يتم التحميل...

كلمة الامام الخامنئي دام ظله الشريف بمناسبة أسبوع التعبئة

2014

في البداية أرحّب بكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أنتم نخبة المجتمع البسيجيّ في البلاد، الذين جعلتم العقل والفكر والعلم إلى جانب العشق والقلب، ووردتم ميداناً نهاية الحضور فيه النصر الحاسم والمحبوبيّة عند الله تعالى إن شاء الله.

عدد الزوار: 27

كلمة الامام الخامنئي (دام ظله الشريف) في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين بمناسبة أسبوع التعبئة_27-11-2014

بسم الله الرحمن الرحيم1

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله المنتجبين المطهّرين وصحبه المنتخبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

في البداية أرحّب بكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أنتم نخبة المجتمع البسيجيّ2 في البلاد، الذين جعلتم العقل والفكر والعلم إلى جانب العشق والقلب، ووردتم ميداناً نهاية الحضور فيه النصر الحاسم والمحبوبيّة عند الله تعالى إن شاء الله.

 يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿يحبّهم ويحبّونه3 فهم يحبّون الله تعالى والله أيضاً يحبّهم وفي موضع آخر يعرّفهم أو يعرّف بعضهم فيقول: ﴿إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيانٌ مرصوص4؛ أي أنّ هذا الشابّ، والرجل، والمرأة، والنخبّويّ، والحكيم، والمؤمن الذين وضعوا جميعاً كلّ إمكاناتهم وحياتهم على أكفّهم، ووردوا الميدان؛ وهذه هي الميزة نفسها التي نقول إنّها ينبغي أن تكون في التعبويّ. أسأل الله تعالى أن يعطيكم الأجر والثواب، ويوفّقكم، وأن لا يقطع هدايته ورعايته لحظةً عنكم، ويزيدكم توفيقاً يوماً بعد يوم.

لقد كان خِطَابَا هذين الأخوين العزيزين القائد العامّ لحرس الثورة الإسلاميّة المحترم، ورئيس منظّمة التعبئة العامّة للمستضعفين متقنين وصحيحين؛ خطابان متينان وموزونان ومدروسان. وإنّي بدوري أعرض عليكم بعض الملاحظات.
 
التعبئة؛ منطقٌ وعلمٌ وعمل
لقد رأينا التعبئة في ميدان العمل منذ البداية إلى الآن، في جميع الميادين، وكلّها ميادين عمل. في الدفاع المقدّس: سنوات الحرب الثماني، في البناء، في التقنيّات المتنوّعة؛ ابتداءً من الخلايا الجذعيّة إلى الطاقة النوويّة، هذه كلّها أعمال التعبئة، من حضور الأطبّاء في المستشفيات القريبة من الخطوط الأماميّة للجبهة، حيث رأيت في تلك الفترة، تلك المستشفيات التي كان بمقدور الأعداء قصفها بالمدافع القصيرة المدى. لقد كان الأطبّاء من طهران، ومن القرى مستعدّين، وبمجرّد أن يُطلب منهم، كانوا ينطلقون حاملين حقائبهم التي كانت مهيّأة دوماً، ويلتحقون بالعمل في مثل هذه المواقع؛ من الأعمال الفنّيّة التعبويّة، ظهرت أعمال فنّيّة رائعة، فعّالة ومؤثّرة تكاملت يوماً بعد يوم حتى الآن بحمده تعالى؛ لقد شاهدنا البسيج في ميدان العمل في مختلف المواقع. غاية الأمر الميدان واسع جدّاً - حيث سأشير إلى ذلك في ما بعد؛ من الأعمال والجهود العلميّة، إلى الأعمال الفنّيّة، إلى الأعمال القتاليّة، إلى الأعمال البنائيّة، إلى الأعمال الاقتصاديّة وكلّ هذه الأمور. ما أرى أنّه قلّما عُمل عليه وينبغي أن يُعمل عليه ويُعالج هو مسألة الخلفيّة الفكريّة للتعبئة والقاعدة والمرتكز الفكري، التعبئة هي فكر، ومنطق، ومنظومة فكريّة. والسبب في أنّنا جميعنا نرى انجذاب المتعلّمين والنخب والنوابغ في الاختصاصات المختلفة إلى التعبئة، هو أنّ التعبئة ليست مجرّد حركة حماسيّة؛ هناك منطق قويّ يقف خلف التعبئة؛ وعندما يترافق هذا المنطق والعلم مع العمل، يحدث هذا الصخب، ويخلق هذه الحوادث العجيبة. ما هو أساس هذا الفكر؟
أعرض هنا بضع كلمات مقتضبة حول هذا الفكر الفكر الذي هو القاعدة للتعبئة، والخلفيّة والمرتكز الفكري لها، وسأعرض هنا نقطتين جديرتين بالتفكّر والبحث والعمل.
 
التعبئة؛ إحساسٌ بالمسؤوليّة
أساس هذا الفكر هو الاعتقاد بـ"مسؤوليّة الإنسان"؛ الإنسان موجود مسؤول. والنقطة المقابلة لهذا الفكر هي عدم الإحساس بالمسؤوليّة تحت عنوان وشعار: "دع عنك ذلك، تمتع بحياتك، اهتم بنفسك". إنّ الأساس الفكريّ للتعبئة هو هذه المسؤوليّة والوظيفة الإلهيّة، والتي أقول إنّ لها أسساً ومباني دينيّة متينة. ليس المقصود من المسؤوليّة هنا المسؤولية أمام النفس والعائلة والأقارب -فهذه المسؤوليّة موجودة- بل المسؤوليّة أمام حوادث الحياة، أمام مصير العالم، ومصير البلد ومصير المجتمع، سواءً المسلمين أو غير المسلمين. وهذا الإحساس بالمسؤوليّة ليس فقط تجاه أبناء دينه والمسلمين والمؤمنين، بل هو يشعر بالمسؤوليّة حتّى تجاه غير المسلمين وغير المؤمنين. هي النقطة المقابلة للاستلشاء، واللامبالاة، وحالة الكسل والهروب من المسؤوليّة وأمثال هذه الأمور. إنّ الركيزة الأساسيّة للتعبئة هي الإحساس بالمسؤوليّة.

