يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه المشاركين في قوافل «السائرون على طريق النور»

2018

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه الناشئة والشباب المشاركين في قوافل «السائرون على طريق النور»

عدد الزوار: 21

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه الناشئة والشباب المشاركين في قوافل «السائرون على طريق النور» (راهيان نور)_2018/03/10

"قوافل النور" أحد عوامل حفظ أمثولة "الدفاع المقدس"

محاور رئيسية
• سنوات "الدفاع المقدّس" أثمرت عزّة واستقلالًا
• عملُكم كفاح شعبي عظيم لإحياء"الدفاع المقدس"

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، لا سيما بقية الله في الأرضين.
أرحّب بكم كثيرًا أيها الشباب الأعزاء، أبنائي الأعزاء، يا من مستقبل البلاد بأيديكم. إنكم بالمعنى الحقيقي للكلمة أصحاب مستقبل هذا البلد ومديروه ومدبّروه. كلّ إدراكٍ من إدراكاتكم، وكلّ قرار من قراراتكم، وكلُّ مبادرة من مبادراتكم تؤثّر في تكوين شخصياتكم حاليًا؛ تؤثر في مستقبل هذا البلد. وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية.

سنوات "الدفاع المقدّس" أثمرت عزّة واستقلالًا
فيما يتعلق بقوافل «السائرون على طريق النور» نقول إنَّ هذه الحركة الناجحة والحمد لله - والتي انطلقت في البلاد منذ عدة أعوام وأخذت بالنموّ والتطور يومًا بعد يوم - هي من تجليات تكريم فترة الدفاع المقدس وتثمينها. ينبغي تكريم فترة الدفاع المقدس حقًّا وإحياؤها وتعظيمها وتعزيزها، لأن تلك الأعوام الثمانية - سنوات الدفاع المقدّس الثماني- أضحت الضمانة لحيثية البلاد وهوية الشعب والأمن الحالي وعزة الشعب الإيراني. طالعوا واقرأوا في هذا المجال ما استطعتم ودققوا وتابعوا وسوف تصلون بالتأكيد إلى هذه النتيجة؛ وهي: لو لم تكن هذه الأعوام الثمانية من الدفاع المقدس - بتلك الخصوصيات- في هذا المقطع من تاريخ بلادنا، لما كان لبلادنا ولشعبنا اليوم – قطعًا- عزة ولا أمن ولا سلامة ولا استقلال ولا حرية. لقد كانت تلك الأعوام الثمانية -والتي هي في الظاهر حرب وضغوط وخوف وأهوال ومشكلات كثيرة- نعمةً إلهيّةً في باطنها. لقد كانت من الألطاف الإلهية الخفيّة التي مُنحت لهذا البلد ولهذا الشعب. هذه أمور يجب أن تذهبوا أنتم وتتابعوها بأنفسكم وتحققوا وتبحثوا فيها. ولا شكّ في أنَّ كل من يبحث ويحقّق تحقيقًا صحيحًا وكاملًا في هذا المجال سوف يصل إلى هذه النتيجة نفسها. حسنًا، يجب أن نقدّر هذه الفترة ونُعززها ونُجلّها. هذا الاقتدار الذي يتمتع به شعبنا وبلدنا في الوقت الحاضر هو نتيجة ذلك الدفاع المقدس وتلك الأعوام الثمانية الذهبية في تاريخ بلادنا وفي المقطع والحقبة الخاصة لتحقّقه وحدوثه.

عملُكم كفاح شعبي عظيم لإحياء"الدفاع المقدس"
علينا إحياء هذا المقطع النوراني. ثمة اليوم دوافع ومحفّزات لدى أعداء هذا الشعب للدّفع بفترة الدفاع المقدس نحو النسيان، أوالتشكيك فيه أو تشويه سمعته. تُنفَق اليوم الأموال من قبل القوى الكبرى المعادية لإيران بغية تحقق هذا الأمر، ومن أجل إيداع فترة الدفاع المقدس في مطاوي النسيان. العمل الذي تقومون به هو كفاح شعبي عظيم مقابل النشاط الذي يقوم به العدو. تاريخ الدفاع المقدس وفترته ذخرٌ يجب الاستفادة منه لتقدم البلاد وللازدهار الوطني وللجاهزية في ساحات كثيرة يواجهها كل شعبٍ أمامه.

