يتم التحميل...

جولة على المناطق المتضرّرة جراء الزلزال الذي ضرب محافظة كرمانشاه

2017

جولة التي قام بها الإمام الخامنئي يوم الاثنين 20/11/2017 على المناطق المتضرّرة جراء الزلزال الذي ضرب محافظة كرمانشاه

عدد الزوار: 16

خلال الجولة التي قام بها الإمام الخامنئي يوم الاثنين 20/11/2017 على المناطق المتضرّرة جراء الزلزال الذي ضرب محافظة كرمانشاه في جنوب غرب الجمهورية الإسلامية، وبعد زيارته لمدينة سربل ذهاب وبعض القرى المحيطة بها. عقد سماحته اجتماعاً مع مجموعة من مسؤولي محافظة كرمانشاه والمسؤولين المحليّين وقادة الشرطة والجيش، حيث أكّد سماحته خلال هذا الاجتماع على أهميّة الإدارة المركزية لهذه الكارثة وإيلاء الاهتمام بتأمين السكن للمتضرّرين والعمل على إعادة إعمار المناطق المدمرة بأقصى سرعة ممكنة.

وفي ما يلي النص الكامل لكلمة قائد الثورة الإسلامية خلال هذا الاجتماع:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.

نشكر الله تعالى أن وفّق المسؤولين المحترمين للمسارعة إلى مساعدة أبناء وطنهم والأهالي الأعزاء في هذه المحافظة إثر هذا الحادث المرير المؤلم. الزلزال من الآيات الإلهية؛ هذا الزلزال وزلازل العالم التي نشعر حيالها بالعجز والضعف، ليست بشيء مقابل زلزلة يوم القيامة «زَلزَلَةَ السّاعَة» (1). «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ» (2). زلزال يوم القيامة وزلزال عالم البعث حدث استثنائي وعجيب وعظيم يذكره القرآن. هذا الزلزال يجب أن يُذكِّرنا بذلك الزلزال. وهذا الزلزال لا يقبل المقارنة بذلك الزلزال من حيث الأهمية والعظمة وحجم المصيبة، ومع ذلك نشعر بالعجز مقابله، فكيف بنا يومذاك؟! إذا أردنا الخلاص من هول يوم القيامة والدهشة التي تعتري كل البشر في مشهد القيامة بسبب الأحداث العجيبة في ذلك اليوم، فمن السبل إلى ذلك أن نرحم عباد الله هنا في هذه الدار. كل من يرحم عباد الله سوف يرحمه الله. [وليس] معنى الرحمة عدم النظر إليهم بعين الاحتقار ونقول مثلاً إن مكانة هؤلاء الناس أرفع من هذه الأمور، لا، فشأن الناس ومكانتهم عالية جداً وعزة أهالي كرمانشاه واضحة لكلّ الذين يعرفون هذه المحافظة وأهاليها، ولكن يجب علينا العمل بواجباتنا.

لقد زرتُ اليوم مدينة سربل ذهاب وبعض قُراها. تضرّرت المدينة أضراراً جسيمة، لكن خسائر وأضرار القرى في بعض الحالات لا تقارن بخسائر وأضرار المدينة، أي إنّ الخسائر فيها كبيرة جداً. لقد شاهدنا قرية أو قرى بدت أنها سُوّيت بالأرض. ربما لم يبق في كل تلك القرية سوى بناية واحدة أو بنايتين قائمتين، وطبعاً من غير المعلوم ماذا أصابها من الداخل، أما الباقي فقد سُوّي بالأرض. وهذا حدثٌ على جانبٍ كبيرٍ من الخطورة والأهمية. لأننا غير مبتلين لا نفهم الابتلاء. ليتنبّه كل الذين سيستمعون لكلامي إلى هذا المعنى. إنكم تسمعون بأن المتضرّرين بالزلزال يحتاجون إلى الوسيلة الفلانية من وسائل الحياة أو وسائل الطعام الفلانية وما إلى ذلك، والشعب يُبدي همّته وكذلك المسؤولون ويوفّرون هذه الاحتياجات لهم، بيد أن مشكلة الزلزال ليست هذه. فالشخص الذي كان يعيش في بيته ومع عائلته بسكينة وراحة بال وفي أجواء معينة، إذا به اليوم يجمع كل ما عنده في خيمة! لقد دخلت بعض الخيم، وشاهدت بعضها. افترضوا مثلاً خيمة بطول مترين وعرض ثلاثة أمتار، أو بطول مترين ونصف وعرض ثلاثة أمتار ونصف، أو بطول ثلاثة أمتار وعرض أربعة أمتار، والبرد والحر وعدم توفر المكان، هذه ليست بحياة. هذه هي الأشياء التي يجب أن نعي أهميّتها بدقة ونعرف على ضوء هذه الأهمية مسؤوليّاتنا وواجباتنا. هكذا هو الأمر في السيول تقريباً. كان لي تواجدي ومشاركتي الطويلة في السنين الماضية -خلال فترة الشباب- في فِرق إغاثة المتضرّرين بالزلازل وفي فِرق إغاثة المتضرّرين بالسيول، السيول بطريقة والزلازل بطريقة أخرى، لكنهما متشابهان من بعض النواحي.

