يتم التحميل...

القرآن والشريعة

نهج البلاغة

كتاب ربّكم فيكم مبيّنا حلاله وحرامه وفرائضه وفضائله وناسخه ومنسوخه. ورخصه وعزائمه. وخاصّه وعامّه. وعبره وأمثاله. ومرسله ومحدوده. ومحكمه ومتشابهه. مفسّرا مجمله ومبيّنا غوامضه. بين مأخوذ ميثاق في علمه وموسّع على العباد في جهله.

عدد الزوار: 22


(كتاب ربّكم فيكم مبيّنا حلاله وحرامه وفرائضه وفضائله وناسخه ومنسوخه. ورخصه وعزائمه. وخاصّه وعامّه. وعبره وأمثاله. ومرسله ومحدوده. ومحكمه ومتشابهه. مفسّرا مجمله ومبيّنا غوامضه. بين مأخوذ ميثاق في علمه وموسّع على العباد في جهله. وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السّنّة نسخه، وواجب في السّنّة أخذه، ومرخّص في الكتاب تركه. وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه. وبين مقبول في أدناه موسّع في أقصاه).

الفرائض

جمع فريضة، وهي ما يجب فعله، ولا يجوز تركه. والنسخ: الإزالة. والرخصة: اليسر. والعزيمة هنا: الفريضة. والمرسل: المطلق.
والمحدود: المقيد. والمحكم: الواضح. والمتشابه: المشكل والغامض. والسنة لغة: الطريقة، وشرعا: قول المعصوم أو فعله أو تقريره.

أحكام الشريعة الاسلامية

على نوعين: اعتقادية، وموضوعها القلب، وعملية، وموضوعها فعل الانسان الصادر عنه بإرادته واختياره، وهدفها - على الاجمال - إصلاح الفرد والمجتمع، ومصدرها الوحي والعقل.. والقرآن وحي من السماء، ومثله سنة الرسول لقوله تعالى: * ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه وما نَهاكُمْ عَنْه فَانْتَهُوا * - 7 الحشر. وقد صنف الإمام (ع) الكثير مما جاء في كتاب اللَّه، ومنها الأحكام العملية، وفيما يلي البيان:

1 - (مبينا حلاله وحرامه). والحرام كالظلم والزنا، والحلال كالزينة والطيبات، وكل ما فيه خير وصلاح فهو حلال، وكل ما فيه شر وفساد فهو حرام.

2 - (وفرائضه وفضائله). الفرائض الواجبات كالصوم والصلاة، والفضائل المستحبات كالبر والاحسان.

3 - (وناسخه ومنسوخه). النسخ في الأحكام الشرعية هو عبارة عن إنشاء الحكم بصيغة الدوام والاستمرار، وبعد العمل به بعض الحين يصدر حكم آخر على عكسه، والأول يسمى منسوخا، والثاني ناسخا، وهذا النسخ صوري لا واقعي، لأن الحكم الأول دائم ومستمر في ظاهره، ومحدود بأمد معين في واقعه، ولكن الحكمة الإلهية استدعت إظهاره بمظهر الدوام والاستمرار، تماما كما لو رأى الطبيب أن من مصلحة المريض الامتناع عن أكل اللحم أسبوعا واحدا، وأيضا رأى من مصلحته أن لا يعلمه بتحديد الوقت، فنهاه عن اللحم من غير قيد على هذا الأساس، وبعد مضي الأسبوع أذن له أن يأكل اللحم.. وعليه ينحصر معنى النسخ في محو ما ظهر من إرادة الدوام، لا محو الإرادة الواقعية الذي يستلزم البداء والجهل.

4 - (ورخصه وعزائمه). الرخصة لغة اليسر والتخفيف، وشرعا الإذن للمكلف بفعل ما كان ممنوعا عنه، الإذن له بذلك لسبب موجب كالإذن للمضطر بالأكل من الميتة: * ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْه * - 173 البقرة.

أما المباح في الأصل فلا يسمى رخصة. والعزيمة لغة القصد المؤكد، وشرعا الإلزام بإيجاب من اللَّه سبحانه.

5 - (وخاصه وعامه). العام يشمل أفراد الموضوع بكاملها مثل * ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ * - 21 الطور.

والخاص لا يشمل إلا بعض الأفراد مثل * ﴿ولأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ * - 50 آل عمران.

6 - (وعبره وأمثاله). والمراد بعبر القرآن الآيات التي أخبرت عما أصاب أهل الفساد والضلال، وحذرت من بأس اللَّه وعذابه. والأمثال ما يضرب للتقريب إلى الأذهان كقوله تعالى: * ﴿مَثَلُ نُورِه كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ * - 35 النور.