"الحرب المفروضة": هدفها ودفاع الشعب في مواجهتها
حسنًا، هناك الكثير من الكلام ليُقال عن الدفاع المقدس. وأقولها لكم: لقد كُتبت حتى اليوم [الكثير من] الكتب والمذكرات والخواطر، وأُنتجت الأفلام. وقد كانت الكثير من هذه الإنتاجات جيدة جدًا وقيّمة حقًّا. لكن لا تزال هناك أبعاد متنوعة في قضية الدفاع المقدس لم يتمّ الحديث عنها بعد، ولم يجرِ التحقيق والعمل عليها؛ ولا تزال بِكرًا لم يتطرق إليها أحد. وأشير اليوم إلى بُعدين اثنين من هذه الأبعاد المتنوعة لكم أيها الشباب الأعزاء.
البُعد الأول يتعلق بسبب هذه الحرب والعِلّة التي أدّت إلى تعرّض إيران لذلك الهجوم. والبُعد الثاني حول كيفيّة دفاع الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني في هذه الحرب التي فُرضت عليها. وقد ذكرت أننا عندما ننظر إلى مجموع هذه الأمور وندقّق في هذه الحرب المفروضة وهذا الدفاع وتلك النوايا السيئة والخُبث الذي مارسه العدوّ ـ وفي المقابل ـ تلك الحالات من الشجاعة والمظلومية التي كانت من جانب الشعب الإيراني، نجد أنها كلّها كانت لطفًا إلهيًا، ولكن ينبغي بالتالي تحليل هذه الأمور ومعرفتها. أذكر اليوم لكم أيها الشباب الأعزاء هاتين النقطتين باختصار.

أ ــ هدف الحرب المفروضة: القضاء على الثورة
ماذا حصل حتى تعرّض الشعب الإيراني فجأة للهجوم من قبل جاره الغربيالذي لم يكن يتدخّل في شؤونه[1] ولم يعتدِ عليه، واستمر هذا الهجوم ثمانية أعوام؟ ما كان السبب؟ السبب هو عظمة الثورة وأبّهتها وهيبتها. عندما وقعت الثورة الإسلامية أخافت عظمتها وأبهتها وهيبتها الأعداء من القوى العالميّة الكبرى وأرعبتهم. هذا واقع. فالمتربّعون على عرش القوة المهيمنة على العالم كله والذين كانوا يُهدِّدون العالم كله ولا يخشون أحدًا ـ وهم القوى الكبرى الرأسمالية الغربية وعلى رأسهم أمريكا، ومن ثم أوروبا ــ حيث كانت البلدان الأوروبية ترى نفسها في ذروة القوة والاقتدار. وبالطبع، الاتّحاد السوفياتي في الطرف الآخر. وسوف أشير إلى هذا الجانب أيضًا - هؤلاء الأقوياء الذين كانوا يشاهدون أنفسهم في ذروة القوة، اهتزّت عروشهم بانطلاق الثورة الإسلامية في إيران. لقد اهتزّ العالم تحت أرجل هؤلاء، فأصيبوا بالرعب حقًّا. ولم يكونوا قادرين على التحليل بصورة صحيحة لمعرفة ما هي هذه الظاهرة التي وقعت في إيران. في عالم المادية، في عالم اللادين، في عالم عدم الاكتراث للفضائل، في عالم عدم الاكتراث للإسلام بالخصوص. وفي بلد يُنفِّذ حكّامه كل إرادات الغرب بحذافيرها وتفاصيلها، تحدث فجأة ثورة على النقيض تمامًا من إرادتهم وعلى النقيض تمامًا من أهدافهم المادية والشهوانية اللاهثة وراء الدنيا، وتكون هذه الثورة قائمة على أساس الإسلام، وعلى أساس الدين، وعلى أساس الفضيلة. هذا الشيء لم يكن مفهومًا بالنسبة إليهم إطلاقًا؛ أن يأتي شبابٌ عُزّل وينزلوا إلى الميادين ويواجهوا السلاح بصدورهم العارية، ويأتي الطالب الجامعي، وتلميذ المدرسة - وتعلمون أنَّ من الفصول المهمة للكفاح الدامي في هذا البلد هو مشاركة طلبة المدارس حيث نزل طلبة المدارس في الثالث عشر من آبان [4 تشرين الثاني 1987م] إلى الميدان، ولم تكن القضية قضية طلبة جامعات أو رجال كبار في السن وما إلى ذلك، بل كانوا ناشئة من الثانويات، بل إنَّ بعضهم أصغر سنًّا حتى من ذلك - إلى كبار السن والشيوخ ومختلف الشرائح والطبقات، وينزلوا إلى الميادين في كل المدن وفي كل القرى، الشيء الذي أدهشهم وحيّرهم: "فأيّ ظاهرة هذه التي حدثت"؟! لذا أصيبوا بالرعب. وكلما مرّ الوقت تحولت هذه الحيرة التي انتابتهم إلى مزيد من الرعب. بمعنى أنّهم لم يكونوا ليشعروا براحة البال مع مرور الوقت، بل كانت مشكلاتهم وقلقهم وهواجسهم تزداد أكثر فأكثر، لماذا؟ لأنهم وجدوا أنَّ هذه الثورة واجهت إقبالًا وترحيبًا بين الشعوب المسلمة في كل العالم. ففي البلدان التي كان رؤساؤها تابعين لأمريكا رفعت الشعوب فيها الشعارات الداعمة للثورة الإسلامية. في سنة 58 و 59 [1979 و 1980 م] في بداية الثورة، أُلقيت في كل البلدان الإسلامية تقريبًا كلمات مؤيّدة للثورة الإسلامية ورفعت الشعارات وألقيت الخطابات وكتبت المقالات. وهذا ما أثار رعب [دول الاستكبار] وفزعها، ووجدتْ بأنَّ إيران قد أفلتت من أيديها- وقد كانت في السابق مهيمنة على إيران - وكانت تخشى أن تؤدي سيطرة ثقافة الثورة على الشعوب وأن تنتشر بين الشعوب المسلمة إلى خروج سائر البلدان الإسلامية وسائر الحكومات الإسلامية من أيديهم، لذلك فكرت في القضاء على هذه الثورة مهما كان الثمن. ومن هنا بدأت حرب نظام صدام البعثي ضد إيران.