الركيزة الفكرية الأولى: الاحساس بالمسؤولية
 إنّ فكرة مسؤوليّة الإنسان هذه هي من واضحات الإسلام. أي لا يمكن لأحد أن يشكّ بأنّ الإسلام يعتبر الإنسان مثل هكذا موجود: موجود مسؤول، مطلوب منه العمل. لاحظوا الأحكام المختلفة: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سبيل المثال. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني أنّكم جميعاً مسؤولون بأن تنشروا المعروف والخير، وأن تأمروا به؛ والنهي عن المنكر يعني أن تنهوا عن القبائح والمنكرات، والأعمال الدنيئة؛ وتحولوا دونها بالوسائل المختلفة. ما معنى ذلك؟ معناه المسؤوليّة إزاء السلامة العامّة للمجتمع. الجميع مسؤولون: أنا، أنت، وهو مسؤول. أو لاحظوا مثلاً مسألة الجهاد. الجهاد الإسلامي في الواقع هو مساعدة الشعوب التي تعيش في ظلّ السياسات الاستعماريّة والاستكباريّة والاستبداديّة التي لا يصل إليها نور الإسلام؛ ولا يصل إليها نور الهداية. الجهاد من أجل تمزيق هذه الأستار والحجب؛ هذا هو الجهاد الإسلامي. والبحث في أنّ الجهاد دفاعي أو ابتدائي وما شابه، هو بحث فرعي؛ البحث الأساسي هو: ﴿ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان5؛ فالآية تقول: لِمَ لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين، من أجل إنقاذهم؟ هذا هو الإحساس بالمسؤوليّة؛ أي إذهب وعرّض نفسك للخطر وضع روحك على كفّيك في ميادين الخطر، من أجل إنقاذ المستضعفين؛ ومعنى هذا هو تلك المسؤوليّة نفسها. أو هذا الحديث المشهور: "من أصبح ولم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"6؛ وأمثاله، الكثير من الآيات والروايات الموجودة في النصوص الإسلاميّة، والتي هي من الأمور البيّنة في الإسلام؛ أي أنّ الإسلام أراد للإنسان أن يكون مسؤولاً على هذا النحو؛ مسؤولاً أمام نفسه، وأمام أقربائه، وأمام مجتمعه، أمام البشريّة. فإنّكم إن ذهبتم الآن وفتّشتم عن هذا الفكر في النصوص الإسلاميّة، فإنّكم ستشاهدون أموراً مدهشة ولافتة على مستوى هذا الاهتمام وهذا الإحساس بالمسؤوليّة.
 
فلو انّ امرءا مسلما مات؛
لقد كان الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدعو الله ويتضرّع إليه: "اللهم إهدِ قومي"7؛ وقومه كانوا أولئك الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يؤذونه، ويطردونه، ويهدّدونه بالقتل، والذين كانوا يجلبون له المتاعب، ومع ذلك كان يطلب من الله لهم الخلاص والشفاء والهداية! وعندما يسمع أمير المؤمنين(عليه السلام) بأنّ جيش معاوية قد أغار على تلك المدينة كان يقول بغصّة: "بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة"8، فكانوا يهينون النساء، ويسلبونهنّ أساورهنّ وأقراطهنّ، ومن ثمّ يتابع أمير المؤمنين قائلاً: "فلو أنّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديرًا"؛ أنظروا إلى أيّ درجة يصل الإحساس بالمسؤوليّة. لم يقل لو مات أمير المسلمين ما كان به ملوماً، بل امرءاً مسلماً. هذا هو الإحساس بالمسؤوليّة نفسه. هذه هي الركيزة الأساسيّة لحركة التعبئة: الإحساس بالمسؤوليّة الإلهيّة.
 
الركيزة الثانية: البصيرةٌ والرؤية البيّنة
 الركيزة الثانية المكمّلة لهذا الركيزة هي البصيرة، والرؤية الواضحة. فماذا تعني البصيرة؟ تعني معرفة الزمان، معرفة الحاجات، معرفة الأولويّات، معرفة العدوّ، معرفة الصديق، معرفة الوسيلة التي ينبغي استخدامها في مواجهة العدوّ؛ البصيرة هي هذه المعارف. لا يمكن المواجهة دوماً بسلاح واحد، ولا يمكن الورود إلى كلّ الميادين بسلاح واحد. علينا أن نعرف أيّ سلاح نستخدم؟ وأين هو العدو؟ لقد قلت مراراً، إنّ مَثَل الذين لا يمتلكون البصيرة -كهؤلاء المساكين الذين وقعوا في الفتنة عام 88- كمَثَل الذين يريدون توجيه ضربة للمعارض أو العدوّ في الضباب الكثيف، والغبار الغليظ؛ فإنّهم لا يعرفون أين هو العدوّ؛ من أولى شروط ومقدّمات الحرب لدى الجيوش: الاستطلاع. أن تذهب وتستطلع أين يتواجد العدوّ. فلو ذهبت من دون استطلاع قد تضرب مكاناً يتواجد فيه الصديق؛ قد تضرب شخصاً ليس بعدوّ لك، وتكون بذلك قد قدّمت العون للعدو؛ قد يحصل هذا أحياناً. إن لم تكن البصيرة موجودة قد يحصل هذا؛ حيث جاء في الحديث الشريف: "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"9؛ فالشبهات والجهل وعدم الإدراك لا تهجم على العالم بزمانه؛ فهو يعرف ماذا يصنع، وإن لم يكن كذلك، ستحصل المشاكل حتّى لو كان يشعر بالمسؤوليّة.