أو للترغيب: * ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ * - 261 البقرة. أو للعبرة والعظة: * ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ الله كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وبِئْسَ الْقَرار * - 29 إبراهيم، وغير ذلك.

7 - (ومرسله ومحدوده). المرسل غير المقيد مثل: * ﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ * - 89 المائدة. والمحدود المقيد * ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَة * - 92 النساء.

وتجدر الإشارة إلى أن الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، كل ذلك يدخل في مباحث علم أصول الفقه، وما كان لهذا العلم عين ولا أثر في ذلك العهد، وعليه يكون الإمام (ع) أول من أشار إلى بعض أبوابه ومباحثه.

8 - (ومحكمه ومتشابهه مفسرا مجمله ومبينا غوامضه). في القرآن آيات واضحة الدلالة مثل «وتوبوا إلى اللَّه » وتسمى محكمة، ومنها ما يحتاج إلى بيان من أهل العلم مثل « ثم استوى على العرش » ويسمى متشابها، والنبي وأهل بيته (ص) هم المرجع في تفسيره وبيانه، وأهل البيت أدرى بالذي فيه.

9 - (بين مأخوذ ميثاق علمه، وموسع على العباد في جهله). أشرنا قبل قليل إلى أن أحكام الاسلام منها اعتقادية، ومنها عملية، ولا عذر لمن يجهل الأصول الأولى من الأحكام الاعتقادية، ولا يؤمن بها، كالايمان باللَّه ورسوله واليوم الآخر، ويعذر في أشياء أخر كالعلم بأن صفات اللَّه عين ذاته أو غيرها. أما الأحكام العملية فيجب على المكلف أن يعرف حكم كل فعل يمارسه ويصدر عنه، عبادة كان أو غيرها حتى المأكول والمشروب.

10 - (وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السنة نسخه). اتفقوا على أن الكتاب ينسخ بالسنة المتواترة، واختلفوا في نسخه بالخبر الواحد، فذهب الأكثر إلى عدم الجواز، بل نقل عليه الإجماع.

11 - (وواجب في السنة أخذه، ومرخص في الكتاب تركه). كما ينسخ الكتاب بالسنة كذلك تنسخ السنة بالكتاب، والمراد بالسنة قول المعصوم أو فعله أو تقريره، وقد ثبت باليقين ان النبي (ص) كان يصلي أول الأمر لجهة المسجد الأقصى، فحوله القرآن إلى المسجد الحرام: * ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ * - 144 البقرة.

12 - (وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله). ينقسم الواجب بالنظر إلى الوقت إلى مضيّق وموسع، والمضيق هو الذي يجب في وقت معين، ويذهب بذهابه، ولا يجب قضاؤه إلا بدليل، كصوم شهر رمضان.. يجب في هذا الشهر دون غيره، والموسع لا يختص بوقت كصلاة الآيات - ما عدا الكسوفين - حيث تجب المبادرة إليها عند حدوثها، ومن أخّر يأتي بها مدة حياته، وقد يكون الواجب الواحد موسعا من جهة ومضيقا من جهة ثانية، كصلاة الظهر، فإنها موسعة بالنسبة إلى مجموع الوقت، ومضيقة بالنسبة إلى آخره، ولم يشر الإمام إلى الموسع.

13 - (ومباين بين محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه). يشير إلى أن الذنوب منها كبار، ومنها صغار كما جاء في الكتاب العزيز * ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ والْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَم * - 32 النجم. واللمم الصغائر، ويومئ قول الإمام إلى تحديد الذنب الكبير بأنه الذي توعّد عليه سبحانه، وهدد أصحابه بالنار، وما عداه فصغير، وقد أعد اللَّه له الغفران، وفي هذا المعنى روايات عن أهل البيت (ع). وقال صاحب الجواهر: لا شك ان الصغائر لا ينفك عنها الانسان.. وان فعل الطاعات واجتناب الكبائر تكفير لارتكاب الصغائر.. وإذن فلا حاجة إلى التوبة منها.. نعم لا ينبغي ترك العزم على الاصرار، لحديث « لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار ». وهذا الخبر يشعر بأنه لا حاجة للصغيرة إلى الاستغفار مع عدم الإصرار.

14 - (وبين مقبول في أدناه، موسع في أقصاه). مثل قوله تعالى: * ﴿فَكَفَّارَتُه * - أي حنث اليمين - * ﴿إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ * - 89 المائدة. فأدنى أفراد هذه الكفارة الاطعام، وأقصاها تحرير الرقبة، وليس من شك ان في قبول الأدنى توسعة على العباد1.
 


1  في ظلال نهج البلاغة / العلامة محمد جواد مغنية /1/63_65.

2015-10-06