1 ــ شعار الحرب الكاذب للمعتدين
لقد كانوا يعلمون أنّ صدام شخص تتوافر فيه أرضية حركة أنانية متكبّرة ظالمة. إذ كان بطبعه معتديًا وغاشمًا. وكانوا يعرفونه؛ فهم يعرفون الشخصيات السياسية. ولم يكن صدام رئيسًا للعراق حين انتصرت الثورة، بل كان شخصًا آخر ــأحمد حسن البكر ــ لكنّهم رتبوا الأمور بحيث يُنحّى ذاك ويصبح هذا رئيسًا لجمهورية العراق ليحضُّوه ويشجّعوه ويحثّوه على شن هجوم عسكريّ على إيران.

وقد كان الهجوم العسكري على إيران في البداية بذريعة - وهذا ما قالوه ورفعوا شعاراته- أنهم يريدون فصل المناطق النفطية عن إيران وإلحاقها بالعراق. كان هذا مجرّد كلام، فالقضية لم تكن قضية مناطق نفطية، إنما كانت القضية أصل الدولة وأصل الثورة. لقد أرادوا القضاء على الثورة. وقد وقفت أمريكا وأوروبا القوية - ولم تكن هناك أهمية للدول الأوروبية من الدرجة الثانية والثالثة، لكن أوروبا الأساسيّة أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا؛ البلدان التي لها مكانتها وقوتها وقدرتها في أوروبا- كلُّها وقفت مع صدام وساعدته ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، ساعدوه بقدر ما استطاعوا المساعدة!

