يتم التحميل...

منهج أهل البيت عليهم السلام

الإمام الخامنئي دام ظله

لقد نظر البعض إلى الأئمة عليهم السلام نظراتٍ خاطئة، ولم يقيِّمهم التقييم الصحيح، والواقعي، وهذا ما يتكلّم عنه سماحة القائد دام ظله، انطلاقاً من حديثه عن الإمام الصادق عليه السلام:

عدد الزوار: 46

نظرات خاطئة

لقد نظر البعض إلى الأئمة عليهم السلام نظراتٍ خاطئة، ولم يقيِّمهم التقييم الصحيح، والواقعي، وهذا ما يتكلّم عنه سماحة القائد دام ظله، انطلاقاً من حديثه عن الإمام الصادق عليه السلام:

"ثمّة نظرتان خاطئتان بشأن الإمام الصادق ناشئتان عن لونين من التفكير: ومن الغريب أنهما على اختلافهما تتقاربان في الشكل والمحتوى والمنشأ، بل يمكننا القول إن النظرتين تشتركان في بعض المحاور اشتراكاً تاماً.

النظرة الأولى: نظرة شيعة الإمام الصادق عليه السلام بالقول، لا بالعمل، وتتلخص بما يلي:

إن الإمام الصادق عليه السلام توفرت له ظروف لم تتوفر لإمام من قبله ولا من بعده، استطاع أن يستغلها لنشر أحكام الدين، وأن يفتح أبواب مجلسه لطلاب العلم، جلس في بيته، وفتح صدره للمراجعين، وتصدّى للتدريس ونشر المعارف، وارتوى منه كل من قصده من طلاب العلم وناشدي الحقيقة، اشترك في مجلس درسه أربعة آلاف تلميذ...

وتصدّى الإمام عليه السلام لمناقشة المنتمين إلى الأفكار الدخيلة، والرد على الزنادقة والماديين والملحدين، مباشرة أو عن طريق تلاميذه... ويقول أصحاب هذه النظرة أيضاً إن الإمام عليه السلام وحرصاً على استمرار هذا المشروع العلمي اضطر إلى عدم التدخل في السياسة، فلم يقدِم على أي عمل سياسي، بل وأكثر من ذلك فإنه سلك طريقاً يتماشى مع سياسة خلفاء زمانه لاسترضائهم، ولاستبعاد أية شبهة يمكن أن تحوم حول نشاطه. لذلك لم يجابههم، ومنع أيضاً أن يجابههم أحد. وقد تستلزم الظروف أن يذهب إليهم وينال جائزتهم وحظوتهم، وإن حدث أن أساء الحاكم به الظن نتيجة حدوث حركة ثورية أو تهمة لفّقها نمّام يتجه الإمام عليه السلام إلى استمالة الحاكم ومجاملته.

... هذه نظرة تصور الإمام عالماً، باحثاً، وأستاذاً كبيراً انتهل من بحر علمه أبو حنيفة ومالك ولكنه بعيداً كل البعد عن كل مقاومة لعدوان السلطة على الدين، وعن كل ما تتطلبه مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمام السلطان الجائر...

كان بعيداً كل البعد عن الثوار من أمثال: زيد بن علي ومحمد بن عبد اللَّه والحسين بن علي شهيد فخ، بل عن الجنود المقاتلين من هؤلاء الثوار، ولم يكن يبدي أي رد فعل تجاه ما يحل بالمجتمع الإسلامي، ولا يكترث بما كان يكتنزه المنصور من أموال طائلة، ولا بما كان يعاني منه أبناء رسول اللَّه في جبال طبرستان ومازندران، وفي رساتيق العراق وإيران من جوع، بحيث لا يجدون ما يسدون رمقهم... ولا يهتم بما كان يتعرض له أتباعه من قتل وتعذيب وتشريد وهم صفر اليدين من كل متاع يتنعم به الأفراد العاديون من أبناء المجتمع آنذاك!

هذه هي صورة الإمام الصادق عليه السلام كما يرسمها أصحاب النظرة الأولى" .

"النظرة الثانية: يحملها أولئك الذين لا يعترفون بإمامة الصادق، وهي نظرة متحاملة على الإمام ترى أنه عليه السلام وقف تجاه ما كان يحيق بالمجتمع من ظلم، موقف عدم اكتراث.

