يتم التحميل...

من نعم الله تعالى

الدعاء الأول

(والحمد لله الذي أختار لنا محاسن الخلق ) أي الشكل، والصورة، قال سبحانه : « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم »، وقال تعالى : « وصوركم فأحسن صوركم »

عدد الزوار: 19

(والحمد لله الذي أختار لنا محاسن الخلق ) أي الشكل، والصورة، قال سبحانه : « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم »، وقال تعالى : « وصوركم فأحسن صوركم »، خلق سبحانه الإنسان في أحسن خلقه، وأحكمها، وأدقها، فهو من حيث الحجم وسط بين الفيل، والقرد، ومن حيث الطول، والقصر لا إفراط ولا تفريط، أما الجمال فيتجلى في القوام، وتنسيق الأعضاء، وانسجام بعضها مع بعض، وكثير من الفلاسفة يسمون الإنسان بالكون الصغير، قال ملا صدرا في شرح أصول الكافي : « إن الله اختصر من هذا العالم مخلوقاً يحوي معانيه كلها على أكمل الوجوه، وسماه ءادم »، وفي كتاب « الإنسان ذلك المجهول » تأليف الكسيس كاريل : « إن جسم الإنسان في شكله يعبر عن شهواته، ومشاعره بخاصة قسمات وجهه ».)

(وأجرى علينا طيبات الرزق ) سخر سبحانه الطبيعة، وخيراتها لكل الناس على أن يستثمروها في متطلبات الحياة، وجعلها للجميع دون استثناء ؛ لأنه تعالى : هو الخالق، والمالك، والرازق، وكل الخلائق عباده، وعياله، حتى الجاحد، والمعاند ( وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع الخلق ) الملكة : صفة راسخة في النفس، والمراد هنا ـ بقرينه السياق ـ أن في الإنسان دون سواه استعداداً عقلياً يؤهله لأن يسخر الطبيعة في مقاصده، وفوائده ( فكل خليقته منقادة لنا بقدرته، وصائرة إلى طاعتنا بعزته ) قال الإمام عليه السلام هذا منذ 13 قرناً حيث كان العلم كلاماً، وتعبيراً وحديثاً وتفسيراً، وكان الحديث، أو التنبؤ عن تطور العقل، والعلم إلى ما انتهى إليه في عهدنا الراهن ـ ضرباً من الجنون في مفهوم الناس، فكيف تنبأ الإمام بذلك ؟ ومن أين جاءه هذا العلم ؟ أبداً لا وسيلة آنذاك إلا الرواية عن أبيه عن جده عن جبرئيل عن الباري وتنبأ جده الإمام علي عليه السلام بأشياء كثيرة حدثت من بعده تماماً كما أخبر، فقال له أحد أصحابه : « لقد أعطيت علم الغيب يا أمير المؤمنين. قال له : ليس هو بعلم غيب، إنما هو تعلم من ذي علم ».

وبعد، فإن الله سبحانه خلق الكون بما فيه من خصائص، ومواد أولية، وخلق الإنسان، وزوده بكل قوة، وطاقة تجعل أشياء هذا الكون طوع أنامله، ليستعملها في الخير لا في الشر، وللبناء لا للهدم، وللتعاون من أجل حياة أفضل لا للاحتكار، والإستغلال، والإستعمار. وإلى هذا أشار الإمام بقوله : منقادة لنا بقدرته، وصآئره إلى طاعتنا بعزته والحمد لله الذي أغلق عنا باب الحاجة إلا إليه، فكيف نطيق حمده ؟ أم متى نؤدي شكره ؟ !، لا، متى.

والحمد لله الذي ركب فينا آلات البسط، وجعل لنا ادوات القبض، ومتعنا بأرواح الحياة، وأثبت فينا جوارح الأعمال، وغذانا بطيبات الرزق، وأغنانا بفضله، وأقنانا بمنه ثم أمرنا ليختبر طاعتنا، ونهانا ليبتلي شكرنا فخالفنا عن طريق أمره، وركبنا متون زجره ؛ فلم يبتدرنا بعقويته، ولم يعاجلنا بنقمته بل تأنانا برحمته تكرماً، وانتظر مراجعتنا برأفته حلماً.