2 ــ الحرب المفروضة مؤامرة دوليّة عظيمة
وقد كانت فِرق [جيش] نظام صدام معدودة في بداية الحرب، وإمكاناته وقدراته أيضًا كانت بالحدود المألوفة الطبيعية، ولكن مع مرور الوقت -وبمضيّ ستة أشهر، سنة، وسنتين- ازدادت هذه الإمكانيات يومًا بعد يوم. الحرب تُبدّد الإمكانيات والقدرات. فقد كنّا نحن ـ مثلًا ـ نملك في بداية الحرب عددًا من الدبابات، فدُمّر بعضها فيما بعد. وافترضوا مثلًا؛ أنّنا كنّا نملك عددًا من المدافع فدُمّر واستُهلك بعضها. وكان لنا عتاد فنفِد واستُهلك الكثير منه. فهذه الأشياء تُستهلك حتمًا في الحرب، والحرب تُقلّل الإمكانيات والقدرات. كلما امتدت الحرب واستمرت كانت إمكانيات النظام البعثي تزداد؛ فمن كان يوفّر له [هذه الإمكانيات]؟ إنها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأمريكا، والاتحاد السوفياتي الذي كان ضدَّ أمريكا، [لكنّه] دخل الميدان في هذه القضية إلى جانبها، لسبب خاص به: فالاتحاد السوفياتي كان يضمُّ عددًا كبيرًا نسبيًا من الجمهوريات المسلمة، وقد أدت الحركة الإسلامية والثورة الإسلامية في إيران إلى أن تفكر تلك الجمهوريات بهويتها الإسلامية، ولم تكن حكومة الاتحاد السوفياتي على استعداد [لتقبّل] ذلك. ولهذا فقد اصطفّت في هذه القضية - قضية الحرب والعمل ضدنا- إلى جانب أمريكا عدوها القديم. إذًا، كانت أمريكا والاتحاد السوفياتي والناتو - أعضاء حلف الناتو وهم أوروبا وأمريكا وما شاكل - وكل القوى المهيمنة في العالم التي اصطفت وراء صدام وساندته ضدَّ الجمهورية الإسلامية؛ تريد القضاء على الجمهورية الإسلامية. هذا كان الهدف. لم يكن الهدف احتلال خُرَّمشهر أو قصر شيرين أو ما شاكل، بل كان الهدف أن يأتوا [إلى هنا]. وقد قال صدام في بداية الأمر إننا نتحدث الآن هنا،،وسوف نتحدث بعد أسبوع في طهران، هذا ما خططوا له. وهذا كان سبب الحرب. أي إنَّ الحرب المفروضة كانت مؤامرة دولية عظيمة لأقوى القوى في العالم ضد الجمهورية الإسلامية الفتيّة. وذلك نظير أن تهجم كل الحيوانات المتوحشة على إنسانٍ وحيدٍ أعزل بلا سلاح. هكذا كان الأمر في الواقع.

لم يكن للجمهورية الإسلامية في ذلك الحين قوات مسلحة منظّمة، ولا جهاز استخباراتي منظّم [ومهيّأ].كانت الثورة في بدايتها حينها وكان كلُّ شيء مبعثرًا غير منتظم بعد. الشيء الوحيد الذي كانت الجمهورية الإسلامية تمتلكه هو شعبٌ مؤمنٌ وقيادةٌ مقتدرةٌ كالإمام الخميني الجليل. هذا هو الشيء الوحيد الذي كان الشعب يمتلكه. خلال الحرب منحت فرنسا العراق أكثر طائراتها ومروحيّاتها تطوّرًا. وقامت ألمانيا بتزويد نظام صدام بالمواد الكيميائية والسامة لاستخدامها في جبهات الحرب.

هؤلاء الذين يهاجمون اليوم الجماعة الفلانية والبلد الفلاني بتهمة استخدام المواد الكيميائية قد زوّدوا صدام رسميًا وعلنًا بالمواد الكيميائية ليصنع قنابل وأسلحة كيميائية ويستخدمها في الجبهات؛ وقد استخدمها. ولا نزال بعد مضي ثلاثين عامًا على نهاية الحرب -29 سنة تقريبًا مضت على نهاية الحرب- لا يزال لدينا أشخاص بين المقاتلين، وليسوا بقلّة، مصابون ويعانون بسبب استنشاق المواد الكيميائية، كما استُشهد الكثيرون جرّاء هذا الأمر. وقد ساعده [صدام] البريطانيون أيضًا، وساعده الأمريكان، بخرائطهم العسكرية وأقمارهم الصناعية. كلُّ الأجهزة الشيطانية في العالم ساعدت هذا الشيطان البائس المتكبر المغرور الأناني - أي صدام - ضدَّ الجمهورية الإسلامية لتحدث هذه الحرب وتستمر وتنتهي بانتصاره حسب ما أرادوا. وبالطبع كانت كلّ هذه المساعي كسهم طائش لم يصب هدفه بل ذهب هباءً واصطدم بالصخر. وعلى الرغم من كل هذا، فقد بذلوا قصارى جهودهم طوال ثمانية أعوام ليسيطروا على شبرٍ واحدٍ من تراب الجمهورية الإسلامية لكنهم ما استطاعوا. فقد حقّق الشعب الإيراني الانتصارات طوال هذه الأعوام الثمانية على كل هذه القوى. هذه هي النقطة الأولى؛ وهي سبب الحرب.