فالمجتمع في زمانه كان يضج بالمظالم الطبقية والطغيان السياسي والسيطرة المقيتة على أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم، وأكثر من ذلك على عقولهم ونفوسهم وتفكيرهم ومشاعرهم. حتى لم تعد الأمة تتمتع بأبسط الحقوق الإنسانية، بما في ذلك القدرة على الانتخاب. مقابل هذا كان الطواغيت يتلاعبون بمقدرات الناس كيفما شاؤوا، ويبنون القصور الفارهة، مثل قصر الحمراء جوار آلاف الخرائب التي يعيش فيها البؤساء من عامة الشعب.

في مثل هذا المجتمع الملي‏ء بألوان التعسف والاضطهاد يتجه الصادق إلى البحث والدراسة وتربية الطلبة، ويصب اهتمامه على تخريج الفقهاء والمتكلمين!".

هذه النظرة التي تتلاقى مع نظرة المستشرقين ودورهم في تشويه صورة الأئمة عليهم السلام؛ هؤلاء المستشرقون الذين جاؤوا لدراسة وتحقيق الدين والتاريخ الإسلامي، ولكن في الحقيقة جاؤوا ليكيدوا للإسلام قصداً عن سابق علم واختيار، أو عن غير قصد؛ حيث إنهم سطحيون في بحثهم، ومتسرعون في حكمهم.

يقول القائد دام ظله:

"... والنظرة الثانية أيضاً واهية بالدرجة نفسها وغير علمية. إنها تشبه أحكام المستشرقين المنطلقة من غرض أو جهل، ومن روح مادية محضة لا تنسجم إطلاقاً مع طبيعة الأحداث الإسلامية.

ولقد شاهدنا تلك الأحكام الفجّة التافهة التي تصدر عن بعض المستشرقين تجاه الإسلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام، كقول أحدهم عن الإمام الحسن المجتبى أنه باع الخلافة بالمال! وقضى عمره بين العطر والمرأة والترف!

وقول مستشرق آخر: إن الإسلام نقل المجتمع من مرحلة الرقيّة إلى مرحلة الإقطاع!

والنظرة الثانية التي نتحدث عنها تشترك مع أقوال هؤلاء المستشرقين في السطحية والتسرع والمنطق المادي...".

النظرة الصحيحة

يقول القائد دام ظله:

"... النظرية الثالثة (الواقعية): والآن نبدأ بالنظرة الثالثة بشأن الإمام الصادق عليه السلام وهي نظرة يمكن أن يستنبطها كل ثاقب نظر بالرجوع إلى المصادر والمراجع. وهذا الاستنباط لا يختص بحياة الإمام الصادق عليه السلام وحده، بل يشمل كل أئمة أهل البيت عليهم السلام، مع الفارق في خصائص عمل كل منهم حسب ما تقتضيه ظروف الزمان والمكان، وهذا الاختلاف في الخصائص لا يتنافى مع وحدة روح العمل المشترك وحقيقته ومع وحدة الهدف والمسير.

من أجل أن نفهم طبيعة المسيرة العامة لحياة الأئمة عليهم السلام، علينا أولاً أن نبين فلسفة الإمامة...".

إن النظرة الصحيحة إلى الأئمة تعرف من خلال معرفة فلسفة الإمامة ومعنى الإمامة ومن ثم المنهج العام للأئمة عليهم السلام.

فلسفة الإمامة - امتداد للنبوة

يقول سماحة القائد دام ظله:

"... من أجل أن نفهم طبيعة المسيرة العامة لحياة الأئمة (من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام) علينا أولاً أن نتبين فلسفة الإمامة. التيار الذي عرف في مدرسة أهل البيت عليهم السلام باسم الإمامة، والذي تتكون عناصره الأصلية من أحد عشر شخصاً توالوا خلال قرنين ونصف القرن تقريباً، إنما هو في الواقع امتداد للنبوة.

فالنبي يبعثه اللَّه سبحانه بمنهج جديد للحياة، وبعقيدة جديدة، وبمشروع جديد للعلاقات البشرية، وبرسالة إلى الإنسانية. ويطوي حياته في جهاد مستمر، وجهد متواصل، ليؤدي مهمّة الرسالة الملقاة على عاتقه قدر ما يسمح له عمره المحدود.

