يتم التحميل...

العلاقات الإنسانية في العمل

أحكام المدير والعامل

عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللهم إني أعوذ بك من.. سوء الولاية لمن تحت أيدينا"1،هناك نقطتان أساسيتان في علاقة الرئيس بالمرؤوس لا بد أن يلتفت إليها الرئيس، هما:

عدد الزوار: 25

علاقة الرئيس مع المرؤوس
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللهم إني أعوذ بك من.. سوء الولاية لمن تحت أيدينا"1،هناك نقطتان أساسيتان في علاقة الرئيس بالمرؤوس لا بد أن يلتفت إليها الرئيس، هما:

أولا: إن كون المرؤوس يعمل في أمرتك فهذا لا يعني أنك أفضل منه على المستوى المعنوي بل لعله خير منك عند الله سبحانه وتعالى، ولعلك تحتاج لشفاعته في الآخرة، بسبب كماله ونقصك.

ثانيا: أنت رئيسه لتنظيم العمل فقط ولست رئيسة بشكل مطلق، فليس من صلاحيتك استخدامه في الأمور الشخصية مطلق، بل حتى في الأمور غير الشخصية ما دامت خارجة عن اطار العمل ومسؤوليتك التي تتصدى لها تنظيما.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إن عملك ليس لك بطعمة ولكنه في عنقك أمانة وأنت مسترعى لمن فوقك ليسر لك أن تفتات في رعية"2 إن أي استخدام شخصي له هو استخدام بغير حق ومحرم إذا كان بنحو الأمر والإلزام، بل احذر حتى من استخدامه بأسلوب الاستحياء، فإن المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا.

وقد ورد في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فلا يستتبعن ولده، فإنه إن فعل ذلك كان حراما ودخل غاصب"3 فلاحظ كيف أن الحياء غصب في الحقيقة.

أخي،

يا من تتولى الرئاسة، إحذر فإن الرئاسة امتحان صعب يفشل أمامه الكثيرون، لا يبقى إلا أولياء الله المخلصون الذين لم تزلزلهم زخارف الدنيا وكثرة خفق النعال خلفهم، ولتكن مسؤوليتك طريق لكسب رضا الباري ونيل الدرجات العلى، لا للسقوط في الدنيا واستصغار المؤمنين والعياذ بالله !

وتذكر وصية أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر رضوان الله عليه: "ولا تقولن إني مؤمّر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال4 في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الغيّر وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك ابهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطامن5 إليك من طماحك6 ويكف عنك من غربك7 ويفيء8 إليك بما عزب9 عنك من عقلك"10.

ما هي مهمة الرئيس
إن لسلوك الرؤساء ونشاطهم وأساليبهم في التعاطي مع المرؤوسين أثرا أساسيا في العمل ينعكس بظلاله على فعالية الجهاز والمؤسسة كله، فالرئيس يتحمل مسؤولية كبيرة في حث المرؤوسين على العمل وتفعيل طاقاتهم الكامنة، وتنسيق جهودهم وإيصالهم إلى مرحلة قطف الثمار بأقصر طريق وأقل كلفة على المستوى المادي والمعنوي. ضمن الأجواء التي يرضاها الله تعالى والتي رسمها لهم الإسلام العزيز، من هنا ينبغي على الرؤساء في أسلوبهم مع المرؤوسين أن لا ينسوا الإسلام والمفاهيم الإسلامية الأصلية والصحيحة، ومن هنا عليهم التحلي بالصفات التالية:

1- القدوة

فالمطلوب من الرئيس أن يكون قدوة لمرؤوسيه، يتقدم أمامهم ويقدم لهم النموذج العملي ليشكل أسوة لهم يضعونها بين أعينهم لتنفيذ المخططات بروحية عالية وبأسلوب واضح، يقول الإمام الخامنئي حفظه الله: "يجب على القادة أن يكونوا في جميع تصرفاتهم لائقين وقدوة للآخرين، فيعلموا بعملهم النظام والتقوى"11 فلا تنه المرؤوسين عن قبيح وتأتي مثله، ولا تطلب منهم أمرا حسنا قبل أن تلتزم به بنفسك، لا تيمز نفسك عنهم إلا بكثرة الخدمة والإيثار والجد... فهذا ما يجب أن تسابقهم إليه.