ب ــ دفاع الشعب كان استثنائيا مصحوبا بالعزيمة والإيمان
أما [النقطة الثانية] عن كيفية الحرب ونوع الدفاع الذي دافعه مقاتلونا في ساحة الحرب، فلا يتذكر أحدٌ منكم أيها الأعزة فترة الحرب. وبالطبع فإنكم تعرفون بعض الشخصيات، وقد قرأتم كتبهم.وأوصيكم بأن تقرأوا هذه الكتب التي كُتبت حول هذه الشخصيات العزيزة العظيمة الخالدة والاستثنائية واقعًا. اقرأوا هذه الكتب. لقد كان دفاعنا دفاعًا استثنائيًّا مميّزًا مصحوبًا بالعزيمة والإرادة الصلبة. لقد كانت الإرادة والعزيمة والتصميم الحاسم يملأ جبهاتنا القتالية. كان دفاعًا مصحوبًا بالإيمان، بمعنى الاعتقاد بحقانية الذات وبطلان العدو. وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية.

فالشخص الذي يكافح ويحارب في الميدان إن كان صاحب إيمان؛ أي مؤمنًا بحقانيته وبأحقية دربه فسوف يساعده ذلك على التقدم إلى الأمام. وإذا كان هذا الإيمان إيمانًا بالله وإيمانًا بالغيب فسيكون ذلك نورًا على نور وشيئًا استثنائيًا. وقد كان هذا هو العامل الذي حقق للمسلمين تلك الانتصارات في صدر الإسلام. وقد حدث الشيء نفسه في زماننا. كانت هناك عزيمة، وكان هناك إيمان وكانت هناك تضحية. والتضحية كانت نتيجة ذلك الإيمان. أي لم يكن الموت بالأمر الخطير بالنسبة إليهم. فقد كانوا واقعًا على استعداد لبذل نفوسهم في سبيل الله والجهاد في سبيله. هذه الذكريات التي تُكتب زاخرة بالتضحيات التي تُعدُّ حقًّا دروسًا لنا جميعًا. إنني كلما قرأت أحد هذه الكتب - وأنا أُكثر من قراءتها- أشعر حقًّا بالصغر في نفسي أمام تلك العظمة الكامنة في هذه الأعمال وفي هذه التضحيات.

خصوصيات جنودنا أثناء الدفاع المقدس
أ ــ الإبداع والإبتكار
والابتكار من الخصوصيات الأخرى للدفاع المقدس، روح الابتكار والأعمال الإبداعية الجديدة وتجاوز التقاليد المألوفة لكثيرٍ من جيوش العالم التي تتمتع بتجارب واختبارات، وإيجاد سبل جديدة واكتشافها. لقد كان الأمر هكذا حقًّا. ويمكن لكم أن تلاحظوا [الإبداع والابتكار في الدفاع المقدس] إذا كنتم من المتابعين. لقد كان الإبداع والابتكار من أهم القضايا التي تحلّى بها جنودنا.

ب ــ الترقي المعنوي
ومن ثم التوسلات والتوجّهات المعنوية. لقد كانت الجبهات مكانًا حينما يقصده الأفراد العاديون يدخلون بحق في وادي الإخلاص والصفاء والعرفان، وبشكل تلقائي حتمي. لقد كانت هذه خصائص جنودنا. لذا أصبحت هذه الحرب نفسها صانعة للإنسان. بمعنى أنَّ الدفاع المقدس أدى بكل واحد من شبابنا العاديّين -الذين إما أنهم كانوا طلبة مدارس أو طلبة جامعات أو كسبة أو قرويين أو عُمالًا أو مزارعين، متعلمين أو غير متعلمين- الذين يسارعون أكثر ويتقدّمون في هذا الاختبار إلى التسامي في المراتب والمقامات الإنسانية العالية.