في الزلازل نحتاج إلى شيئين: الأول الإنقاذ والثاني الإغاثة والإمداد. الإنقاذ يتعلق بالساعات الأولى من الزلزال. بحمد لله إنّ تواجد الجيش والحرس وقوات الشرطة بأجهزتهم وحضور المؤسّسات التابعة لهم في هذه المنطقة أدّى إلى تمكّنهم من إنجاز مهمة الإنقاذ بطريقة مقبولة نسبيّاً. هذا الزلزال الذي شاهدته هنا وهذا الدمار الحاصل - ولم نذهب إلى قصر شيرين طبعاً، ولم نذهب إلى إسلام آباد، ولم نذهب إلى بعض القرى المدمرة تدميراً كبيراً، ولم نذهب إلى منطقة خسروي، ولم نذهب إلى "ثلاث باباجاني"، هناك مناطق كثيرة دُمرت - هذا المقدار الذي شاهدتُه لو لم تتمّ عمليّات الإنقاذ في بداية الأمر وبسرعة لبلغت خسائر الزلزال أضعاف ما بلغته. جانب من القضية هو الإنقاذ، وهو مهمٌ للغاية، ويجب أن يتم في الساعات الأولى. بعد زلزال بَمْ عقدتُ اجتماعات مع الحكومة آنذاك وشاركتُ بنفسي في هذه الجلسات ـ جلسات استمرت كل واحدة منها لعدة ساعات ـ وكان ذلك من أجل تأسيس خليّة الأزمة. مهمة خليّة الأزمة تبدأ منذ اللحظة الأولى. ينبغي بالدرجة الأولى أن يكون هناك تنظيم، فالزلزال لا يُخبر ولا ينبىء بحدوثه، وكذلك السيل والكوارث الطبيعيّة لا تفعل ذلك، بل تأتي فجأة. يجب أن نكون جاهزين ومتواجدين هنا، وينبغي لخليّة الأزمة أن تكون حاضرة وجاهزة، أي يجب أن تكون كحرس الحدود. فحرس الحدود الذين نكلّفهم بمهام حراسة الحدود، ونضعهم على الحدود من أجل مواجهة تغلغل العدو، يجب أن يكونوا جاهزين دوماً، فالعدو لا يقول ولا يخبر بأنني قادم، قد يهجم على حين غرة، وعلى حرس الحدود أن يكونوا جاهزين دائماً. مواجهة الكوارث الطبيعية تحتاج إلى جاهزية أكبر، ولا بدّ لخليّة الأزمة على مستوى البلاد كافّة أن تكون على جاهزيّة تامّة وكاملة. وهذا شيء ممكن، وليس بالشيء المستحيل؛ يمكن التناوب على الحراسة الدائمة فيكون هناك دائماً أفراد محدّدون ومنظّمون جاهزون. هذا ما يتعلق بمسألة الإنقاذ التي هي في بداية الأمر، وقد أنجزت المهام هنا في بداية الأمر بشكل جيد إلى حد كبير والحمد لله، وتمّت المسارعة قدر الإمكان إلى إنقاذ المنكوبين وانتشال من كان منهم تحت الأنقاض.

المسألة الثانية هي الأعمال الإغاثيّة والمساعدات. وعلى الرغم من أنّ أعمال الإغاثة والمساعدات تحتاج هي أيضاً إلى السرعة إلّا أنّها ليست عمليّة فورية وتنتهي [بشكل سريع]. للإمداد وأعمال الإغاثة جوانب متعدّدة ولكل جانب أهميته في فترة معينة من الزمن ويجب إنجازه في تلك الفترة. أولاً، وكما هو واضح هناك الاحتياجات الفورية للأغذية والطعام. ففي المكان الذي تحدث فيه كارثة طبيعية أول ما يحتاج إليه الناس الماء والخبز الذي ينبغي أن يصل إليهم. هذا ما يتعلّق ببداية الأمر. ثم تأتي قضية تأمين الإمكانيات ولوازم الحياة والملابس ووسائل الحياة الأخرى. لكن الأهم من كل هذا هو السكن. انظروا الآن كيف يمكن إزالة هذه الأنقاض والردم الموجودين في هذه القرى المدمّرة؟ هذه عملية هائلة وكبيرة جداً، عملية صعبة جداً ويجب أن تنجز وتتم. ثم هناك مسألة تأمين المنازل وإعادة بناء القرى والمدن، وهي بدورها عملية مهمة للغاية، وينبغي الإسراع فيها. لقد شاهدتُ هذه الخيام، في إحدى هذه الخيام سألتُ سيدةً: هل أعطوكم الأغطية البلاستيكية التي توضع فوق الخيم، فقالت: نعم أعطونا الأغطية البلاستيكية. ثم شعرت أنا نفسي بالخجل من هذا السؤال، فحتى لو أعطوهم الأغطية البلاستيكية، وهل ستصنع هذه الأغطية البلاستيكية معجزة في هذا الجوّ البارد، وفي هذا الفصل، وفي الليل؟ كيف يجب تأمين التدفئة اللازمة للأطفال والشيوخ والمرضى؟ وهل يكون ذلك سوى بالتمهيدات اللازمة أولاً لبناء المساكن، وتأمين وسائل التدفئة إلى أن تُحلّ مشكلة المسكن بالكامل. ينبغي العمل كثيراً في هذا المجال، والسعي كثيراً، والمسؤولية الجسيمة تفع على عاتق المسؤوليين.

