يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة ذكرى انتفاضة 29 بهمن

2018

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه حشدًا من أهالي محافظة آذربيجان الشرقية بمناسبة ذكرى انتفاضة 29 بهمن

عدد الزوار: 18

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه حشدًا من أهالي محافظة آذربيجان الشرقية بمناسبة ذكرى انتفاضة 29 بهمن ــ 18/2/2018

الثورة أقامت نظاما شعبيا وأنجزت تقدما كبيرا للبلاد

محاور رئيسية
• 29بهمن أسس لمسار الإنتصار
• الشعب صاحب القرار في كل شؤون الحياة
• الأرستقراطية والبيروقراطية أخطر آفات الثورة
• الاعتماد على الأجانب مدمر لاقتصاد البلاد

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيما بقية الله في الأرضين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
نرحّب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات. من أهم الأيام والمراسم التي تشهدها هذه الحسينية في كل سنة؛ اليوم الذي تشرّفون فيه، أنتم أيها الأعزاء من آذربيجان وتبريز إلى هنا؛ يوم التاسع والعشرين من شهر "بهمن" (18 شباط). محافظة آذربيجان مميّزة وأهاليها مميّزون، وأحداثها مميّزة، أسلوب ومنهج أهالي تبريز وآذربيجان الأعزاء هو دائمًا الابتكار والطرق الجديدة والأحداث المدهشة. رحمة الله عليكم، ليشملكم لطف الله دومًا.

الزهراء (ع) سيّدة نساء أهل الجنّة
نتحدّث بجملة هنا لاقتران هذه الأيام بأيام استشهاد الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)؛ بالتأكيد فإن البرامج التي أجريت كانت جيدة جدًا ومؤثّرة ومفيدة (2). أقول بهذه المناسبة عبارة واحدة فقط وهي: إن جميع المسلمين مجمعون على فضيلة الصدّيقة الكبرى (سلام الله عليها)، ولا فرق في هذا بين شيعة وسنة. ورد في كتب أهل السنة والشيعة هذا الحديث: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أهلِ‏ الجَنَّة» (3) وهذا مقام أعلى من «سيدة نساء العالمين» (4). إنها سيدة نساء الجنة. من هن النساء اللواتي في الجنة؟ إنهن خيرة النساء وأهم النساء وأكثر النساء إيمانًا وجهادًا والنساء الشهيدات، اللاتي ذكرهن الله تعالى في القرآن بالتعظيم والتكريم، هؤلاء كلهن مجتمعات في الجنة؛ والحال أن السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) "سيدة نساء أهل الجنة". إنه مقامٌ رفيع وعالٍ جدًا.
نتعلم منها (سلام الله عليها) دروس الشجاعة، ودروس التضحية، ودروس الزهد في الدنيا، ودروس المعرفة، ونقل المعرفة إلى أذهان الآخرين، وكيف يكون الإنسان في مقام المعلِّم لكل الناس، هذه هي دروس فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) لكل البشرية. نتمنى أن تتنعّموا جميعًا وكل أهالي آذربيجان الأعزاء وكل الشعب الإيراني وجميع المسلمين من بركات سيدة عالمَي الدنيا والآخرة.

29 بهمن أسس لمسار الإنتصار في 22 بهمن
إنَّ عظمة يوم التاسع والعشرين من بهمن لا يمكن بيانها حقًا بهذه العبارات القاصرة التي نقولها، فالتاسع والعشرون من بهمن يومٌ عظيمٌ جدًا. مع أن تيار النضال والكفاح انطلق سنة 56 [1978 م] من قم، ووقعت أحداثٌ معينة في أماكن معينة بعد أحداث تبريز، لكنني أقول بكل جرأة؛ لولا حادثة التاسع والعشرين من بهمن سنة 56 في تبريز لكان من المحتمل جدًا أن تُنسى حادثة التاسع عشر من دي [09/01/1978م] في قم، ولما وقعت بعد ذلك الأحداث المتعاقبة على شكل متسلسل. أي لسار تاريخ البلاد في طريق آخر. لقد استطاع أهالي تبريز في أحداث التاسع والعشرين من بهمن بنهضتهم وفهمهم الصحيح وحركتهم المناسبة وفي الوقت المناسب أن يوجدوا هذا الحراك العظيم الذي أفضى إلى الثاني والعشرين من بهمن سنة 57 [11 شباط 1979م، انتصار الثورة الإسلامية]. عظمة هذه القضية هي على هذا النحو.

تظاهرات 22 بهمن الملحمية بعد أربعة عقود؛ أشبه بالمعجزة
وأشير هنا أيضًا إلى تظاهرات الثاني والعشرين من بهمن لهذه السنة. لقد كان الثاني والعشرون من بهمن في تبريز وفي المدن الأخرى وفي طهران وفي كل أنحاء البلاد هذه السنة يومًا مختلفًا حقًا. بعد تسعة وثلاثين عامًا وعند الدخول في السنة الأربعين لانتصار الثورة يُعدّ هذا الحراك الشعبي العظيم أشبه بالمعجزة، ولا يوجد مثل هذا الشيء في أي مكان من العالم.

بعد كل هذه السنين التي تقرب من أربعة عقود، أنْ ينزل الشعب نفسه وليس الأجهزة الحكومية، بل الناس أنفسهم، في يوم انتصار الثورة، أنْ ينزل الناس إلى الساحة ويملأوا الشوارع ويرفعوا الشعارات هم بأنفسهم، ويعلنوا حضورهم ووجودهم ويدافعوا عن ثورتهم، هذا لم يكن له مثيل في أي ثورة من الثورات التي نعرفها خلال القرنين أو القرون الثلاثة الأخيرة. ولم يكن مثل هذا الحدث في الماضي الأبعد من باب أولى. والآن أيضًا لا يوجد مثل هذا في أي مكان من العالم، إنها حال خاصة بإيران، إنها حال خاصة بكم. وفي هذه السنة أدت المسائل المختلفة من العداوات والحملات التي يشنها الأعداء من الخارج ومن الداخل ومن أمريكا ومن بعض جيران السوء الناكثين للعهود، أدت أعمالهم إلى تقوية دوافع الناس أكثر، فنزلوا إلى الساحة وصنعوا ملحمة في الثاني والعشرين من بهمن بشكل مميز ومختلف هذه السنة. كل هذا دروس وعبر بالنسبة إلنا.