لقد كان البعض أيّام المواجهة مع الشاه يشعرون بالمسؤوليّة، لكنّهم لم يكونوا يعرفون أين يصرفونها؛ كانوا يصرفونها في مواقع أدّت إلى إلحاق الضرر بالحركة الجهاديّة العظيمة للإمام؛ وكذلك بعد الثورة؛ وحتى الآن أيضاً يوجد مثل هكذا أناس. البعض لديه إحساس بالمسؤوليّة، ولديه الدافع، لكنّه يستخدم هذا الدافع بالنحو الخاطئ؛ وفي المكان الخطأ؛ لا يُظهر سلاحه في المكان المناسب؛ وهذا نتيجة لانعدام البصيرة.

 لقد قلنا نحن قبل عدّة سنوات في مسألة "الفتنة": إنّ المسألة مردّها إلى البصيرة؛ لوى البعض شفاههم: البصيرة! نعم، البصيرة؛ فكلّما كانت المسؤوليّة والدافع أكبر، والإحساس بالمسؤوليّة أكبر، مع انعدامٍ للبصيرة، يصبح الخطر أكبر؛ وتنعدم الثقة بهذا الشخص الفاقد للبصيرة10 الذي لا يميّز العدوّ من الصديق، ولا يعرف أين ينبغي صرف هذا الشعور بالمسؤوليّة، وهذه الطاقة، وهذا الدافع. إذاً، هذا هي الركيزة الثانية التي هي غاية في الأهمّيّة. إن لم تكن هذه الركيزة الثانية موجودة، لأخطأ في أمره بالمعروف، ولأخطأ في جهاده، ولأخطأ في ما يهتمّ لأجله، ولأضلّ طريقه.
 
الإمام (رضوان الله عليه)؛ مؤسّس التعبئة ومبيّن الاتجاه
رحمة الله ورضوانه على إمامنا العظيم الذي فكّر في هذه الأمور كلّها؛ ذلك النظر الثاقب والبصيرة، تلك البصيرة الإلهيّة، فقد استلهم كلّ تلك الأمور اللازمة من الله تعالى؛ أُلهم ذلك القلب الطاهر كلّ هذه الأمور، من دون أن يدرس السياسة في مدرسة أو يتعلّمها لدى أحد. لقد أسس الامام "التعبئة"، وأشار أيضاً إلى "الاتّجاه".

 لم يقل الإمام، تحرّكوا، إنطلقوا، أُشعروا بالمسؤوليّة، كونوا تعبويّين وحسب؛ أبدا؛ بل قال ماذا ينبغي عليكم أن تفعلوا. قال لنا: إصرخوا في وجه أميركا بكلّ ما أوتيتم من قوّة11. هذا يعني "التوجيه"؛ يعني أن يعلّمكم ماذا تفعلون، وفي أيّ اتّجاه تسيرون، وبماذا تستدلّون؛ هذا ما علّمنا إيّاه الإمام.

لقد قال مراراً، في فترة الحرب، في السنوات الثماني لحرب الدفاع المقدّس: الحرب هي أولى الأولويّات. كنّا مسؤولين في البلاد -كنت أنا رئيس الجمهوريّة، وآخر يتصدّى لمسؤوليّة أخرى- كان لدينا آلاف الأنواع من الأعمال، قد يغفل المسؤول عندما يكون محاطاً بكلّ هذه الأعمال الإجرائيّة، لكنّ الامام دلّ الجميع على الطريق -المسؤولين، والشعب، والشباب-: أن الحرب هي أولى الأولويّات. وهكذا كان. وجّه الجميع أن إسعوا وراء هذا الأمر؛ هذا أمر مهمّ.
 
الإمام مشخّص الاتجاه؛ والاولويات
وفي موضوع الذهاب إلى سوريا من أجل قتال الاحتلال الإسرائيلي12، حينما كان شبابنا في غاية السرور، وأتى شخصان منهم إليّ -وقد أصبح كلاهما في عداد شهدائنا العظام-  يريدان الذهاب والقتال، لم يكن الإمام يعلم ذلك؛ بعدها حين علم بالأمر، قال: إنّ طريق قتال إسرائيل يمرّ من العراق؛ وقد منعهم من ذلك. فعاد أولئك الذين كانوا قد غادروا. أنظروا؛ هذا هو فهم الأولويّات، معرفة الأولويّات. كان الإمام يبيّن الطريق ويدلّ على الاتّجاه.

لقد قال: إنّ الحفاظ على النظام من أوجب الواجبات أو هو أوجب الواجبات؛ أي أنّ كلّ المسائل التالية هي فرع هذه المسألة. لقد دلّنا على هذا الاتجّاه. قد تختلف مع صديقك في وجهات النظر حول مسألة صغيرة أو كبيرة، لكنّكما في ما يتعلّق بالحفاظ على النظام مسؤولان بالقدر نفسه.

إرتكب أولئك الذين لم يفهموا كلام الإمام هذا، أخطاءً فادحة في بعض المواضع. كان الامام يبيّن الاتّجاه. هكذا كان هذا الرجل العظيم يتحرّك.