ينبغي أن تكون هناك مركزيّة، كما يجب أن تكون هناك مركزية في توزيع الإمكانيات والمساعدات على المنكوبين بالزلزال. من الأعمال الواجبة في هذه المناطق وجود مركزية، حيث تتمركز كل الأعمال وإدارتها من موقع واحد. ليعمل الجميع وليبذل الجميع جهودهم وليأخذ الكل نصيبهم، لكن لا بدَّ من إدارة واحدة موحّدة. كان هذا الأمر مختصّاً بتوزيع الإمكانيات، وقد تم تأمينها شيئاً فشيئاً وعولجت المشكلة. ويأتي بعد ذلك تأمين السكن وإعادة البناء، وهذا ما يحتاج لإدارة واحدة وإنجازات أساسية وسرعة في الأداء والإنجاز، وعلى الحكومة أن تقدم كل الدعم اللازم في هذا المجال، وعلى الأجهزة المختلفة ـ سواء الأجهزة العسكرية أو غير العسكرية ـ أن تتحمل المسؤولية كلٌّ على قدر استطاعته، وأن تنهض بهذه المسؤوليات وتؤدّيها. هذا عملٌ مهمٌ جداً. طبعاً أنا أعلم أن بعض المسؤولين بذلوا جهوداً كبيرة في قطاعات مختلفة، وأنجزوا الكثير من الأعمال. واقعاً، نتقدم إليكم بالشكر من الصميم على الأعمال التي أنجزت، وخاصّة إلى أولئك الذين شمّروا عن سواعد الهمّة ونزلوا إلى ميدان العمل بجدّ وعملوا. والحق أن أجرهم محفوظ عند الله تعالى، ونحن أيضاً نشكرهم بدورنا. لكن في المستقبل، أي في متابعة ومواصلة هذه الأعمال، أرى أنّ هذا العمل المتمركز أهم وأوجب.

وعلى وجه الخصوص، ينبغي لسرعة العمل أن تُؤخذ بعين الاعتبار، ويجب العمل بسرعة، ومتابعة الأعمال بطريقة جهادية. وينبغي أن تكون إحدى خصوصيّات الجمهوريّة الاسلاميّة هذا العمل الجهادي نفسه. وهذا هو الواقع لحسن الحظ في بعض القطاعات والمواقع. يرى الإنسان في بعض المواطن أن هناك عملاً جهادياً يتم وينجز. لقد شاهدنا قبل الثورة تعامل الأجهزة المسؤولة حيث لم تكن تشعر بالمسؤولية أبداً تجاه هذه الأمور. شهدت بنفسي عن كثب في ذلك الحين ورأيت أن قضية المتضررين بالزلزال لم تكن قضية مهمة بالنسبة لهم، أي إنّهم واقعاً لم يكونوا يحسبون لها حساباً، كانوا يريدون فقط إنجاز عمل صوري وبالاسم فقط، وكانت المجموعات الشعبية هي التي تنجز الأعمال. الوضع اليوم ليس على هذا النحو، والمسؤولون بحمد الله متواجدون في الميدان ويعملون ويجدّون، وهذه من خصوصيات الجمهورية الإسلامية. ولكن ينبغي على السادة والمسؤولين المحترمين بعد الآن إنجاز الأعمال بإدارة أفضل وباستمراريّة ومتابعة وبسرعة إن شاء الله. ولا بُدَّ من حصول هذه الحالة المركزية التي تحدثنا عنها حتى تؤتي الجهودُ ثمارها إن شاء الله.

أسأل الله تعالى أن يمنَّ علينا بفضله ويُسهّل الأعمال والأمور ويمهّد السُبل لتتمكّنوا من أداء واجباتكم وتُخرجوا هؤلاء الناس إن شاء الله من هذه المشكلة الكبيرة التي ألمّت بهم.

والسّلام‌ عليكم‌ ورحمة ‌الله‌ وبركاته.


1 ـ سورة الحج، شطر من الآية 1.
2 ـ سورة الحج، شطر من الآية 2.

2017-12-22