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويرجىء التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع وإن منع منها لم يقنع... ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ويبغض المذنبين وهو أحدهم"12.

ويقول عليه السلام: "من نصب نفسه للناس إماما أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، ولكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه"13.
وهذه الطريقة هي الطريقة المؤثرة التي تبعث الحيوية في المرؤوسين، والاكتفاء بالتوجيهات اللفظية سيفقد العمل حيويته وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر"14.

المساندة المعنوية
إن الاستخفاف بالأخوة العاملين والاستهانة بهم والاستهزاء بأعمالهم واستصغارها والبحث عن الثغرات لتعييب العامل لا للإصلاح والمساندة، كل ذلك من الأمراض الخطيرة التي يجب أن يتفاداها الرئيس يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لا ينفع عبدا وإن أجهد نفسه وأخلص فعله أن يخرج من الدنيا لاقيا ربه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها:... يعرّ بأمر فعله غيره"15.

عدم العجب والمن
" وإياك والمن على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن لمن يبطل الإحسان والتزيد يذهب بنور الحق والخلف يوجب المقت عند الله والناس، وقال الله تعالى ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ16.

ولم يكتف الإمام عليه السلام بالمنع عن المن والتزّيد التي هي ممارسات وأفعال بل ذهب إلى النوايا التي تبقى داخل الإنسان أيضا ولفت إلى خطورة حتى الشعور والإحساس بمثل ذلك، يقول عليه السلام:"إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن"17.

إثابة المحسن
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ثم اعرف لكل امرىء منهم ما أبلى، ولا تضيفنّ بلاء امرىء إلى غيره، ولا تقصرنّ به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرىء إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغير، ولا ضعه امرىء إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما"18.

إن إثابة المحسن لها أثرها الكبير من حماس العامل ومبادرته بأعلى طاقة يملكها لسد الفراغات، هذه الإثابة التي تشعره بأن عمله هو بعين المؤمنين كما كان بعين الله تعالى ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..19، يقول الإمام الخامنئي حفظه الله: "من الأصول التي يجب على القادة أن يهتموا بها أصل رعاية الضوابط والمعايير داخل المؤسسة العسكرية، وأعني بذلك مسألة الترغيب والترهيب، فعليكم أن تمارسوا هذه المهمة بجدية"20، فالترغيب هو مهمة وتكليف بالنسبة لرئيس عليه أن ينفذه في حق المرؤوس، لأن الإنسان روح ذات مشاعر وأحاسيس وليست آلة صماء، ولا بد من رعاية هذه الجوانب الإنسانية من خلال التشجيع والثواب الذي يستشعره معنويا ويحثه على العطاء أكثر.

معاقبة المسيء
بالإضافة إلى الثواب هناك العقاب الذي ينبغي أن لا نغفله أيضا لضبط الأداء والمحافظة على النظام وعدم حصول الفوضى والتهاون.
وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تمنعنكم رعاية الحق لأحد عن إقامة الحق عليه"21، وهذا أمر مارسه عليه السلام في أيام حكومته، يقول الإمام الخامنئي حفظه الله في خطابه لقوات حرس الثورة:"... أمير المؤمنين عليه السلام عاقب ذلك الرجل الذي لم نطع أمره.... وأنتم عليكم أن تفعلوا كذلك، فلا تقولوا أن فلانا رجل حسن وجيد لهذا ينبغي أن لا نعاقبه على عمله السيىء الذي ارتكبه، وإذا لم تقوموا بهذا الأمر فسيقضي الحرس على نفسه بنفسه"22.

نعم إن التغاضي عن المخالفات خصوصا الكبيرة منها سيكون لها تأثير سلبي جدا على العمل، يقول الإمام الخامنئي حفظه الله: "أيها القادة، إذا لم تواجهوا الأخطاء والمخالفات داخل الوحدة التي تتولونها فستنكسر هذه الوحدة وتتلاشى"23.