حسنٌ، فالركيزة الفكريّة في الدرجة الأولى، هي الإحساس بالمسؤوليّة، فهذه الركيزة الفكريّة قويّة للغاية، بالنسبة لكم أنتم الذين تريدون السير في ميدان التعبئة، والشرط اللازم الذي يُعدّ الركيزة الثانية، هو البصيرة؛ فلا ينبغي أن نغفل لحظةً واحدة عن هذين الأمرين. ذلك الإحساس بالمسؤوليّة - أي من أجل الله، صبراً واحتساباً13؛ أي: إلهي إنّني أعمل على هذا الاكتشاف العلمي، على هذه الدراسة، أبتدع هذا العمل الفنّي، أجاهد هذا الجهاد، أنجز هذا العمل الاقتصادي، هذه المعونة التي أقدّمها لزيد، هذا القتال الذي أقاتله لفلان، هو من أجلك؛ لأنّك أردت منّي أن أكون مسؤولاً؛ هذا هو الشعور بالمسؤوليّة والإحساس بالالتزام الالهي؛ ومن ثمّ تأتي البصيرة: فنعرف أين نحن؟ وأين موقعنا؟ وما هو موقع الأعداء؟ من هو العدوّ؟ بأيّ سلاح ينبغي أن نواجه العدوّ؟ هذه هي الركيزة الثانية. من خلال هذه النظرة، يتّضح مجال ودائرة عمل التعبويّين، وتتّضح أيضاً ميادين نشاط التعبئة.
 
نطاق عمل التعبوي؛ رسم المسار، التوجيه،النظم..
أمّا في ما يتعلّق بنطاق التعبويّين. فمن هو التعبويّ؟

 كلّ إنسان ينشط في هذا المجال العقائدي والإنساني الذي تكلّمنا عنه، هو تعبويّ. بالطبع، إنّ قوّات التعبئة هي الرمز لهذه الثورة الشعبيّة الكبيرة العامّة والشاملة؛ هي مثال ورمز النظام والانضباط والاتّجاه الصحيح والتعليم والتربية. يشمل "التعبويّ"، اسم التعبويّ وشخصيّته؛ إنّ قوّات التعبئة هي ذلك الحصن الأساسي، والمكان والمركز والمقرّ الأساسي لهذه المظلّة الكبيرة التي تظلّل كلّ أفراد الشعب؛ هي الملهمة للنظم والتشكّل، والحضور، والحركة؛ سواءً في المجتمع، أو في الشرائح المختلفة، أو في الجامعات، والمدارس، والحوزات العلميّة؛ إنّ حضور قوّات التعبئة في أيّ مكان، هو بهذا المعنى: رسم المسار، التوجيه، الانضباط، النظم، وتحديد التكاليف المختلفة لهذه المجموعة إلى أن تنضج قواها وطاقاتها. وكما بيّن الإخوة الآن، الإمكانات هي إمكانات محدودة، وقد انتهت حتى الآن بأن أصبح عشرات الملايين هؤلاء مستعدّين بحمد الله تعالى. هذه دائرة الحضور البشري للتعبويّين ونطاقه.
 
ميادين التعبوي؛ لا حدود لها
أمّا عن الميادين. فهي لا تنتهي. لا حدود للميادين. ميدان الدفاع، ميدان السياسة، ميدان البناء، ميدان الاقتصاد، ميدان الفنّ، ميدان العلم والتحقيق، الهيئات الدينيّة، مجالس العزاء؛ في كلّ مكان وبطرقها المختلفة؛ هذه ميادين حضور التعبئة؛ كلّ مكان هو ميدان من ميادين التعبئة.
 
نماذج من نخب التعبئة
لنا في جميع هذه الميادين نماذج؛ نماذج بارزة أثبتت أنّها بارزة، وعظيمة. في الحرب لنا قادة عظماء، شخصيّات بارزة؛ بعضهم كان من النخب العلميّة، ذهبوا إلى الجبهة ليصبحوا جنوداً وفعّالين وحملةً للسلاح؛ كالشهيد شمران. لقد كان واحداً من النخب العلميّة، وكان من النخب الفنّيّة أيضاً؛ كان نفسه يقول لي أنا فنّان في التصوير. إلتحق بالجبهة، إرتدى اللباس العسكريّ، وأصبح عسكريّاً؛ لكنّه قبل أن يَرِد هذا الميدان كان من النخب العلميّة. البعض وقبل أن يرد هذا الميدان لم يكن من النخب، وإنّما هذا الميدان هو الذي أوصله إلى العلا؛ كالشهيد الاستاذ عبد الحسين البناء14، الذي كان معلّم بناء؛ ورد ميدان الحرب فحلّق إلى الشمس، إلى العلا، وأصبح من النخب. وأيّ نخبة هم! هؤلاء عظماء. لدينا في مجال العلم والتحقيق نخب بارزة، كالمرحوم كاظمي آشتياني الذي أطلق العمل في الخلايا الجذعيّة وهذه التشكيلات العظيمة، وعلّم أناساً كثيرين وزملاؤه أيضاً كذلك؛ وهذه الحركة مستمرّة اليوم بحمد الله تعالى أو كالشهيد شهرياري؛ إنّنا نذكر هذه الأيّام اسم الشهيد شهرياري، لأنّها تصادف الذكرى السنويّة لاستشهاده15؛ البقيّة هم كذلك: رضايي نجاد، علي محمّدي، أحمدي روشن؛ هؤلاء كانوا نخباً أدّوا كتعبويين أعمالاً في مجال العلم والتحقيق؛ الشهيد شهرياري أدّى عملاً لائقاً بالتعبويّ؛ في ذلك اليوم الذي أرادوا فيه سدّ الباب بوجه الشعب الإيراني- من خلال الأساليب التي سمع بها الكثير من أفراد الشعب في وسائل الإعلام، وفي الأخبار، وكان الكثير منها أيضاً يُحاك خلف الستار، حيث سيتّضح في ما بعد حجم خبثهم وحقدهم- قالوا: "لن نبيعكم"؛ كي لا تصل العلاجات الإشعاعيّة إلى الناس، وليوقعوا الجمهوريّة الإسلاميّة في المشاكل، ولكي يتوقّف مركز طهران عن العمل. باشر المرحوم الشهيد شهرياري بالعمل، جهد وسعى، بحيث أُخبرنا في ما بعد بأنّه يمكننا إنتاج 20% من اليورانيوم المخصّب، ومن ثمّ جاؤوا وأخبرونا بأنّهم صنعوا أجهزة الطرد وصفائح الوقود؛ فَبُهِت العدوّ. هذا العمل كان عمل التعبويّ؛ لم يكن عملاً عاديّاً. في جميع هذه المجالات التي ذكرناها، كان ولا يزال هناك الآلاف من الأشخاص العظماء، يجدّون ويسعون، حيث سمّينا بعضهم بالإسم.
 