الحرب المفروضة أصبحت مصنعا للشخصيات البارزة
هذه الشخصيات البارزة المهمة من أمثال الشهيد هِمَّت والشهيد خرَّازي كيف تظنون أنهم كانوا؟ فالشهيد هِمَّت الذي هو أسطورة حقًّا، والشهيد خرازي الذي هو أيضًا كذلك، كانوا شبابًا عاديّين، والحرب هي التي صنعت منهم هذه الشخصيات البارزة الكبيرة الخالدة حقًا. أو أشخاص من قبيل الشهيد باكري أو برونسي. الأسطا عبد الحسين برونسي بنّاء لم يكمِل تعليمه، [لكنّه] عندما كان يقف بين المقاتلين في ساحة الحرب ويتكلم - ويعلم ذلك الذين كانوا يقفون أمامه ويسمعون حديثه وخطاباته- كان يتكلم كحكيمٍ وعالم عاقل ويقنع الطرف المقابل [ويؤثر به]. الحرب تصنع الإنسان. هذا الدفاع المقدس بهذه الخصوصيات التي ذكرتها ربّى وصنع مثل هؤلاء الأفراد. لقد كان "تشيت سازيان"[2] فتًى في السابعة عشرة من عمره حينما دخل ساحة الحرب، وإذا به يتحول إلى رمز خالد ونجم متألق يجدر بي وبأمثالي وبكم وبالجميع أن يستفيدوا الدروس من كلماته. لقد صُنِعَ آلافُ الشباب من هذا القبيل في ساحات الحرب.

لقد كانوا يتحلّون بالتعقّل والتدبير. أن نتصوّر بأنّهم كانوا يهجمون على قوات العدو بلا تفكير ولا تدبّر فهذا ليس بصحيحا. بل كانوا يعملون بتدبير وتعقّل. لقد كان تحرّك شبابنا في ساحات الحرب تحرّكًا عقلانيًا عن وعي وتدبير. وكانوا يمتازون بالتعقّل والتدبير والشجاعة والبسالة والتضحية والعبادة. فكانوا خلال النهار أسودًا زائرة وفي الليل زهّادًا عُبّادًا متضرّعين بالمعنى الحقيقي للكلمة. ليوث النهار رهبان الليل. هكذا كانوا.

ــ الإمام الخميني:إعداد الشباب فتحُ الفتوح
لذلك قال الإمام الخميني في إحدى كلماته العالية المضامين، وبعد أحد الانتصارات التي حصلت في بداية الأمر (2) -في سنة 60 [1981 م] حصل فتح، وهو فتح مدينة بستان الذي كان في غاية الأهمّيّة، وعُدّ بعد فترة من التراجع والانكسارات المتنوّعة انتصارًا كبيرًا. وهذا بالطبع مضمون كلامه، وعبارته موجودة في الكتب؛ قال: إنّ فتح الفتوح ليس فتح المدينة الفلانية، إنّما هو تربية وإعداد مثل هؤلاء الشباب. هذا هو فتح الفتوح. وهذه هي حقيقته. فتح الفتوح بالنسبة إلى بلد من البلدان هو أن يكون شبابه متعقلين، مدبّرين، مؤمنين ورعين، من أهل التضرع والبكاء والعبادة، وأيضًا من أهل الصمود والثبات أمام العدو، وأن يكونوا كذلك أصحاب بصيرة فلا ينخدعون رغم كل هذه الدعايات التي بثُّها العدو وأذنابه في كل الأزمنة ويبثّونها اليوم أيضًا. عندما يكون أمثال هؤلاء الشباب موجودين في البلد، سيكون ذلك البلد منيعًا مصونًا.

وكما قلتُ فأنتم غد البلاد وأنتم مستقبلها. إذا ربّيتم وأعددتم أنفسكم على هذه السمات والخصائص فسوف يصل البلد قريبًا -وليس في المستقبل البعيد بل في المستقبل القريب- إلى ذروة السمو والتكامل من النواحي كافّة؛ سيبلغ الذرى سواء من الناحية العلمية أو من الناحية المادية أو من الناحية السياسية أو من الناحية الاقتصادية. هكذا هم الشباب.