وعملية الدعوة يجب أن تستمر بعده؛ كي تبلغ الرسالة أعلى الدرجات المتوخاة في تحقيق الأهداف.

ويجب أن يحمل أعباء المواصلة من هو أقرب الناس إلى صاحب الرسالة في جميع الأبعاد، كي يبلغ بالأمانة إلى محطة آمنة وقاعدة رصينة ثابتة مستمرة.

هؤلاء هم الأئمة وأوصياء النبي، وكل الأنبياء العظام وأصحاب الرسالات كان لهم أوصياء وخلفاء.

ومن أجل أن نعرف مهمة الإمام عليه السلام، لا بد أن نعرف مهمة النبي‏ صلى الله عليه وآله وسلم. والمهمّة يبينّها القرآن الكريم إذ يقول:

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ1.

هذه إحدى الآيات التي تبين علّة النبوة، وتبين من جهة أخرى مهمة الأنبياء.

فالأنبياء قد بعثوا لبناء مجتمع جديد، ولاقتلاع جذور الفساد، ولإعلان ثورة على جاهلية زمانهم، وتخليص مجتمعاتهم.

وعملية التغيير هذه يعبّر عنها الإمام علي عليه السلام في مطلع استلام مهام حكومته بقوله:

"... حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم..."2.

"... إلا أن أقيم حقاً وأدفع باطلاً"3.

إنها عملية صناعة مجتمع على أساس التوحيد والعدل الاجتماعي وتكريم الإنسان، وتحريره، وتحقيق المساواة الحقوقية والقانونية بين المجموعات والأفراد، ورفض الاستغلال والاستبداد والاحتكار، وإفساح المجال للطاقات والكفاءات الإنسانية، وتشجيع التعلّم والتعليم والفكر والتفكير...

إنها عملية إقامة مجتمع تنمو فيه كل عوامل سمو الإنسان في جميع الأبعاد الأساسية، وتدفع الكائن البشري فيه باتجاه مسيرته التكاملية على ساحة التاريخ.

هذه هي المهمة التي بعث اللَّه الأنبياء من أجلها، ونستنتج من ذلك أن الإمامة، باعتبارها امتداداً لمهام النبوّة تتحمَّل نفس هذه الأعباء... هدف الإمامة هو نفس هدف النبوة، والطريق هو الطريق، أي إيجاد مجتمع إسلامي عادل، والسعي لصيانة مسيرته الصحيحة".

معنى الإمامة

ينطلق سماحة القائد للحديث عن معنى الإمامة من خلال حديثه عن الإمام السجاد عليه السلام، فيقول دام ظله:

"... انظروا مثلاً كيف يستفيد الإمام السجاد عليه السلام من أسلوبه الجذاب، حيث يقول:

"ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده".

إلى أن يقول الإمام عليه السلام:

"وعن إمامك الذي كنت تتولاه"4.

هو هنا يطرح موضوع الإمامة، وقضية الإمامة عند الأئمة تعني قضية الحكومة أيضاً، إذ لا يوجد فرق بين الولاية والإمامة على لسان الأئمة عليهم السلام. وإن كان للولي والإمام معانٍ مختلفة عند البعض ولكن هاتين القضيتين، الولاية والإمامة، على لسان الأئمة أمر واحد، وكلمة الإمام المقصودة هنا تعني ذلك الإنسان المتكفّل بإرشاد الناس وهدايتهم من الناحية الدينية، وأيضاً المتكفّل بإدارة أمور حياتهم من الناحية الدنيوية، أي خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الناس في إيران وفي الفترة السابقة لعهد الإمام الخميني قدس سره لم يكونوا يعرفون المعنى الحقيقي للإمام ولكن الشعب اليوم أصبح يفهم معناه جيداً، فنحن نقول إن الإمام هو قائد المجتمع، أي ذلك الإنسان الذي نتعلّم منه ديننا وتكون بيده أيضاً إدارة دنيانا بحيث تكون إطاعته في أمور الدين وأمور الدنيا واجبة علينا. ولحسن الحظ أن هذا المعنى (للإمام) قد ركز في أذهان الناس بعد الثورة.

في عالم التشيع تعرضت هذه القضية (دور الإمام) إلى فهم خاطئ‏ ، ففي السابق كان الناس يتصورون أن الإمام يتفرد بحكم المجتمع، وهو الذي ينبغي أن يدير أمور الحياة بيده وبجهده الذاتي، فيحارب ويصالح ويعمل وينفذ كل طلب بنفسه، فهو يأمر الناس وينهاهم من جهة وفي نفس الوقت هو الذي ينفّذ هذه الأمور وحده لإصلاح دينهم!