تصدير التعبئة؛ كأريج الزهزر
 حسنٌ، هذا الفكر الذي هو الفكر التعبوي، والذي أوجده إمامنا العظيم في إيران، قد صُدّر. لقد قلنا مراراً، إنّ مفاهيم الثورة ومفاهيم الإسلام هي كأريج زهور الربيع؛ لا يمكن لأحد أن يقف في وجهه؛ إنّه ينتشر، وينتقل إلى كلّ الأمكنة؛ هو النسيم المنعش الذي يعمّ بنفسه كلّ مكان ويبعث على الحياة؛ إنّهم يثيرون الضجيج، ويصرخون؛ لكنّه انطلق، وصُدّر، وتلاحظون الآن في الدول المختلفة؛ أنّ هذا الفكر ينشط في لبنان، في العراق؛ تحرّك الشباب العراقي مع جيشه واستطاع أن يحقّق هذه الانتصارات؛ الأمر كذلك في سوريا، وفي غزّة، وفي فلسطين، وفي اليمن، وأسأل الله أن يحصل هذا في القدس الشريف من أجل تحرير الأقصى.

حسنٌ، لقد اتّضح هذا الأمر. وأقول الآن، هذا هو السبب في عدم انهزام إيران الإسلاميّة. وليعلم أولئك الذين يهدّدون النظام الإسلامي والجمهوريّة الإسلاميّة، لأنّها تقوم بهذا الأمر وذاك، أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لن تنهزم بفضل هذا الفكر التعبويّ والعمل والحركة التعبويّين16. إنّ كلّ فرد إيراني تعبويّ بالقوّة، ما عدا عدّة معدودة هي إمّا مبتلاة بحبّ الذات أو حبّ الشهوة، أو حبّ المال، أو أنّها عميلة للأعداء، فإنّنا ندع هؤلاء جانباً؛ هؤلاء معدودون، ليسوا كثراً. الأكثريّة الحاسمة من الشعب الإيراني هم تعبويّون بالقوّة؛ وهذا هو سبب عدم انهزام نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. بالنهاية، ينبغي أن نكون جميعاً منتبهين؛ هناك اختبار دوماً، اختبار للجميع؛ لا ينبغي للحركة أن تضعف؛ ولا ينبغي أن نشتبه في اتّجاه الحركة؛ إنّ اتّجاه الحركة هو نحو الاستكبار، ومواجهة الاستكبار.

إنّنا نذكر أميركا مراراً وتكراراً؛ شعبنا، ونحن؛ لأنّ مشكلة أميركا هي الاستكبار، ولأنّ أميركا دولة مستكبرة، ولأنّ منهج أميركا منهج استكباريّ. لا شأن لنا بأميركا، كمجموعة مناطق جغرافيّة، أو كشعب، أو كجماعة إنسانيّة، إنّهم كسائر الشعوب الأخرى؛ إنّ مشكلتنا مع أميركا هي في الاستكبار الأميركي؛ إنّهم مستكبرون، متكبّرون، ظالمون، توسّعيّون؛ تأمّلوا في تصريحاتهم التي أدلوا بها في الأيّام السابقة في ما يتعلّق بالمفاوضات في الملفّ النووي؛ لقد فاوضوا لشهور عدّة ومن ثمّ مدّدوا لهذه المفاوضات، بعدها عادوا لتصريحاتهم القديمة.
 
إنّا شفّافون مع شعبنا!
حسنٌ، أقول في هذا المجال عدّة كلمات: أوّلاً، أنا لا أعارض تمديد المفاوضات، كما أنّي ولذلك السبب لم أكن أخالف أصل المفاوضات، وقد بيّنت للناس سبب عدم مخالفتي لأصل المفاوضات؛ وقد ذكرت في إحدى خطاباتي أسباب ذلك؛ والآن أيضاً أنا لا أخالف تمديد المفاوضات. أقول هذا إضافةً إلى أنّ فريقنا المفاوض حقّاً وإنصافاً يسعى ويجدّ؛ يقف بثبات، يتكلّم بمنطق، لا يرضخ لمنطق القوّة، ويعمل؛ على الجميع أيضاً أن يلتفتوا إلى هذه المسألة. والحال أنّ الناس غالباً، غير مطّلعين على تفاصيل ما يحصل في هذه المفاوضات؛ لا، إنّهم يعملون بجدّ، ومنطق، وبحرقة، وبنحو منطقي. وذلك خلافاً للطرف المقابل، وعلى وجه الخصوص أمريكا التي تتكلّم في كلّ يوم بكلام جديد فتتكلّم بنحو في الجلسات الخاصّة وفي الرسائل التي تبعثها؛ وبنحو آخر أمام الرأي العامّ، وفي التصريحات العامّة؛ يتكلّمون اليوم بكلام، ويتراجعون عنه في الغد. عندما لا يكون الخطّ المستقيم والصراط المستقيم موجوداً، هذا ما يحصل بالنهاية.