" قوافل النور" إحدى عوامل حفظ أمثولة "الدفاع المقدس"
هوية الدفاع المقدس [تتلخص في أنَّ]: عداء القوى العالميّة الكبرى هو من أوجد هذه الحرب، وعظمة شبابنا وتضحياتهم قد أنهت هذه الحرب لصالحنا. لقد بدأوا الحرب بهدف القضاء على الثورة الإسلامية تمامًا، ونزل هؤلاء [الشباب] إلى الساحة بهذه الروح وعملوا ما من شأنه أن تزداد الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية قوة وتجذّرًا يومًا بعد يوم. هذه هي هوية الدفاع المقدس. ينبغي الحفاظ على هذه الهوية وصيانتها وحراستها. إنّ عملكم، وحركة "السائرون في قوافل النور" من كل أنحاء البلاد؛ هذه الملايين التي تسير كل عام شيبًا وشبانًا وتتوجّه إلى تلك المنطقة، هي في الواقع إحدى مظاهر حراسة تلك الفترة النيّرة وتلك الحقيقة النورانيّة، أي حقيقة الدفاع المقدس.

أعدّوا أنفسكم وتجهزوا لمقارعة عدوكم
حسنًا، مضى على انتصار الثورة أربعون عامًا، وأعماركم أنتم الآن لا تزيد عن 18 أو 20 أو 25 سنة. لقد كان أولئك يتوقّعون ويريدون عندما يشبّ هذا الجيل أي جيلكم ويتولّى الأمور ويصل الدور إليكم، أنْ لا يكون هنالك أي أثر للإسلام والثورة في هذا البلد. وأن يكون الأمريكيّون والقوى الكبرى في العالم والرأسماليون الصهاينة مهيمنين على سياسة هذا البلد وهوية هذا الشعب، وعلى كل شيء في هذه البلاد. هذا كان توقعهم، وقد بدأوا عملهم بهذه النية، وأشعلوا الحرب بهذه النية، وبهذه النية واصلوا هجماتهم الناعمة والصلبة بعد الحرب إلى هذا اليوم. فماذا كانت النتيجة اليوم؟ النتيجة كانت أنه يوجد اليوم بين هذا الجيل أفرادٌ تفوق استعداداتهم للتكامل والتفتّح استعدادات الجيل الأول. وقدراتهم مقابل العدو الخبيث المعتدي والمهاجم تفوق قدرات الجيل الأوّل. ولا شكَّ في أنه إذا كان شبابنا قد استطاعوا يومذاك أن يرغموا العدوّ على التراجع، فإنَّ شبابنا اليوم أكثر استعدادًا وبمراتب لإرغام العدو على التقهقر والتراجع. لقد مكروا وخطّطوا، إلّا أنّ الإسلام والجمهورية الإسلامية والإرادة الإلهية أفشلت مخطّطاتهم. وسوف تفشلها إن شاء الله أكثر فأكثر يومًا بعد يوم. فيا أيّها الشباب الصالحون، أعدوا أنفسكم وكونوا جاهزين.

وصايا تخص قوافل «السائرون على طريق النور»:
- أولًا، لتقدِّم كل الأجهزة ـ كلٌّ بدوره ـ المساعدة لهذه الحركة. وعلى جميع أجهزة البلاد المختلفة التي تستطيع مساعدة هذا الحراك أن تقدّم المساعدة. بالطبع، وكما جاء في هذا التقرير [الذي قدمتموه] فإنَّ بعض الأجهزة والمؤسسات تساعد بشكل جيد جدًا، لكن الاعتقاد هو أن هذا العمل ينبغي أن يحظى باهتمام كل أجهزة الدولة ومؤسساتها. والشيء الآخر هو أن تُعزّز مهما أمكن الأبعاد الثقافية والاجتماعية لقوافل طريق النور. وليُنظر فعلًا كيف يمكن تأمين العمق الثقافي لهذه الحركة الشعبية العظيمة، وليتابع هذا الأمر.

