يتم التحميل...

س 92: الإعدام والقصاص

110سؤال وجواب

برأيك ألم يحن الوقت لكي يعاد النظر في بعض الأحكام الإسلامية، وبالتالي التوجه إلى معالجة المسائل بالمحبة والصداقة والرحمة التي يقول بها جميع الناس بدلاً من إعمال وسائل العنف والردع القاسية؟

عدد الزوار: 14

الإعدام والقصاص

س 92: ألا يجب على علماء الإسلام أن يقبلوا أن إجراء قانون الإعدام والقصاص وأمثال ذلك في عالم اليوم المتحضر، وعلى أساس جميع الفلسفات القائمة، يعد عملاً من مصاديق العنف والقساوة؟ أوليس هكذا قوانين جزائية قاسية وعنيفة لا تتناسب مع المفاهيم المعاصرة الجميلة، «حقوق البشر» و» محبة الإنسان»؟. برأيك ألم يحن الوقت لكي يعاد النظر في بعض الأحكام الإسلامية، وبالتالي التوجه إلى معالجة المسائل بالمحبة والصداقة والرحمة التي يقول بها جميع الناس بدلاً من إعمال وسائل العنف والردع القاسية؟

ج: من المسائل المطروحة في الإسلام، فيما يتعلق بالتعليم والتربية، مسألة المحبة، ويقابلها مسألة القساوة. بالتأكيد إن ما يقابل المحبة هو البغض، لكن أثر المحبة هو الإحسان والليونة، وأثر البغض هو الخشونة والقساوة. نعلم أن البعض ينظرون إلى التعليم والتربية الإسلامية بعين الانتقاد، يقولون: إن الإسلام لم يعتمد بالقدر الكافي على مسألة المحبة وأثرها اللين والإحسان، فلو أن الإسلام طرح مسألة المحبة، والإحسان إلى الإنسان، والرفق واللين، في مقابل العداوة والقساوة وإعمال العنف؛ وبمعنى آخر، الإساءة إلى الإنسان!.

إن التوافق مع الرغبات في السلوك، هو غير التطابق مع المصلحة في السلوك. فلا يجب أن تكون «الرغبة» أو «الميول» مقياساً؛ بل المقياس هو «المصلحة»، كذلك يجب أن تكون مصلحة الجماعة هي المقياس وليس مصلحة الفرد، وهذا ما يكون في بعض الحالات التي يفدى فيها بمصلحة الفرد في سبيل مصلحة المجتمع.

من هنا فإن بعض الحالات تقتضي- ومن باب المحبة نفسها والتي قلنا أن أصلها قصد الخير والإحسان إلى الإنسان- إجراء القساوة وعدم التسامح واللين، وبالتالي توجب وضع مصلحة المجتمع مقدمة على مصلحة الفرد؛ فمثلاً أكثر ما يتصوره الإنسان من القساوة؛ الإعدام، الذي يعدّه الفرد شيئا سيئا بالنسبة إليه، وهذا إنما يكون في مصلحة الجماعة.

في التعبير القرآني عبارة جامعة فيما يتعلق بمسألة القصاص!

﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ1

نعلم أن القرآن الكريم في قانونه الجزائي يميل إلى القصاص، ففي مسألة قتل العمد، بحيث يقدم الفرد من دون أي عذر على قتل بريء أو نفس محترمة، فالإسلام هنا يجيز القصاص بالإعدام.

لا يجب أن يؤخذ هذا النوع من القصاص على أنه قتل أو إماتة، بل يُتلقى على نحو الحياة والإحياء، لكن ليس حياة الفرد، بل حياة الجماعة؛ يعني أن في الاقتصاص من فرد متعدّي حياة لأفراد المجتمع وحفظ للجماعة، فإذا لم يُمْنَع القاتل ولم يوضع له حدٌّ، فإنه غداً سيقتل شخصاً آخر، وبعد غد سيقتل أشخاصاً وأشخاصاً، وسيتجرأ غيره على القتل، وبالتالي سنجد مجتمعاً مليئاً بالأفراد القتلة ولا من يحاسب، لذلك لا يجب حمل القصاص بالإعدام على أنه نقص في أفراد المجتمع، بل فيه حفظ الجماعة والأفراد، وبالتالي، فإن القصاص لا يعني العداوة للإنسان، بل المحبة والحياة.

يقولون:«محبة الإنسان»، هذا كلام صحيح، لكنه مصطلح ملتبس بحاجة إلى تبلور أكثر؛ فمرة نقول: «الإنسان» يعني هذا الهيكل الظاهري المشترك في جميع الأشخاص، و«محبة الإنسان» تعني حب كل إنسان من نسل آدم (ع)، والمقصود منه الإنسان الذي هو ضمن نطاق «علم الأحياء»؛ أي الإنسان الحي الذي يعيش ويأكل ويشرب، فهل هذا هو المقصود؟ أو أن المقصود هو الإنسان بما هو إنسان؛ يعني الإنسان بما يحمل من قيم إنسانية، الإنسان من أجل إنسانيته، ومحبة الإنسان تعني محبة الإنسانية؟

إذا أصبح الإنسان ضد أخيه الإنسان، وبالتالي ضد الإنسانية، فإنه يصير مانعاً وعائقاً في طريق الإنسان والتكامل الإنساني، فهل يجب علينا أن نحب هذا الإنسان أو نصادقه حقاً، وهو الذي في الشكل اسمه إنسان لكنه في المعنى والحقيقة ليس إنساناً، بل ضد الإنسانية، أو هل نخون الإنسانية ونعاديها باسم «محبة الإنسان» أو «صداقة الإنسان»؟

عموماً، فإن أساس مسألة «محبة الإنسان» هي محبة الإنسانية بصرف النظر عن مسألة أن المحبة ليست مراعاة الرغبات والميول؛ بل عبارة عن مراعاة المصلحة والخير والسعادة في المجتمع، وبصرف النظر عن أن مصلحة الفرد ليست معياراً، بل مصلحة الجماعة هي المعتبرة.

عندما تكون محبة الإنسان هي محبة الإنسانية، ومحبة الإنسانية تعني مراعاة المصالح الإنسانية، وليس فقط مراعاة الرغبات والميول، عندها يصبح معلوماً أن هذا التفسير لقانون «محبة الإنسان»، بأنه نوعٌ من السلوك بحسب الرغبة والميول، هو منطق خاطىء، بل المحبة المنطقية هي في إزالة الأفراد الذين يُعدّون أشواكاً في درب الإنسانية، ولو أدّى ذلك إلى تنفيذ قانون يحمل في طيّاته القساوة والمواجهة والجهاد وحتى القتل.2


1- سورة البقرة: 179.
2- تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الاسلام)، ص 352 - 360.

2016-01-20