 إنّهم يريدون الاستفادة منّا ومن المفاوضات في مشاكلهم الداخليّة؛ لذا فإنّهم مجبرون على التكلّم هناك بنحو، والتكلّم هنا بنحو آخر أمّا فريقنا المفاوض فليس كذلك؛ إنّه يواجههم بمنطق وقوّة. وحتماً، بين هؤلاء المفاوضين، وهذه المجموعة التي تقف بوجه إيران؛فإيران وحيدة، وهم جيش؛ إنّهم عبارة عن عدّة دول يقف خلف كلّ منهم جيشٌ من الدبلوماسيّين والعلاقات العامّة والمصوّرين والمحلّلين وما شابه وأسوأ من الجميع الأميركيّون، والأكثر سوءاً بينهم البريطانيّون. حسنٌ، الآن وقد جرى التمديد لهذه المفاوضات ليعلم الجميع -الأشخاص الذين يفاوضون، أو الأشخاص القلقون داخل البلاد لهذه القضيّة، والذين يتطلّعون إلى هذه المفاوضات- إذا لم تصل هذه المفاوضات إلى نتيجة، فإنّ المتضرّر الأكبر هو أميركا وليس نحن. إنّا شفّافون مع شعبنا، نبيّن حقيقة الأمر لشعبنا، ونقول لهم، وقد أدركوا حتى الآن- ويمكن من خلال الشواهد المتعدّدة إثبات ذلك والاستدلال عليه- أنّ الهدف الحقيقي للاستكبار والغرب في مقابل إيران، هو الحؤول دون تطوّر الشعب الإيراني وتحصيله للقدرة؛ إن الهدف الواقعي هو الحؤول دون عزّة الشعب التي تزداد يوماً فيوماً؛ وإن المسألة النوويّة هي ذريعة، وهناك ذرائع أخرى إلى جانب هذه الذريعة. فالمشكلة الأساسيّة لديهم أن استعدادات الشعب الإيراني بدأت تظهر تدريجيّاً، والشعب يتقدّم من جميع الجوانب؛ السياسيّة، والعلميّة، والاجتماعيّة المختلفة، وهو يحصّل القوّة، وهم غير راضين عن ذلك، وغير مرتاحين، ويريدون الحؤول دون هذا الأمر؛ إنّ الحظر والضغوط يتمّان بهذا القصد، المقاطعة والضغوطات الاقتصاديّة تُمارس لهذا السبب، علّهم يستطيعون الحدّ من تقدّم الشعب الإيراني المطّرد؛ لذا، فإنّهم يقاطعون، يمارسون الضغوط، يمارسون الضغوط الاقتصاديّة. وحتماً، الضغوط الاقتصاديّة عامل مهمّ. إنّنا نتكلّم بصراحة مع شعبنا، وهم ليسوا كذلك، إنّ شعبهم غير راضٍ عن أدائهم. وشعبيّة رئيس جمهوريّتهم تتناقص يوماً فيوماً؛ هذه نتيجة الاحصاءات التي يعلنونها هم.

حين انتُخب رئيس جمهوريّتهم هذا، كانت شعبيته واسعة؛ أمّا اليوم فهي تتناقص يوماً فيوماً. لأنّ الناس لا يؤمنون بنظامهم السياسيّ. كانت نسبة المشاركين في الانتخابات الأخيرة في أميركا متدنّية، وقد صرّحوا هم واعترفوا بذلك؛ أي أنّ الشعب غير راضٍ عن هذه التشكيلات وهذا النظام، وقد فقد الثقة به. قارنوا هذا بحضور 65 بالمئة و70 بالمئة من شعبنا أمام صناديق الاقتراع. لديهم الآن مشاكل مع عموم أفراد شعبهم؛ في قضيّة فرغسون وولاية ميسوري وأمثالها التي سمعتم أخبارها، هم يقاتلون شعبهم! تقول تقاريرهم الإخباريّة إنّ الشرطة الأميركيّة قتلت خلال عام واحد أكثر من 400 مواطن لأسباب مختلفة؛ الشرطة، ليس الجهاز القضائي! وإنّ علاقتهم مع مواطنيهم ليست على ما يرام، وشعبهم أيضاً غير راضٍ عنهم، إنّهم في مأزق، وبحاجة إلى تحقيق نجاح، وإلى انتصارٍ كبير، أمّا نحن فلا.
 
لن يضرّنا فشل المفاوضات
لقد تكلّم أحد أفراد الفريق المفاوض الإيراني قبل عدّة أيّام بكلام جيّد، فقال: إن لم نتوصّل إلى توافق، فلن تقع السماء على الأرض، ولن يكون ذلك نهاية العالم؛ حسنٌ، فليكن. هذا هو الكلام الصحيح.
 لن يلحقنا أيّ ضرر، كما يتصوّرون؛ إنّهم يتصوّرون أنّه إذا ما حصل ذلك سيلحق بنا ضرر؛ لا، فهناك حلّ، وطريق الحلّ هو "الاقتصاد المقاوم" الذي يقلّل في البداية من آثار ضربات العدوّ؛ هذا في الأمد القريب، أمّا في الأمد المتوسّط والبعيد فإنّه يسمو بحركة الشعب الكبرى إلى الأعالي. هذا هو الاقتصاد المقاوم. لقد حكم الخبراء الاقتصاديّون بعد أن أعلنّا المقاومة الاقتصاديّة، بأنّ لدينا حلّاً، وهم ليس لديهم حلّ.
 
الحل: الاقتصاد المقاوم
مع كلّ هذا، يتحرّكون بنحو مستكبر. لاحظوا تصريحاتهم في الأيّام الأخيرة؛ يأتون ويقولون: ينبغي على إيران أن تنال ثقة المجتمع الدولي. يسمّون أنفسهم المجتمع الدولي! فأميركا وبريطانيا وفرنسا، وعدّة دول مستكبرة أصبحوا هم المجتمع الدولي؛ أهذا هو المجتمع الدولي؟ هل إنّ حوالي 150 دولةً عضواً في دول عدم الانحياز، التي اجتمعت في طهران قبل سنتين، هؤلاء ليسوا مجتمعاً دوليّاً؟ لقد وفد إلى طهران حوالى خمسين رئيس جمهوريّة ورئيس بلد ودولة، وشاركوا مشاركة فعّالة في هذا الاجتماع، ليسوا مجتمعاً دوليّاً؟ وهذه الدول العدّة والتي هي دول ينقطع رؤساؤها في الأغلب عن شعوبهم ـ  يشكّلون المجتمع الدولي؟ "عليكم أن تنالوا ثقة المجتمع الدولي"، أي ثقتنا، أي ثقة الأميركيّين! إنّنا لا نريد أن ننال ثقة أميركا. ونحن لا نحتاج إلى ثقة أميركا مطلقاً. فأنتم لا تشكّلون أيّ أهمّيّة بالنسبة لنا. إنّنا لسنا بحاجة إلى ثقتكم؛ كما أنّنا لا نثق بكم. وحتّى شعوبكم لا تثق بكم17.
 