هذه الجملة التي أنشدتموها أنتم هنا «انقلابين پاك عَلَمي قيرخ ايل اولوب مَأمني ميز» [راية الثورة الطاهرة هي مأمننا منذ أربعين عامًا](5) هي حقيقة وواقع. أربعون عامًا والشعب مأمنه راية الثورة الخفاقة العالية. هذا الكلام الذي تقولونه بألسنتكم هو لسان حال قلب الشعب الإيراني. لقد نطقتم بالحق والصدق. هذا في حين أنَّ الشعب لديه انتقاداته تجاه بعض قضايا البلاد الحالية، وليس الأمر أنه لا انتقادات لديه. إننا مطّلعون تمامًا على انتقادات الناس وعلى عتابهم وعلى شكاواهم؛ وهم يقولونها لنا أيضًا، ويقولونها للآخرين فتُنقل لنا. لكن حين تكون القضية قضية الثورة والنظام الإسلامي ينزل الشعب هكذا إلى الساحة ويتحرك. لقد تكوّن وعيٌ ثوريٌ وكمالٌ سياسيٌ لدى الشعب الإيراني -بتوفيق من الله- يستطيع بموجبه التفكيك والتمييز بين النظام الثوري "للأمة والإمامة" وبين التشكيلات البيروقراطية. على الرغم من أنه لدى الناس نقدهم في مجال ما، لكنهم يدافعون بكل وجودهم عن أصل النظام الذي أوجدته الثورة. حين نقول فليكن لديهم انتقادهم، فليس المراد هنا نقد الحكومة فقط أو السلطة القضائية أو مجلس الشورى، كلا، فقد يكون لدى أحدٍ ما نقده لشخصي أنا الحقير. فهذا النقد لا يتنافى أبدًا مع الاستقامة في الدفاع عن النظام الإسلامي، النظام الثوري ونظام "الأمة والإمامة"؛ هذا النظام الذي وُجد وتأسس بثورة هذا الشعب وبتضحياته، وسار مئات آلاف الشهداء قرابين فداءً لهذا النظام طوال هذه الأعوام الأربعين.

أهالي تبريز عاصفة ثورية زاخرة بالقوة
في هذه المناسبة التي نلتقيكم أيها الأعزاء الذين شرّفتم إلى هنا من مسافة بعيدة أطرح عليكم عدة نقاط في حدود ما يسمح به الوقت. إنكم أعزاء بحيث لا يملك شخصٌ مثلي أنا العبد، سوى أن يحبّكم ويودّكم ويخلص لكم من أعماق وجوده. أي إن هذا الصفاء الذي تتحلّون به، وهذه الغيرة التي تتّسمون بها، وهذا الحراك الثوري العلني المشهود فيكم، والذي نشعر به ويراه الإنسان على الصعيد العملي أيضًا وليس باللسان فقط، هذا الأمر يجذب إليه كل إنسان. وأنا العبد أيضًا، منذ أن جئت لأول مرة بعد الثورة إلى تبريز أو آذربيجان وعدت، - حيث كانت لي زيارات متعددة - شعرت بهذا بالمعنى الحقيقي للكلمة وقلتُه حينها للإمام. جئتُ في زمن رئاسة الجمهورية إلى تبريز ثم ذهبت للإمام؛ قلتُ له: إنَّ تبريز من نوع آخر، إنَّ أهالي تبريز يُقدّمون للمرء حقيقةً ثوريةً حماسيةً وعاصفةً زاخرةً بالقوة والقدرة بشكل آخر. مع أنَّ كل الشعب الإيراني كان له في تلك الأيام هذه الحماسة الثورية، لكن تبريز كانت شيئًا آخر.

إننا نجتمع بكم أيها الأعزاء من تبريز وآذربيجان، من مختلف مدن آذربيجان هنا. وسأستعرض معكم عدة نقاط، وبالطبع فالمخاطب هو الشعب الإيراني كله؛ هذا الكلام موجّه للجميع.
إحدى النقاط حول الثورة ونتائجها والأداء الأساسي للثورة. ونقطة أخرى حول معرفة الآفات التي تهدد الثورة. ونقطة أخرى -إذا سمح لنا الوقت- حول الأولويات وسلّم الترجيحات التي تمليها علينا الثورة في هذا المقطع الزمني، والتي يجب علينا مراعاتها. ونقطة أخرى حول مستقبل الثورة. هذه أفكار ونقاط مهمة وضرورية وطرحها عليكم أيها الأعزاء -أنتم الثوريون وأنصار الثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة- يبدو أنه أنسب مكان لطرحها. أي إنَّ أفضل شيء هنا حقًّا هو طرح مثل هذه النقاط والأمور على أشخاص مثلكم.

أولا، إنجازات الثورة
أ ــ أحلت نظام السيادة الشعبية الدينية مكان النظام الطاغوتي
حول الثورة وتأثيرات الثورة: إنَّ الثورة كانت حركة كبيرة عظيمة جدًا. أنا أعتقد أننا وبعد قرابة أربعين سنة من انتصار الثورة، لم ندرك حتى الآن، أبعاد هذه الثورة وعظمتها بشكل صحيح. في المستقبل، عندما يجلسون وينظرون لهندسة الثورة من بعيد، سيتضح أكثر فأكثر ماذا كانت هذه الثورة، وماذا فعلت وماذا حدث. إن إنجازات الثورة وأفعالها كثيرة جدًا، الخدمات التي قدمتها الثورة لإيران خدمات كثيرة جدًا، فثمة لائحة طويلة جدًا في هذا الخصوص. والحال أنّ الأعداء يريدون إنكار ذلك، إلا أنّ هذه حقائق واضحة. لكن أهم عمل أساسي قامت به الثورة هو استبدال نظام سيادة الطاغوت بنظام السيادة الشعبية. وذلك انطلاقًا من التعاليم الإسلامية، وليس باستلهام آراء ومدارس هذا المُنظِّر وذاك المُنظِّر والنواقص والتعارضات الموجودة في أفكارهم. كلا؛ بل استلهام من الإسلام والقرآن «الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ»(6). إنه النظام الإلهي في مقابل النظام الطاغوتي. والجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية أعطت معنى للنظام الإلهي بأنه نظام السيادة الشعبية الدينية. هذا هو ما تعنيه الجمهورية الإسلامية؛ لقد بدّلت النظام الطاغوتي إلى نظام السيادة الشعبية. هذا هو أهم عمل قامت به الثورة.