- والتوصية الأخرى هي للرواة، الذين يروون الأحداث للمسافرين والقاصدين تلك المناطق، بأن يراعوا الأمانة تمامًا في رواياتهم. إنني أعارض المبالغة والزيادة وما شاكل. لا داعي أبدًا لأن نبالغ، فما حدث فعلًا يحظى بالشرف ويمتاز بالمحفّزيّة والجاذبية بما فيه الكفاية، ولا ضرورة لأن نضيف إليه شيئًا. أحيانًا نسمع بأنهم يضيفون دور الإمدادات الغيبية بشكل عامّي [على الطريقة العاميّة]. لقد كانت هناك إمدادات غيبية يقينًا، وقد شهدنا [ذلك] ونعلم أنه كانت هناك إمدادات غيبية، إلّا أنّ الإمدادات الغيبية بالأشكال العامّيّة التي يصورونها أحيانًا لم تكن موجودة. الله تعالى يُمدّ ويُساعد بالتأكيد، وقد أمر الله تعالى ملائكته في معركة بدر بالنزول ومؤازرة المجاهدين في سبيل الله. وهذا ما يفعله الله تعالى للمخلصين في كل مكان، لكن يجب أن لا نقع في المبالغة والزيادة وما شاكل في بيان هذه الأمور.

- يجب أن تروى الأحداث المهمة لفترة الدفاع المقدس في الكتب المدرسية. وتُنقل الأحداث البارزة والمؤكّدة التي وقعت إلى الكتب المدرسية ليطّلع عليها شبابنا. كُتبت الكثير من الكتب، وبعض الكتب ضخمة وتفصيلية قد لا يقرأها كثيرون، لذا يمكن اقتطاع أجزاء منها وإدراجها في الكتب المدرسية في المواضع المناسبة.

- كما إنّ مراعاة أمن وسلامة المسافرين الأعزاء في هذه القوافل، هي أيضًا من الأمور الضرورية التي ينبغي أن تحظى بالاهتمام. فعلى الإخوة المسؤولين الالتفات إلى هذه القضية والاهتمام بها.

العدو لن يتمكن من ارتكاب أية حماقة ضد بلدنا
اعلموا أنه بحركة السائرين على طريق النور هذه، وبهذه الدوافع التي يشاهدها المرء لدى شباب هذا البلد في الميادين المختلفة، فإنَّ العدو كما أنّه لم يستطع فعل شيء مقابل الشعب الإيراني طوال هذه الأعوام الأربعين؛ فإنّه لن يستطيع بعد الآن أيضًا وبتوفيق من الله ارتكاب أي حماقة. نعم، قد يتسبّبون ببعض الأذى، في قضايا من قبيل الحظر والشؤون الاقتصادية والإعلام. توجد مثل هذه الأمور، وهي ممارسات تؤذي الشعب لكنها لا توقفه. عندما تكون الإرادة قوية وعندما يكون التصميم على السير والتقدم جدّيًّا، وعندما يتحلى الشباب بالبصيرة اللازمة ويعرفون العدو الذي يقف أمامهم، ولا يُخطئون في معرفة العدو ولا يسمحون لعزيمتهم أن تضعف في مواجهة العدو، فلن يستطيع العدو القيام بأي شيء ولن يستطيع توجيه ضربته، وإيقاف هذه الحركة العظيمة.
كلّي أمل بأن تتمكّنوا أنتم أيها الشباب الأعزاء في المستقبل، حين تصبح مقاليد البلاد بأيديكم من البلوغ بهذا البلد قمّة العزة والاقتدار إن شاء الله.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1 - في بداية هذا اللقاء ألقى اللواء بهمن كارغر (رئيس مؤسسة حفظ ونشر آثار الدفاع المقدس) كلمة بالمناسبة.
2 - صحيفة الإمام الخميني، ج 15، ص 395.
[1] - أي جاره الغربي- العراق.
[2]- يصدر قريبًا عن دار المعارف الثقافية، كتاب "الروضة الحادية عشرة" الذي يروي سيرة حياة الشهيد تشيت سازيان بلسان زوجته ضمن سلسلة سادة القافلة،. وقد صدر ضمن السلسلة ذاتها كتابٌ بعنوان "همت فاتح القلوب" عن الشهيد همت، وآخر بعنوان "تراب كوشك الناعم" يحكي سيرة حياة الشهيد الاوسطا برونسي.

2018-03-22