واليوم أيضاً تعرّضت هذه القضية للفهم الخاطئ‏ بحيث أصبحنا نعتبر أن الإمام في عصر الغيبة ليس إلا عالماً دينياً، وهذا بالطبع تصور خاطئ، لفظة الإمام تعني المتقدم والقائد. فالإمام الصادق‏عليه السلام عندما كان يخاطب الناس في منى وعرفات بقوله:

"أيها الناس إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان الإمام"5.

كان يشير إلى أن الإمام هو ذلك الإنسان الذي يتولى أمور الناس الدينية والدنيوية.

في المجتمع الإسلامي أيام حكم عبد الملك بن مروان وفي عصر الإمام السجاد عليه السلام كان هذا المعنى يفهم بشكل خاطئ، لأن إمامة المجتمع وهي إدارة شؤون حياة الناس، قد سلبت من أهلها وأعطيت إلى من لا أهلية لهم بها حيث كانوا يلقبون أنفسهم بالأئمة ويعرفهم الناس بذلك.

فالناس كانوا يُطلقون لقب الإمام على عبد الملك ومن قبله أبيه وقبلهما يزيد وغيره، وقد قبلوهم على أساس أنهم قادة المجتمع وحكام الناس.

وهكذا عندما كان الإمام السجاد عليه السلام يقول إنك لتسأل عن إمامك في القبر، كان يشير بذلك إلى أنك هل انتخبت الإمام المناسب والصحيح؟ وهل أن ذلك الشخص الذي يحكمك، ويقود المجتمع الذي تعيش فيه هو حقاً إمام؟ وهل هو ممن رضي اللَّه عنه؟ لقد كان الإمام‏ عليه السلام بهذا الكلام يوقظ الناس ليجعل هذه القضية في نفوسهم حساسة...".

فهدف الأئمة عليهم السلام هو هدف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو تشكيل الحكومة الإسلامية، كما يؤكِّد هذا المعنى الإمام القائد:

"... إذن فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم نهض من أجل تأسيس حكومة حقّة حيث بُني النظام الإسلامي وتأسس آنذاك نتيجة نضال وجهاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن بعدها جاهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً من أجل الحفاظ على هذا النظام واستمراره، ولا يُعقل أن يغفل الإمام الذي يأتي من أجل متابعة مسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن مثل هذا الموضوع المهم...".

المنهج العام للأئمة عليهم السلام

يقول القائد الخامنئي دام ظله:

"... كان أئمة الشيعة عليهم السلام يتجهون كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم نحو هذا الهدف نفسه، نحو إقامة نظام عادل إسلامي بنفس الخصائص وعلى نفس المسير. وفي حالة قيام هذا النظام تتجه الجهود نحو صيانة مسيرته واستمرارها.

ما الذي تتطلبه إقامة نظام اجتماعي أو مواصلة مسيرة هذا النظام؟

تتطلب أولاً أيديولوجية موجّهة وهادية ينبثق عنها ذلك النظام وتصوغه بصياغتها، ثم تحتاج ثانياً إلى قوة تنفيذية تستطيع أن تشق الطريق وسط الصعاب والمشاكل والعقبات نحو تحقيق الهدف.

نعرف أن أيديولوجية الأئمة هي الإسلام، والإسلام رسالة البشرية الخالدة، رسالة تحمل في مضمونها عناصر بقائها وخلودها.

وبملاحظة هذه الأمور، نستطيع بسهولة أن نفهم المنهج العام لأئمة أهل البيت عليهم السلام وأوصياء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، هذا المنهج ذو جانبين متلازمين: الأول يرتبط بالعقيدة، والثاني بتوفير القدرة التنفيذية والاجتماعية.

ففي الجانب الأول: تتجه جهودهم وهممهم إلى نشر مفاهيم الرسالة وبلورتها وترسيخها، والكشف عن الانحرافات التي تصدر عن المغرضين والمنحرفين، وبيان الأطروحة الإسلامية لما يستجد من أمور، وإحياء ما اندثر من معالم الرسالة بسبب اصطدامها مع مصالح ذوي القدرة والنفوذ، وتوضيح ما خفي على الأذهان العادية من كتاب اللَّه وسنّة نبيه.