1 ــ السيادة الشعبية: الشعب صاحب القرار في كل شؤون الحياة
السيادة الشعبية تعني بأنَّ الشعب هو الأصل. الأصل هو الشعب، ليس فقط في تعيين الحاكم. لأنه وبمجرد أن نقول السيادة الشعبية ينصرف ذهن الجميع إلى صناديق الاقتراع. حسنًا، هذا صحيح بدوره. تعيين رئيس الجمهورية، وتعيين خبراء القيادة وفي الواقع تعيين القائد، تعيين الأجهزة المختلفة، كل ذلك يحصل في الواقع بواسطة الشعب. هذا أمر مصيري حاسم وهو صحيح، ولكنه ليس الشيء الوحيد. الأمر المهم هو أنَّ السيادة الشعبية تعني جعل الشعب صاحب الرأي والتدبير واتخاذ القرار في كل شؤون الحياة.

2 ــ السيادة الشعبية:لا استبداد طاغوتي ولا نفوذ أجنبي

وهذا كان في النقطة المعاكسة تمامًا من الوضع الذي كان قبل الثورة في هذا البلد طوال قرون متمادية. لقد عانى هذا البلد طوال قرون متمادية من استبداد الطواغيت والسلاطين، فلم يكن للناس والشعب أي دور، وكان القرار بيد الطاغوت والطواغيت المحيطين بالطاغوت الأساسي، هؤلاء كانوا هم أصحاب القرار والرأي. أي إنه كان استبدادًا مطلقًا، وكان الناس وسيلة وأداة من أجل أن يستطيع المستبد التحكم ـ فالذي يريد أن يتحكم يجب أن يتحكم بأحد ما، فكان الشعب هدفًا للتحكم ـ كانوا يحتفظون بالشعب من أجل أن يتحكموا به. ومنذ أواسط العهد القاجاري أضيف إلى هذا الشيء مصيبة ومرض آخر:عبارة عن السلطة الخارجية والنفوذ الخارجي والاستعمار الأجنبي. لم يكن هذا الوضع في السابق، ففي زمن الصفوية وفي زمن نادر شاه والآخرين كان هناك استبداد، ولكن لم يكن هناك النفوذ الأجنبي، ولكن منذ أواسط العهد القاجاري ومن أواخر عهد ناصر الدين شاه قاجار فصاعدًا أضيفت الهيمنة الأجنبية أيضًا. أي إن نفوذ البريطانيين وهيمنتهم بدآ في إيران بشكل دقيق منذ عام 1800 ميلاديًا. دخل ممثل الحكومة الهندية ـ التي كانت حكومة بريطانية ـ إلى البلاد، وقد أشرت لهذا الموضوع بشكل مفصل في بعض المناسبات ولا أنوي التعرض لهذا الآن.

ترافق النفوذ الخارجي مع الاستبداد وأضيف إليه. أضيفت الهيمنة الخارجية إلى سلطة الطاغوت، ووصلت الأمور إلى أن السلسلة القاجارية التي كانت خاضعة بدورها لتأثير البريطانيين أُسقطت وأزيلت من قبل البريطانيين أنفسهم، وجاؤوا بسلسلة جديدة. البريطانيون هم الذين جاؤوا برضا خان إلى السلطة، ثم أزاحوه عن السلطة لسبب ما وجاؤوا بابنه مكانه، ثم تدخل الأمريكيون في أواسط الفترة وصاروا "الكلَّ بالكل" في هذا البلد الذي وفد إليه آلاف المستشارين الأمريكيين. السيادة الشعبية هي النقطة المقابلة والمعاكسة لهذا الوضع. بمعنى أنها لا تسمح بقيام استبداد؛ ولا تسمح بوجود هيمنة خارجية. هذه هي السيادة الشعبية.

3 ــ السيادة الشعبية: إحياء المواهب وتفجير الطاقات الخلاقة

وكما قلنا، فإن سيادة الشعب هذه ليست في الإدارة السياسية للبلاد فقط،.بل هي في الخدمات العامة في المدن والقرى أيضًا. وفي إحياء روحية الأعمال العظيمة والكبيرة في البلاد، والتي ترون نماذج لها ومصاديق واقعية لها في تأسيس الحرس الثوري، وفي تأسيس جهاد البناء، وفي تأسيس التعبئة. فجأة تظهر في البلاد حقيقة مثل جهاد البناء وتقوم بكل هذه الأعمال الكبيرة طوال عدة سنين. وكذا الحال بالنسبة لحرس الثورة أو التعبئة. هذا من نتائج حضور الشعب ومشاركته في تنمية وإبراز الطاقات الشعبية وتظهيرها. أي الطاقات والموارد البشرية في البلاد. والحال أنكم أنتم الشباب، لم تشهدوا ولم تروا ذلك الزمان، أمَّا الأكبر سنًا منكم، فيعلمون أنه كان يفد علينا الأطباء من الفليبين والهند وما شاكل. وليس في القرى والمناطق النائية بل حتى في المدن القريبة جدًا كان يأتينا أطباء من الفليبين مثلًا. بلدٌ كان عاجزًا إلى هذا الحد في موارده البشرية، نراه اليوم قد نهض وتطور إلى درجة أصبح معها في نفس مجال الصحة هذا قطبًا جاذبًا للعلاج في المنطقة. حيث يأتي الناس من أنحاء المنطقة لبلادنا اليوم من أجل معالجة الأمراض الصعبة ويعالَجون في مستشفياتنا على يد أطبائنا. تتفجر المواهب والطاقات الإنسانية، وفجأة تشاهدون [أيضا] أنه في المجالات العلمية الفلانية النادرة في العالم تحتل البلاد المرتبة الرابعة أو الخامسة في العالم بين أكثر من مائتي بلد. هذه هي السيادة الشعبية. السيادة الشعبية تنتج إحياء المواهب والطاقات. عندما يدخل الشعب إلى الساحة ويشارك، وعندما تمنح الثقة به، ويجري الاهتمام به ستكون هذه هي النتيجة. سوف تحيا مشاعر الثقة الوطنية بالنفس عند الشعب، عندها سوف يتقدم الناس في الميادين العلمية، وفي الميادين الصناعية، وفي العلوم الحديثة، وفي التأثير السياسي في المنطقة، هذا كله ناتج عن وجود الشعب ومشاركته وتأثيره على أحداث البلاد، وبذلك يكتسب البلد والشعب العظمة.

