ تلك الهجرات والصعاب والشدائد والمبيت في وادٍ غير ذي زرع، وبناء البيت والتضحية بإسماعيل كانت مقدّمة لبعثةٍ ورسالةٍ يكرّر فيها خاتم النبيّين كلام أوّل وآخر نبيّ، ومؤسّسي الكعبة، ويبلّغ الرسالة الخالدة
﴿وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ.

وإذا قدّمنا تحليلاً غير ذلك فإنّه يعني عدم وجود الأصنام وعبادتها في هذا العصر، ولكنّ أيّ إنسان عاقل لا يُدرك عبادة الأصنام الجديدة وأحابيلها وحيلها الخاصّة ولا يعرف هيمنة معابد الأصنام، كالبيت الأسود الأمريكيّ، على البلدان الإسلاميّة وعلى أرواح وأعراض المسلمين والعالم الثالث.

إنّ صرخة براءتنا من المشركين والكفار اليوم، هي صرخة البراءة من الظلم والظالمين وصرخة أمّة بلغت روحها الحلقوم من اعتداءات الشرق والغرب وعلى رأسهم أمريكا وأذنابها، ونهب بيتها ووطنها وثرواتها.

البراءة وتحرير الطاقات
إنّنا بإعلاننا البراءة من المشركين كنّا وما نزال مصمّمين على تحرير الطاقات المتراكمة للعالم الإسلامي، وبإذن الله الكبير وبهمّة أبناء القرآن سيأتي اليوم الّذي يتحقّق فيه هذا العمل.

وإنشاء الله سيتحقّق أيضاً اليوم الّذي يصرخ فيه جميع المسلمين والمتألّمين ضد

 ظالمي العالم، ويثبتوا أنّ القوى العظمى وأذنابهم والنفعيّين هم أكثر موجودات العالم بغضاً ولعناً.

إنّ صرخة براءتنا هي صرخة جميع الّذين لم يقدروا على تحمّل تفرعن أمريكا وتواجدها السلطويّ، ولا يريدون أن تخمد صرخة غضبهم وسخطهم وتذمّرهم، وتُخنق في حناجرهم إلى الأبد وعقدوا العزم على العيش حياة حرّة كريمة والموت أحراراً، وأن يكونوا الصرخة المدويّة للأجيال.

البراءة صرخة العقيدة والاستضعاف
إنّ صرخة براءتنا هي صرخة الدفاع عن العقيدة والكرامات والنواميس، صرخة الدفاع عن الثروات والرساميل. إنّها صرخة المتألّمين من الشعوب الّتي مزّقت قلوبها خناجر الكفر والنفاق. صرخة براءتنا هي صرخة الفقراء والجياع والمحرومين والمعدمين والحفاة الّذين نهب الجشعون والقراصنة الدوليّون ما حصلوا عليه بعرق جبينهم وتعب ليلهم ونهارهم، أولئك الّذين امتصّوا دماء قلوب الشعوب الفقيرة والفلّاحين والعملاء والكادحين باسم الرأسماليّة والاشتراكيّة والشيوعيّة. وربطوا العصب الحيويّ لاقتصاد العالم بأنفسهم وحرموا شعوبه من استيفاء أبسط حقوقها المشروعة.


1- سورة التوبة، الآية: 19.
2- سورة محمّد، الآية: 7.
3- سورة سبأ، الآية: 46.
4- سورة النور، الآية: 35.
5- سورة الحجّ، الآية: 27.
6- سورة الحجّ، الآية: 26.
7- سورة الأعراف، الآية: 172.

2014-10-02