المسألة الأساس عندهم: إرضاء الشبكات الصهيونيّة
بعد ذلك يقولون: "يجب المحافظة على أمن إسرائيل". أوّلاً، إسرائيل تصبح يوماً بعد يوم أقلّ أمناً؛ سواءً حصل التوافق على الملفّ النووي أو لم يحصل؛ واعلموا أنّ أمن إسرائيل لن يكون مضموناً سواءً حصل التوافق أم لا. أمّا أن تقولوا يجب الحفاظ على أمن إسرائيل، فأقول إنّ هذا كلام غير شفّاف. فإنّ المسألة الأساسيّة بالنسبة للمسؤولين الأميركيّين ليست أمن إسرائيل، المسألة الأساسيّة هي شيء آخر.

إن المسألة الأساسيّة لهؤلاء "الحضرات" السادة، هي المحافظة على إرضاء الشبكات الماليّة الصهيونيّة التي بيدها شريان حياتهم. هذه هي المسألة الأساسيّة بالنسبة لهؤلاء، وإلّا، فما أهميّة أن تبقى إسرائيل أو لا تبقى بالنسبة لهم؟ ما هو مهمّ بالنسبة لهم أنّهم وضعوا شريان حياتهم بيد شبكة المتموّلين الصهاينة؛ هؤلاء الذين يقدّمون لهم الرشاوى، ويهدّدونهم أيضاً؛ يرشونهم - رشاوى ماليّة - ويأخذون منهم الأموال أيضاً؛ يرشونهم بالمناصب ويعدونهم بها، وإن لم يتواطأوا مع هؤلاء الذين يمسكون بنبض الاقتصاد في أميركا، فلن يصلوا إلى تلك المناصب الرفيعة -كرئاسة الجمهوريّة، والوزارات وأمثالها - هذه هي المسألة بالنسبة لهم. إنّهم أيضاً يهدّدون؛ فإن عَمِل هؤلاء خلافاً لإرادة تلك الشبكة الخطرة، فإنّها تهدّدهم، بإجبارهم على الاستقالة، أو بفبركة الفضائح لهم! حيث شهدتم في هذه السنوات الأخيرة أمثال هذه الأمور في الحياة الأميركيّة؛ يتّهمون أحدهم، يشوّهون سمعة آخر، يفبركون قضيّة فساد جنسي لأحدهم، يجبرون أحدهم على الاستقالة، يغتالون أحدهم؛ لقد جرى اغتيال بعض من هؤلاء الرؤساء والمسؤولين الكبار.

إنّ هؤلاء الشبكات الصهيونيّة أيديهم طائلة! أنتم أيها الزعماء الأمريكيّون تخافون منهم! تلاحظون هذا الأمر؛ المسألة ليست أمن إسرائيل، المسألة مسألة أمنكم. هؤلاء مستكبرون، هكذا يتكلّمون، ونحن أيضاً، لا نتوافق على شيء مع المستكبرين. حسنٌ، إن كان في البين كلام منطقيّ، فإنّنا نقبل؛ نقبل الكلام المنطقي، نقبل القرارات العادلة والحكيمة، أمّا حين يكون الأمر من باب القوّة والتوسّع، فلا؛ فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة من قاعدتها إلى رأسها، سواءً شعبها، أو مسؤولوها، لن يقبلوا؛ فليعلموا هذا.
 
"أَدعو إلى الأخلاق"
أقول لكم كلمتين أيّها التعبويّون الأعزّاء، وإلى كلّ التعبويّين في جميع أنحاء البلاد: إنّني أدعو التعبويّين الأعزّاء إلى الأخلاق، ماذا نعني بالأخلاق؟ نعني الحلم والتحمّل، الصبر والمقاومة، الصدق والصفاء، الشجاعة والتضحية، الطهارة والعفّة. فالتعبويّون بحاجة إلى هذا كي تبقى أجزاء هذا البنيان الراسخ قويّة. إن أردتم بقاء هذا البنيان الرفيع مستحكماً كقلعة راسخة وثابتة في مقابل العدوّ، عليكم أن تراعوا هذه الأمور؛ عليكم أن تظهروا التحمّل والصبر والأخلاق، والطهارة، أن تستحضروا النماذج العظيمة في صدر الإسلام. علينا أن نبتعد عن التكبّر، والتفرعن. فمالك الأشتر، مع ذلك المنصب الذي كان مخصوصاً به، والشجاعة التي كان يتمتّع بها، والمنزلة التي كان يحظى بها عند أمير المؤمنين، كان يوماً يسير في أحد الأزقّة. فراح أحد الفتيان يسخر منه، ولم يكن يعرفه، ولربّما رماه بحصاة؛ رأى شخصاً مارّاً، وأراد أن يهزأ منه فرماه؛ وبعد أن عبر مالك الأشتر الزقاق، جاء من رأوا هذا المنظر إلى الولد وقالوا له: أتعرف ما فعلت، وبمن هزئت، فقال الولد لا؛ كونه لم يكن يعرف مالك الأشتر. فقالوا: هذا مالك الأشتر؛ ارتبك الولد؛ ولعلّه أسرع وحده أو برفقة والده، أو أصدقائه إلى مالك ليعتذر بطريقة من الطرق، وذلك لكي يتجنّبوا المشاكل؛ ذهبوا خلف مالك الأشتر فرأوه قد دخل المسجد وراح يصلّي؛ تقدّموا منه ليعتذروا، فقال مالك: لقد أتيت إلى المسجد لكي أصلّي وأدعو الله ليصفح عن خطأ ذلك الشابّ! أنظروا هذه الشفقة، هذا الإحساس بالمسؤوليّة، هذا الحلم، هذه العظمة، وهذه الأخلاق. يجب علينا أنا وأنتم أن نتعلّم هذه الأمور.