ب ــ الشعب أنجز تقدما كبيرا للبلاد في ظل السيادة الشعبية
لاحظوا اليوم مثلًا كيف أنَّ البلد الفلاني التابع لأمريكا والذي يبيع في اليوم الواحد عشرة ملايين برميل نفط، وتوجد في خزينته الأموال الطائلة، لكنه بلد فقير ومتخلف، ولا اسم ولا ذكر للشعب في ذلك البلد ولا دور له أبدًا. الشيء البارز في ذلك البلد هو عدد من الطواغيت على رأس الحكم ولا أثر للشعب ولا خبر عن ذلك البلد في أي مكان من العالم؛ بأن الشعب الفلاني فعل الشيء الفلاني أو قام بالحركة الفلانية والإنجاز الفلاني. أما عندما تتوافر السيادة الشعبية الدينية - مثل الجمهورية الإسلامية، مثل بلدنا العزيز- ففي النظرة العامة التي يلقيها العالم على إيران يجد أنَّ الشعب بارزٌ وذو دور أساسي، لذلك فإنَّ عداء الأعداء موجّه ضد الشعب. الأمريكيون الذين يعادوننا حاليًا لا يعادون شخصي أنا الحقير أو عدة أشخاص من رجال السياسة والحكم، بل يعادون الشعب، فالشعب هو "الكلُّ بالكل" هنا. وكل ما يغيظهم ويغضبهم أفعال الشعب وعظمة الشعب. أهمية الشعب ترتفع في السيادة الشعبية؛ بمعنى أنَّ الشعب يكتسب شخصيته ويكتسب وجهة عامة وعالمية ويحظى بعزة وحرمة شامخة. لم تكن أيّ من هذه الأمور في عهد الطاغوت، إنما توافرت في عهد الجمهورية الإسلامية ببركة الثورة.
حسنًا، نتيجة السيادة الشعبية هي تقدم البلاد، أنواع ومجالات التقدم مذهلة وخارقة للعادة حقًا. لقد أطلقنا على العقد الرابع من عمر الثورة اسم عقد التقدم والعدالة، وقد حصل التقدم في البلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولا نقول العدالة، فنحن في مجال العدالة متأخرون، وهذا مما لا شكَّ فيه، ونحن نعترف ونقرّ بذلك. خلال عقد التقدم والعدالة كان ينبغي أن نحقق نجاحًا في مجال التقدم وفي مجال العدالة أيضًا. في مجال التقدم كنا موفقين بالمعنى الحقيقي للكلمة، فقد تقدمنا حقًا، وقد تحقق التقدم في كل المجالات، ولكن في مجال العدالة يجب أن نسعى ونعمل، ويجب أن نعتذر من الله تعالى ومن الشعب العزيز. لدينا مشكلة في مجال العدالة، ولسوف نتقدم على هذا الصعيد أيضًا إن شاء الله بهمم الكفوئين المؤمنين من الرجال والنساء. ولكن في مجال التقدم المادي أنجزت؛ والحق يُقال؛ أعمال كثيرة جدًا ومهمة جدًا.

• تقدمنا كثيرا لكنّنا مقصرون في الترويج لإنجازاتنا
ليس التقدم أن يأتي الأجانب فيأخذوا أموال بلد ويبنوا له برجًا وناطحة سحاب. هذا ليس تقدمًا. البعض ينظرون إلى بعض هذه البلدان المحيطة بنا وثروتهم من النفط، ويرون أنَّ المطار هناك كذا والبرج الفلاني كذا،؛ كلا، ليس هذا تقدمًا. أن يأتي الأجانب ويأخذوا أموال بلد ويهينوا شعب ذلك البلد ويبنوا له برجًا فهذا ليس بتقدما، بل هو تخلف وتراجع وخسارة. إنَّ أعلى برج في المنطقة اليوم موجودٌ في أضعف وأعجز بلد في المنطقة! هذا ليس تقدمًا. التقدم هو أن يتمكن بلد وشعب بقدراته وإرادته وقراره وعلمه وطاقاته أن يصل بنفسه إلى الخطوط الأمامية. هذا هو التقدم، وهو ما تحقق في بلدنا والحمد لله. إننا اليوم قطب في مجال الطب والاستشفاء، ونسجل مرتبة علمية عالية في العالم، ولنا رأينا وموقفنا الأساسي في قضايا المنطقة، وحققنا مستوىً علميًا رفيعًا في المجال النووي، ومستوىً عاليًا في مجال علوم "النانو"، وكسبنا علمًا رفيعًا في مضمار "تقنيات الأحياء"، وسجّلنا مرتبة عالية في ميدان العلوم المتعلقة بالفضاء الافتراضي. هذا هو التقدم. الكثير من شبابنا ونظرًا لنبوغهم وعظمة طاقاتهم، ينتظرون حقًا مجرد إشارة للتحليق إلى القمم. نحن المسؤولون والمديرون لدينا تقصير في هذا المجال. وإلّا فإننا لو واكبنا الشباب أكثر قليلًا، لحلّق الشباب حقًّا ونبغوا في المجالات العلمية والتقنية والخدماتية والأعمال المتنوعة، كما يحلّقون عاليًا في المجالات المعنوية. لقد تقدمنا كثيرًا في مجال الأمن وفي مجال الدفاع وفي مجال الزراعة وفي مجال الصحة وفي المجال العلمي وفي مجال الطرق والمواصلات، تقدُّمنا جيد والحمد لله. لقد كان التقدم جيدًا في عقد التقدم والعدالة. وهذا كله من آثار ونتائج الثورة. وبالتأكيد، لأن إعلامنا ضعيف، فقد لا تعرف شعوب البلدان الأخرى بهذا التقدم. لكنَّ الأعداء يعلمون بالكثير من هذا. وأقولها هنا: إننا أقوياء في الكثير من المجالات، لكننا ضعفاء في الإعلام. في مجال الإعلام والإعلان والترويج لإنجازاتنا، لدينا قلة عمل وضعف وقلة إبداع! يجب أن نتقدم في هذا المجال. لكنّ أعداءنا الذين يرصدون كل قضايانا وأمورنا يرون الواقع ويشاهدون تقدم البلاد ويعلمون كم تقدم البلد وسار إلى الأمام.