فمهمّة الجانب الأول تتلخص إذن بصيانة الرسالة الإسلامية حيّة بناءة متحركة على مرِّ الأجيال.

وفي الجانب الثاني:
كانوا يسعون، وفقاً لما تقتضيه الظروف السياسية والاجتماعية والعالمية في المجتمع الإسلامي، إلى إعداد المقدمات اللازمة لاستلام زمام قيادة الحكم في المجتمع بأنفسهم بشكل عاجل، أو التمهيد لكي يستلمها على المدى البعيد من يواصل مسيرتهم في المستقبل.

هذا موجز هدف حياة الأئمة الأطهار عليهم السلام، وهذه هي الخطوط العامة لأهدافهم، من أجلها عاشوا، ومن أجلها استشهدوا".

من أهدافهم الحكومة الإسلامية

إن كثيراً من الناس يظن ظنّاً خاطئاً، أن الأئمة عليهم السلام هم ممَّن تركوا الدنيا وزهدوا بها وبمشاكلها، بحيث يلجأون إلى صومعتهم ليتعبّدوا للَّه تعالى، ويدعوه، غير آبهين بالمجتمع وما يحصل فيه؛ ولا يهمُّهم إلا إلقاء العلم الإسلامي؛ أما تطبيق هذا العلم في الواقع؛ بحيث يؤدي إلى تشكيل حكومة إسلامية؛ فهذا لم يسعوا إليه.

السيد القائد دام ظله يتحدَّث عن هذا الموضوع ويؤكِّد أن أهداف الأئمة أبعد من هذا النظر الضيِّق، يقول سماحته:

"... ماذا نقصد عندما ننسب المواجهة السياسية أو النضال السياسي للأئمة عليهم السلام؟

إن المقصود من هذا الكلام أن جهاد الأئمة لم يكن جهاداً علمياً من قبيل النزاعات التي تدور بين الكلاميين والتي نشاهدها عبر التاريخ، مثل النزاع بين المعتزلة والأشاعرة وغيرهم. فلم يكن هدف الأئمة عليهم السلام من اجتماعاتهم العلمية وحلقات دروسهم وأحاديثهم نقل المعارف الإسلامية والأحكام فقط حتى يثبتوا مدرستهم الكلامية الفقيهة، بل كان هدفهم يفوق هذا.

... إن مواجهة الأئمة عليهم السلام كانت مواجهة ذات هدف سياسي؛ فما هو هذا الهدف إذن؟

الهدف هو عبارة عن تشكيل حكومة إسلامية، وبحسب تعبيرنا حكومة علوية. فكان سعي الأئمة عليهم السلام ومنذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحتى عام 260ه هو إيجاد وتأسيس حكومة إلهية في المجتمع. ولا نستطيع أن نقول إن كل إمام كان بصدد تأسيس حكومة في زمانه وعصره، ولكن هدف كل إمام كان يتضمن تأسيس حكومة إسلامية مستقبلية، وقد يكون المستقبل البعيد أو القريب...

إذن هدف تأسيس الحكومة كان دائماً نصب أعين الأئمة عليهم السلام. لكن الزمن المنشود لتأسيسها وقيامها يختلف من إمام إلى آخر.

إن كل الأعمال التي كان يقوم بها الأئمة عليهم السلام، بغض النظر عن الأمور المعنوية والروحية التي تهدف إلى تكامل ورقي النفس الإنسانية وقربها إلى اللَّه تعالى، كانت أعمالاً تهدف إلى تأسيس هذه الحكومة الإسلامية، فنشاطاتهم في نشر العلم والمناظرات التي كانوا يقومون بها ضد خصومهم في العلم والسياسة ومواقفهم إلى جانب جماعة ووقوفهم في وجه أخرى كلها في هذا المجال، وهو تأسيس الحكومة الإسلامية".

* خطوط عامة من سيرة الأئمة عليهم السلام، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- الحديد:25.
2- نهج البلاغة، الخطبة 16.
3- نهج البلاغة، ج‏1، من خطبة له عليه السلام عند خروجه لحرب أهل البصرة.
4- الكافي، ج‏8، ص‏73.
5- الكافي، ج‏4، ص‏466.

2015-03-23