كما أوصيكم وأؤكّد عليكم أن تنتبهوا لصلابة المعتقد والايمان والعمل وإلى عدم اهترائه؛ إنّنا في هذا المسير، حيثما نُواجه بالوساوس؛ وساوس المال، وساوس الشهوات، وساوس المنصب، وساوس الصداقة، نُصاب بالاهتراء، حاذروا كي لا تُصابوا بالاهتراء العقائدي، عليكم أن تؤثّروا في محيطكم، لا تدعوا المحيط يؤثّر فيكم إن كان سيّئاً.

علينا أن نجعل جميع الشرائح في تعبئتنا الوطنيّة الالهيّة الشعبيّة العظيمة هذه، محطّ اهتمامنا، إذ أوصيت بالبعض على وجه الخصوص، حيث بدا لي أنّهم لم يكونوا محطّ اهتمام وقد أوصيت القائد نقدي خاصّة - أن لا تكون شريحة أو جماعة مهملة. كما عليكم أن تبيّنوا الارتباط بين هذه الشرائح؛ أوجدوا مثل هذا الارتباط؛ قد يحدث وتكون التعبئة الجامعيّة مثلاً، لا تعرف شيئاً عن تعبئة الأطبّاء، أو عن تعبئة المهندسين، أو تعبئة الصناعيّين، لا؛ فليطّلعوا، قد يستفيدوا من بعضهم. ففي كلّ قسم من أقسام التعبئة المختلفة شرائح يمكنها المساعدة في أعمال الشرائح الأخرى، أن تساعدها في تطوّرها؛ بيّنوا هذه الأمور، وطبّقوها في مجموعاتكم.

أطلبوا الأعمال الكبرى من التعبئة؛ إنّ أعمالاً كبيرةً تتأتّى من كثير من أبناء شعبنا المستعدّين دوماً. على الحكومة أيضاً أن تساعد على هذا الأمر؛ على الأجهزة الحكوميّة في الأقسام المختلفة أن تساعد على تطوّر التعبئة وتنميتها. على مسؤولي الحكومة أيضاً أن يلتفتوا إلى هذه المشاكل الاقتصاديّة كما قلنا سابقاً، إنّ أساس الاقتصاد المقاوم هو عبارة عن تقوية الانتاج الداخلي وخفض نسبة الواردات التي هي إمّا غير ضروريّة أو مشابهة للمنتجات الوطنيّة وليطلبوا المساعدة من التعبئة؛ من خلال هذا الوضع، لا أشكّ أبداً أنّ المستقبل للشعب الإيراني؛ وكما قلت مراراً.

فلتهنأ روح إمامنا العزيز، ولتهنأ الأرواح المطهّرة لشهدائنا الأعزّاء، ونسال الله سبحانه أن يُلحقنا أيضاً بأولئك الشهداء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- قبل كلمة قائد الثورة، قدّم كلّ من الجنرال محمد علي جعفري (القائد العامّ لحرس الثورة الإسلاميّة) والعميد محمد رضا نقدي (رئيس منظّمة التعبئة العامّة للمستضعفين) تقريراً.
2- المجتمع التعبوي.
3- سورة المائدة، جزء من الآية 54
4- سورة الصفّ، الآية4
5- سورة النساء جزء من الآية 75
6- الكافي، ج2، ص163 (على اختلاف بسيط)
7- مناقب آل أبي طالب، ج1، ص 192
8- نهج البلاغة، الخطبة 27؛ والمعاهد هو غير المسلم الذي كان يعيش في كنف الإسلام؛ المسيحيّ، اليهودي.
9- تحف العقول، ص 356
10- أي أنّ انعدام البصيرة عند أولئك الذين يتحمّلون مسؤوليات أكبر وليدهم الدافع يؤدي إلى مخاطر أكبر.
11- الحضور يطلق شعارات مدوّية: "الموت لأمريكا"
12- في ثمانينات القرن الماضي عقب اجتياح العدو الاسرائيلي للبنان عام 1982.
13- من جملة أدعية شهر رمضان المبارك.
14- هو الشهيد القائد عبد الحسين برونسي.  وقد وصفه القائد بالأستاذ البناء؛ لأنه كان يعمل في بداية شبابه كعامل بناء، فقد التحق بركب الثورة وشارك بقوة وفعالية كبيرة حتى الانتصار في 79م، ثم مشاركته الفعالة في جبهات القتال حيث كان ملاذا وأبا لألاف التعبويين والمجاهدين حيث عشقه القلوب فقد بثّ فيها وروحيات الاخلاص والتقوى والتواضع والصمود وتحمل المسؤولية..
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أهمية كتاب يحكي سيرته الجهاديّة والشخصيّة؛ حيث طبع في إيران مئات المرات وأنتجت عنه أفلامًا سينمائية. وتُرجم الكتاب في بيروت وطُبع بعنوان "تراب كوشك الناعم"، إصدار جمعية المعارف الثقافية.
15- الشهيد مجيد شرياري، استشهد بتاريخ 29-11-2010 في هجوم إرهابيّ
16- هتافات مدوّية: الله أكبر، خامنئي رهبر
17- هتافات مدوية: الله اكبر، الموت لأمريكا..

2014-12-06