وعليه، فقد أنجزت الثورة عملًا كبيرًا في البلاد: أخرجت البلاد من حال البؤس والشقاء وخلَّصت الشعب من حال الإذلال والمهانة، فشعبنا اليوم عزيز مرفوع الرأس، وهذا هو أهم نجاح لبلد ولشعب من الشعوب. والأمثلة من هذا القبيل كثيرة طبعًا، فهناك لائحة طويلة، ولكن كما قلتُ لكم ان إعلامنا ضعيف. أوصي المسؤولين أن يبادروا للإعلام والترويج، ليس بلغة المبالغة ولا بالتقارير الكلامية فقط ،بل بشكل عملي وبالأساليب الفنية، إلى تقديم تقارير صحيحة حول أنواع ومجالات التقدم في البلاد، حتى يتنبه بعض الأفراد المشككين والغافلين ـ البعض طبعًا ليسوا غافلين بل يشكّكون عن عمد ـ ولكي يعلم الناس في البلدان الأخرى أيضًا ما الذي صنعته الثورة. هذا فيما يتعلق بقضية الثورة.

ثانيا، الرجعية أخطر آفات الثورة
وحول معرفة الآفات التي تهدد الثورة ولأن الوقت بدأ يدهمنا ونحن نقترب من الظهر، أقول عبارات مختصرة. من أخطر آفات كل الثورات هو الرجعية. ما معنى الرجعية؟ معناها أن تضعف وتتراخى هذه الحركة التي بدأتها الثورة وكان الشعب يسير فيها بطاقة ثورية وبسرعة، تتراخى في بعض المواضع ثم تتوقف ثم تعود أدراجها إلى الوراء. هذه هي الرجعية. الرجعية معناها العودة إلى الوراء. كل الثورات الكبرى التي نعرفها في التاريخ: كالثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورات التي وقعت في البلدان الإفريقية وبلدان أمريكا اللاتينية وأماكن أخرى، ابتليت تقريبًا من دون استثناء بهذه المصيبة في السنين الأولى من عمرها. أما أن تمضي أربعون سنة ولا يمس شعارات الثورة أي تغيير، فهذا ما لم يحدث في أيٍّ من هذه الثورات.

1 ــ من تجليات الرجعية: الارستقراطية والاعتماد على الأجنبي

لقد استطعنا الحفاظ على هذه الشعارات. ولكنْ هناك خطر، ومن واجبي أن أذكر الخطر لشعبنا العزيز. إذا تحركنا نحو الأرستقراطية فهذا مسير باتجاه الرجعية، وإذا وقعنا في أسر رغبات الطبقات المرفّهة والجشعة في البلاد بدل الاهتمام بالطبقة الضعيفة المحرومة، فستكون هذه حركة نحو الرجعية. وإذا اعتمدنا على الأجانب بدل الاعتماد على الشعب وعقدنا الأمل على الأجانب، فستكون هذه مسيرة رجعية، وهذا ما يجب ألّا يحدث.

2 ــ إذا نسينا أهداف الثورة فلن يبقى ثورة
يجب على نخب المجتمع أن ينتبهوا ويحذروا، يجب على مديري ومسؤولي المجتمع أن ينتبهوا. على مديري البلاد أن يراقبوا ويحذروا بشدة، وعلى الشعب أن ينظر ويتابع سلوكنا وسلوك المديرين والمسؤولين بكل حساسية ودقة, الأمر يحتاج إلى حساسية عالية. الرجعية أمر خطير جدًا. إذا وقعت الرجعية فمعنى ذلك أن أولئك الأشخاص الثوريين السابقين ما زالوا على رأس الحكم، لكنهم غيّروا خطهم واتجاههم وغيّروا الدرب. وكأن الثورة حصلت ليذهب أولئك ونأتي نحن مكانهم. الثورة لم تحدث لأجل هذا. الثورة تغيير في المسار والطريق، الثورة تعني تحديد أهداف سامية والتحرك والسير نحوها. فإذا نسينا هذه الأهداف فلن تكون الثورة ثورة!