وهذا التصرف ليس غريبا عن الإسلام بل هو يعبر عن الإسلام العملي الذي يعيش الواقع ويشرّع ليصلح شؤون الأمة، يقول الإمام الخامنئي حفظه الله: "عندما يأمر القائد أحد عناصره بالذهاب لملء دلو بالماء تحت دوي القذائف التي يطلقها العدو، ويقول له يجب عليك أن تذهب وتعود راكضا ولا يحق لك أن تستريح إذا تعبت وسط الطريق. وإذا فعلت ذلك سأعاقبك، فإذا فعل القائد ذلك فلا إشكال، فهذا النوع من النظام الشديد والانضباط الخشن يمكن استخداخه، وليس فيه تصرف طاغوتي، وهو أمر إسلامي تمام"24.

منع الإهانة
لكن كل ما ذكرناه من موضوع العقاب لا يعني سقوط حرمة المؤمن وإهانته، بل يجب مراعات عدم الإهانة، والمحافظة على الجو الإسلامي الصحيح حتى في العمل العسكري وضمن التشكيلات العسكرية، يقول الإمام الخامنئي حفظه الله: "في القوات المسلحة يجب قلع الإهانة، فالإهانة ممنوعة من أي شخص وضد أي شخص والذي يفعل ذلك يحاسب، وهذا لا يتعارض مع مطالبة شخص منه خطأ لكن يجب أن يكون بعبارات مناسبة"25.

وكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك فإن ذلك أوجب للحجة وأصلح للرعية"26.

التسامح
الكلام عن معاقبة المسيء لا يعني أن تتحول طبيعة العمل إلى مجموعة قوانين عقابية وأن تصبح القسوة هي الحاكمة في التعاطي مع المرؤوسين، بل ينبغي بقاء مساحة للتسامح واللين ولا توصل إلى الفوضى ولكنها في نفس الوقت لا تلغي الليونة والفرصة الجديدة...

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله، من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم"27.

أحكام
يجب على أصحاب العمل الالتزام بجميع التعهدات المتعلقة بحقوق العمال والموظفين وفقا للضوابط والمقررات القانونية ويحق للعمال المطالبة بحقوقهم القانونية.

استفتاءات
س- ما هو الحكم فيما لو امتنع أصحاب المؤسسات والشركات الخاصة عن دفع بعض المخصصات المالية والمزايا للعاملين المشمولين لقانون العمل الذي تم تصويبه من قبل مجلس الشورى الإسلامي وصادقه مجلس صيانة الدستور؟
ج:
يجب على أصحاب العمل الالتزام بجميع التعهدات المتعلقة بحقوق العمال والموظفين وفقا للضوابط والمقررات القانونية ويحق للعمال المطالبة بحقوقهم القانونية28.

* احكام المدير والعامل، سلسلة الفقه الموضوعي ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- الصحيفة السجادية ص 57
2- نهج البلاغة ج 3 ص6، من كتاب له إلى الأشعث بن قيس
3- الكافي ج6 ص 27
4- الإدغال: إدخال الفساد
5- يطامن الشيء: يخفض منه
6- الطماح: النشوز والجماح
7- الغرب: الحدة
8- يفيء: يرجع
9- عزب: غاب
10- من عهده عليه السلام لمالك الأشتر عندما ولاه مصر.
11- جمهوري اسلامي 70/6/26.
12- نهج البلاغة الحكمة 142
13- نهج البلاغة الحكمة 70
14- نهج البلاغة الحكمة 330
15- نهج البلاغة الخطبة 152
16- نهج البلاغة رسالة53، الصف:3
17- نهج البلاغة رسالة 53
18- تهج البلاغة الرسالة 53
19- التوبة:105
20- جمهوري إسلامي 5/8/70
21- ميزان الحكمة ج1صفحة 659
22- نفس المصدر
23- جمهوري اسلامي 5/8/70
24- بيام انقلاب عدد 112 ص 54
25- ضميمة رويدادها عدد 325
26- الأمالي للشيخ المفيد ص 269
27- نهج البلاغة الرسالة 53
28- أجوبة الاستفتاءات للقائد ج 2 صفحة 205 مسألة 576

2016-01-13