(والحمد لله الذي أغلق عنا باب الحاجة إلا إليه ) قد يقول قائل : كل واحد من الناس يحتاج إلى الناس إلا أن يعيش في السماء مع الملائكة بلا غذاء، وكساء، أو في الغاب مع الوحوش، إن العلاقات المتبادلة بين أفراد الجماعة تفرضها طبيعة الحياة الإجتماعية، وعليه يكون الحمد على الغنى عن الناس حمداً على لا شيء، بل يستحيل أن يقع الجواب : أجل، كل من يخوض غمار الحياة يحتاج إلى غيره، وغيره يحتاج إليه تماماً كحاجة كل من البائع، والمشتري إلى الآخر، وهذا اللون من التبادل يسمى تعاوناً، وتكاملاً، والذي يأكل ولا يعمل، بل يعيش كلا، وعالة على الآخرين ـ فموته خير من حياته، وعدمه خير من وجوده، قال عز من قائل : « وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يات بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم » ومن معاني العدل التسوية بين رجلين في الأخذ، والعطاء. وكلام الإمام عليه السلام بعيد عن العامل، والباطل، ومراده مجرد البيان بأن الله سبحانه أرشدنا بنور الوحي، والعقل إلى ما نحتاج إليه من أمور الدين، والدنيا. قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « إن الله تعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان.

إن العقل مع العلم، وما عبد الله بشيء أفضل من العقل » يريد أن الدين مع العقل، والعقل مع الدين.

فكيف نطيق حمده أم متى نؤدي شكره ؟ ! ) لن يكون الشكر إلا على معروف يسديه المشكور للشاكر، والحمد أعم لأنك تحمد العالم لعلمه، والصادق لصدقه، وإن أساء إليك ( لا متى ؟ ) لا مبرر للتساؤل : « متى نؤدي شكره » ؟ لأنه أشبه بالتساؤل : متى يلج الجمل في سم الخياط ( والحمد لله الذي ركب فينا آلات البسط، وجعل لنا أدوات القبض ) كناية عن الحرية، والقدرة على التصرف فعلاً، ( ومتعنا بارواح الحياة ) اي بطيب العيش، لأن أرواح هنا جمع روح بفتح الراء من الراحة، قال سبحانه : « فروح وريحان وجنت نعيم » ( وأثبت فينا جوارح الأعمال ) جمع جارحة وهي العضو العامل كاليد، وأحب الأيدي إلى الله ورسوله يد تعمل في سبيل العيال، والرزق الحلال، وفي الحديث : « إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها صلاة، ولا صوم، قيل : يا رسول الله فما يكفرها ؟ قال : الهموم في طلب المعيشة »

(وأغنانا بفضله وأقنانا بمنه ) الإقناء : ما يقنى، ويدخر من المال لوقت الحاجة، وما من شيء على الإطلاق إلا ولله فيه تقدير وتدبير ( ثم أمرنا ليختبر طاعتنا، ونهانا ليبتلي شكرنا ) أمرنا سبحانه بما يعود علينا بالخير، والصلاح، ونهانا عن كل شر وفساد، ومعنى هذا ان التكليف امراً، ونهياً هو المحك الذي يميز، ويفرق بين الخبيث، والطيب، والعاصي، والمطيع « ما كان الله ليذر المؤمنين على مآ أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب » ( فخالفنا عن طريق أمره، وركبنا متون زجره ) تركنا ما أمر به، وفعلنا ما نهى عنه ! ولماذا ؟ أبداً، لا لشيء إلا لسلطان الهوى، وحلاوة الدنيا ( فلم يبتدرنا بعقوبته... ) يمهل سبحانه العاصي حتى كأنه ما أساء، ولا عصى ولو عاجله بالعقوبة لكان ذلك حقاً، وعدلاً، ولكنه لم يفعل، ولماذا ؟ لأن من شأن الإله أن يحلم، ويرحم، وأن يؤجل، ويمهل، لعل الذي أسرف على نفسه أن يتداركها بالتوبة، والإنابة ولا شيء أبغض إلى الله من أن يشقى عبده بعذابه، ولا أحب اليه من أن ينعم بثوابه
والحمد لله الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها إلا من فضله، فلو لم نعتد من فضله إلا بها لقد حسن بلاؤه عندنا، وجل إحسانه إلينا وجسم فضله علينا، فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا ؛ لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به، ولم يكفلنا إلا وسعاً، ولم يجشمنا إلا يسراً، ولم يدع لأحد منا حجة، ولا عذراً، فالهالك منا من هلك عليه، والسعيد منا من رغب إليه.

2016-03-02