3 ــ قيام "نظام الدولة" لا يعني انتهاء مرحلة الثورة
يتخيل البعض أن الثورة كانت سنة 57 هـ.ش. [1979م] فقط وانتهى الأمر. هذا خطأ. الثورة بدأت سنة 79م ولم تنته. كانت بداية التغيير وبداية الحركة الإصلاحية في المجتمع في سنة 79؛ وقعت في الثاني والعشرين من بهمن [11 شباط] وبدأت من هناك. هذه الحركة يجب أن تتعمق وتتسع وتنمو وتزداد عقلانية بشكل تدريجي، لا أن تتوقف. فلا يكون الوضع بحيث إننا إذا قلنا إن فلانًا إنسان ثوري، يتكون عنه انطباع سلبي في الأذهان، أو إذا قلنا إن فلانًا ثوري فيعني ذلك أنه إنسان غير مفكر أو عشوائي فوضوي مثلًا. كلا، ليس الأمر كذلك. نعم، نظام إدارة البلد محترم، ودستور البلاد محترم، يجب مراعاة كل الأصول الدستورية، فالثورة تم تشكيلها في هذا القالب، لذلك ينبغي احترام هذا القالب، فهذا أمر لازم.

4 ــ الثورة هي النظام الثوري؛ النظام الإسلامي
وأنْ نتصور أنَّ الثورة تحفظ معناها من دون النظام فهذا خطأ آخر. وفي الجهة المقابلة أنْ يتصور البعض أن الإنسان يجب أن ينتهج أسلوب الاعتراض والنقد وما شاكل مقابل كل شيء، ومقابل كل الأحداث وكل مؤسسات النظام الإسلامي باسم الثورة، فهذا غير صحيح أيضا. الثورة تعني النظام الثوري؛ هذا النظام الإسلامي، نظام "الأمة والإمامة". يجب أن يكون نظام سيادة الشعب الدينية بأهداف الثورة وبحركة ثورية وباتجاه ثوري. هذا ما يجب أن يكون ويحدث. حسنًا، لحسن الحظ، الثوريون ليسوا قلة لدينا، وهم كثر. والثورة بين أبناء الشعب، الحمد لله الثورة هي عملة رائجة عندنا. وبين المسؤولين أيضًا أنصار الثورة ليسوا قلة بالمعنى الحقيقي للكلمة. يجب ألّا تزول هذه الحساسية والدقة.

• الأرستقراطية حركة مضادة للثورة
في إحدى زياراتي لأحد البلدان الإفريقية في زمن رئاسة الجمهورية، وكانت قد مضت عدة سنوات على انتصار الثورة في ذلك البلد؛ سبع أو ثماني سنوا. وكان رئيس الحكومة في ذلك البلد من ذوي البشرة السوداء، هو قائد الثورة، وكان قد أصبح رئيس حكومة بلاده. لاحظت أنَّ رئيس البلاد الذي نحن في ضيافته كان سلوكه في بلاده يشبه سلوك ذلك الجنرال البرتغالي الذي كان يحكم ذاك البلد قبل الثورة. السلوك نفس السلوك. ظاهر هذا البلد هو أنه كان في السابق تحت الاستعمار الإسباني أو البرتغالي، وطبعًا كان هناك سياسي عسكري برتغالي حكم هذا البلد لسنين. والآن فإن سلوك هذا السيد الذي هو رئيس الثورة هو سلوكٌ شبيهٌ بسلوك ذلك الجنرال! حسنًا، أي ثورة هذه؟ هكذا كانت نظرته للناس ونظرته لمن حوله وتعامله مع الآخرين. الجمهورية الإسلامية بعيدة كل البعد عن هذه الحال. كانت بعيدة عنها لحد الآن والحمد لله، وستكون بعيدة عنها بعد الآن أيضًا.

إن ارستقراطية المسؤولين وسعيهم وراء الامتيازات وعدم اكتراثهم لبيت المال وعدم اهتمامهم بالطبقة المستضعفة، هذه حركات مضادة للثورة. كل مؤسسات النظام وإداراته يجب أن تتحرك وتسير ونظرها متّجه نحو أهداف الثورة.

"الاقتصاد المقاوم" طريق الإصلاح لاقتصاد البلاد
حسنًا، من المسائل المهمة المطروحة اليوم هي المسألة الاقتصادية. سأذكر هذه المسألة هنا أيضًا. كل المسؤولين والمطلعين والعارفين وأبناء الشعب يعتقدون بشكل أو بآخر بأن قضية الاقتصاد هي اليوم من قضايا البلاد الأصلية. حسنًا، ما الذي يجب فعله لإصلاح اقتصاد البلاد؟ أحد السبل هو الاعتماد على الناس؛ أي الاقتصاد المقاوم. هذا ما أعلنّا عنه وصدّقه وأيده كل مسؤولي البلاد، أي إنه لم يواجه معارضة من أيّ شخص، وطبعًا يُسمع أحيانًا بعض التذمر والتبرم من هنا وهناك، ولكن عندما أُعلنت سياسة الاقتصاد المقاوم أيدها كل المسؤولين في البلاد، وأكدوا أنَّ هذا هو طريق الحل فقط لا غير. الاقتصاد المقاوم لا يعني الانزواء والسجن في داخل البلاد، فلا يقولنّ أحد: «نحن نريد التواصل مع العالم». في الاقتصاد المقاوم هناك علاقات مع العالم. ولكن ينبغي القول والتأكيد إن الثقة يجب أن تكون بالشعب والاعتماد عليه. أي الاقتصاد المتدفق داخليًا والمتّجه خارجيًا. تدفق الحركة الاقتصادية من داخل البلاد ومن مواهب الشعب وطاقاته وإمكانياته وأرصدته. ليكن هناك تدبير يجعل هذه الأرصدة وهذه المواهب وهذه الإمكانيات تنشط وتعمل وتنتج في الداخل وتنتج الثروة في الداخل. هذا بحاجة إلى تدبير. لا تكن نظرتنا وانتظارنا للخارج. طبعًا إذا أردنا للاقتصاد الداخلي الازدهار فيجب أن تكون لنا صادراتنا الجيدة، وأن تكون لنا وارداتنا في حالات معينة. أي يجب أن تكون لنا علاقاتنا الاقتصادية. هذا مما لا شكَّ فيه. يجب أن تكون هناك استثمارات خارجية في الداخل. إنني لا أعارض أن يأتي الأجانب ويستثمروا، لكن تدبير الأمور وزمام الأمور يجب أن يكون بيد المديرين الداخليين. فهم من يجب أن يقرروا وهم من يجب أن يديروا، فلا تترك الأمور بيد الأجانب. إذا تُرك زمام الأمور بيد الأجانب، فإنها ستخرج من أيدي مديري البلاد. لقد وقعت أحداث ذات عبرة في هذا المجال.

• الاعتماد على الأجانب مدمر لاقتصادنا

في طهران هذه، جاء رئيس أحد البلدان المعروفة في المنطقة - ولا نريد ذكر الأسماء؛ أحد البلدان الآسيوية المتقدمة نسبيًا والتي حققت تقدمًا اقتصاديًا جيدًا وكان لها نموها الاقتصادي- جاء إلى هنا قبل حوالي اثني عشر عامًا أو ثلاثة عشر عامًا وكان عندنا لقاء معه. وكان ذلك الحين زمن وقوع زلزال اقتصادي كبير في بلدان شرق آسيا، وكان هذا الشخص رئيس أحد هذه البلدان. جاء إلى اللقاء وبمجرد أن دخل مكان اللقاء، كان أول ما نطق به «لقد أصبحنا متسوّلين في ليلة واحدة». عندما يكون الاقتصاد تابعًا لرأس مال وإرادة رأسمالي يهودي وغربي وأمريكي فهكذا سيكون الأمر. بلد ناهض وناشط اقتصاديًا وله نموّه الاقتصادي العالي يقول لي رئيسه إننا أصبحنا متسولين في ليلة واحدة. هذا هو الاعتماد على الخارج. وقد شاهدنا نحن بأنفسنا الاعتماد على الأجانب في قضية الاتفاق النووي. وثقنا بهم في قضية المفاوضات النووية ولم نربح شيئًا من ثقتنا بهم. ولحسن الحظ أرى أن مسؤولي البلاد يتعاملون معهم بطريقة جيدة، ويجب أن أشكر حقًّا وزير خارجيتنا فتعامله مع خبث الأمريكيين ونفاق الأوروبيين كان تعاملًا جيدًا جدًا وحاسمًا. وقد بُثَّ البعض منه والبعض الآخر لم يُبث ولم يُعلن لكننا على علم به. تعامل تعاملًا قويًا وجيدًا جدًا. نعم، هذا هو الطريق، يجب التصدي والمواجهة ويجب إظهار العزة الوطنية في العلاقات الخارجية. الاعتماد على الأجانب خطير، الاعتماد على الأجانب يؤدي إلى أن يتسلط الأجانب على مصير البلاد تدريجيًّا بمختلف الطرق. يجب عدم الاعتماد على الأجانب. يجب الانتفاع من الأجانب، ولكن ينبغي عدم الاعتماد عليهم، ينبغي عدم الاعتماد عليهم. هذه من جملة القضايا المهمة جدًا التي ينبغي على كل مسؤولي البلاد التنبه إليها بشكل حقيقي.

أولوياتنا على أعتاب الذكرى الأربعين للثورة
حسنًا، نحن الآن على أعتاب الذكرى الأربعين للثورة. أربعون عامًا ليست بالزمن الكثير،؛ ليست بالشيء الكثير في تاريخ شعب من الشعوب، بل هي مدة يسيرة. لقد بذل شعبنا خلال هذه الأعوام الأربعين الكثير من الجهد وسار في طريق شاقّ حقًا. وقد فُرض علينا الحظر والعقوبات منذ السنة الأولى ومنذ اليوم الأول تقريبًا، واستمرت هذه الأنواع من الحظر بأشكال مختلفة وزادت. كل ما حدث وكل هذا التقدم والتطور حدث خلال فترة الحظر وفي ظروف الحظر. بمعنى أننا كنا في حالة حظر وأنجزنا كل هذا التقدم، وفي هذا دليل على قدرة الثورة وقدرة الشعب الإيراني.

لترجيح الإدارة الجهادية على النزعة البيروقراطية
لدينا أولويات: يجب أن نُرجّح الإدارة الجهادية على النزعة المكتبية البيروقراطية المهترئة. هذه من أولوياتنا. الإصرار على الإدارة الجهادية. ليقم مسؤولو البلاد في السلطة التنفيذية وفي السلطة القضائية وفي مختلف القطاعات بالعمل وفق الإدارة الجهادية. وليس معنى الإدارة الجهادية عدم الانضباط، بل معناها العمل الحثيث والجهد الدؤوب والسير بتدبير وعدم التمييز بين ليل ونهار في العمل، ومتابعة العمل وحل الأمور. هذا هو معنى الإدارة الجهادية.

في مجال السياسة الداخلية ينبغي ترجيح عموم الناس على الأقليات الحزبية والتيارات والمجموعات وما إلى ذلك؛ عموم الناس والشعب مقدمون على الكل.

في مجال الخدمات يجب أن نُرجّح المستضعفين والمناطق المظلومة والمناطق البعيدة على المرفهين. لحسن الحظ طوال هذه الأعوام جرى الاهتمام بالكثير من المناطق التي لم يمر بها الإعمار أبدًا؛ جرى الاهتمام بها من قبل الأجهزة المسؤولة وحتى الأجهزة التي لا تتولى مسؤوليات بشكل مباشر. لنفترض مثلًا الحرس الثوري قدّم خدمات وأعمالًا كبيرة في سيستان وبلوشستان. مع أن مهام الحرس الثوري ليست تقديم خدمات، لكن الخدمات التي يقدمونها للناس في المناطق المحرومة الفلانية بارزة ولافتة للنظر حقًا. هذه أعمال موجودة ويجب أن تتابع، وينبغي على كل أجهزة البلاد مراعاة هذه الأولويات.

في السياسات الدفاعية للبلاد يجب متابعة وتحديث كل الأساليب وكل الأدوات والوسائل التي تحتاجها البلاد اليوم وفي المستقبل. يجب أن لا نتردد للحظة واحدة في أن البلاد ينبغي أن تسير نحو توفير ما تحتاجه للدفاع عن نفسها، حتى لو عارض ذلك العالم كله. الذين يهددون البشرية باستمرار بأسلحتهم النووية والذرية المهلكة للبشرية يجلسون الآن ويتذرعون بصواريخ الجمهورية الإسلامية، مكررين «لماذا تصنعون الصواريخ؟» وما شأنكم أنتم؟! إنها وسائلنا الدفاعية وإمكانات الدفاع عن البلاد، فهذا الشعب يجب أن يتمكن من الدفاع عن نفسه. يقولون لا تمتلكوا وسائل دفاعية لنفرض عليكم بالقوة كل ما نريد! طبعًا نحن أنفسنا نعتبر بعض الأشياء محرمة ولا نسعى لها، مثل الوسائل النووية ووسائل الدمار الشامل. هذه لا نسعى وراءها، لكننا لا نتريث ولا نتردد فيما نحتاجه.

في السياسة الخارجية، يجب ترجيح الشرق على الغرب وترجيح البلدان الجارة على الدول البعيدة، وترجيح الشعوب والبلاد التي لها خصائص ومصالح مشتركة معنا على غيرهم، هذه من أولوياتنا في الوقت الحاضر.

قضية خلق فُرص العمل هي القضية الأهم في الاقتصاد، وقضية الإنتاج فوق كل القضايا. أعلنت هذه السنة بأنها سنة «الإنتاج وفرص العمل»، فيجب بذل الجهود والسعي والعمل في هذا المجال، وعلى كل مسؤولي البلاد أن يجدّوا ويجتهدوا ويسعوا في هذا الميدان. وبالطبع فقد أنجزت أعمال في هذه السنة، ورفعوا تقارير وإحصائيات، لكنّ الهدف المقصود يحتاج الى جهود وسعي أكثر. يجب أن نفعل ما من شأنه رفع معدلات فرص العمل في البلاد ورفع الإنتاج الداخلي في البلاد. هذا هو علاج الاقتصاد في البلاد.

ليعدّ الشباب أنفسهم من أجل مستقبل البلاد
وأريد أن أقول كلمة لمستقبل البلاد، اعلموا أولًا أنَّ على الشباب أن يجهزوا أنفسهم ويعدّوها من الناحية العلمية ومن الناحية العقائدية، ومن حيث الدوافع الثورية يجب أن يكون الشباب مستعدين دومًا. فالشباب هم المحرك لتقدم الثورة. وقد كانت هذه هي الحال منذ البداية وما زال الوضع ساريًا على نفس الحال. ولحسن الحظ فإن لدينا اليوم من الشباب ذوي العزيمة والهمّة والبصيرة أكثر مما كان لنا في بداية الثورة. لا بمقدار بداية الثورة، كلا. إن بصيرة شباب اليوم وعمق معرفتهم أكبر مما كان لدى الكثير من الشباب في بداية الثورة، وليس لدينا أي نقص في هذا المجال. هذا موجود والحمد لله. يجب على الشباب أن يعدّوا أنفسهم. هؤلاء الفتيان والفتيات والطلاب الذين يسيرون صوب مرحلة الشباب يجب أن يعدّوا أنفسهم؛ الأفكار الثورية والدوافع الثورية والبصيرة الثورية والأعمال والخطوات الثورية من العناوين الرئيسية التي ينبغي على شبابنا أن يتحلّوا بها ويحافظوا عليها.

اعلموا أننا أقوياء وسنزداد قوة

وليعلم الجميع أن الجمهورية الإسلامية قوية؛ إن الجمهورية الإسلامية قوية جدًا. والدليل على قوة الجمهورية الإسلامية هو أن كل الدول المستكبرة الخبيثة في العالم حاولت طوال أربعين سنة القضاء على الجمهورية الإسلامية ولم تستطع ارتكاب أي حماقة. الدليل على اقتدار الجمهورية الإسلامية هو بقاؤها طوال هذه العقود الأربعة، وفي هذه الأجواء غير المساعدة وفي هذه الأوضاع الصعبة والشاقة، وعلى الرغم من هذه الحالات الكبيرة من الأعداء، فإن الجمهورية الإسلامية بقيت صامدة وفي منتهى الحيوية. إذًا، هذا دليل على أن هذه الغرسة تحولت اليوم إلى شجرة قوية كبيرة ضخمة لا يستطيع الأعداء زحزحتها من مكانها. هذا البناء بناء رفيع ومتين جدًا، وسوف نزداد قوة، اعلموا ذلك!

الجمهورية الإسلامية سوف تزداد قوة. نعرف التهديدات ونسمع الكلام، والكلام الذي يقولونه علنيًا نسمعه، مضافًا إلى أن الكلام الذي يقولونه أحيانًا بشكل خفي في أوساطهم يصل الى مسامعنا في بعض الأحيان، نعلم أي مؤامرات يدبرونها ضدنا، ولكن على الرغم من كل هذا فأنا أكرر كلام الإمام الخميني أن «أمريكا لا تستطيع ارتكاب أي حماقة» (7). فرحنا كثيرًا للقائكم أيها الأعزاء، ولكل أهلنا الأعزاء في تبريز «منّن ده سلام يتيرين» (8).

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد علي آل هاشم (ممثل الولي الفقيه في محافظة آذربيجان الشرقية وإمام جمعة مدينة تبريز) كلمة بالمناسبة.
2 ـ إشارة إلى أناشيد ومدائح وأشعار جماعية ألقاها الحاضرون قبل كلمة الإمام الخامنئي.
3 ـ أمالي الصدوق، ص 125.
4 ـ الكافي، ج 1، ص 459.
5 ـ شعار رفعه الحضور باللغة الآذرية ويعني: راية الثورة الطاهرة هي مأمننا منذ أربعين عامًا.
6 ـ سورة النساء، جزء من الآية 76.
7 ـ صحيفة الإمام الخميني، ج 10، ص 515.
8 ـ عبارة باللغة الآذرية تعني: "بلّغوهم سلامي".
 

2018-02-23