يتم التحميل...

معرفة الإمام

الإمام المهدي (عج)

في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللهم عرِّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني نَفْسَكَ لَم أَعرِفْ نَبيَّك. اللهمَّ عَرِّفْني رَسولَكَ، فإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني رَسولَكَ لَمْ أعرفْ حُجَّتَك. اللهمَّ عَرِّفْني حجَّتَكَ، فإنَّكَ إِن لَمْ تُعرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَن دِيْني"1.

عدد الزوار: 12

تمهيد

في الدعاء المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللهم عرِّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني نَفْسَكَ لَم أَعرِفْ نَبيَّك. اللهمَّ عَرِّفْني رَسولَكَ، فإنَّكَ إِن لَم تُعرِّفْني رَسولَكَ لَمْ أعرفْ حُجَّتَك. اللهمَّ عَرِّفْني حجَّتَكَ، فإنَّكَ إِن لَمْ تُعرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَن دِيْني"1.

إنَّ لمعرفة الإمام وتولِّيه والإلتزام بأوامره ونواهيه والتعلّم عنه، كلّ ذلك يضمن للإنسان الدين الصحيح، والصراط المستقيم. وهذا ما أشارت إليه العديد من الروايات كما ورد في مضمون هذا الدعاء المرويِّ عن الإمام الصادق عليه السلام، وليس بعيداً عن هذا المعنى قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عليكم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا2، هذه الآية الكريمة التي نزلت بعد مناسبة الغدير التي تمَّ فيها تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام إماماً على الناس، وتولِّيه بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومن خلال هذه ا لولاية تمَّت النعمة الإلهيَّة عليّنا.
 
وهذا ما سنشرع بتفصيله في هذا الدرس إن شاء الله تعالى.

دور النبوّة

لقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فترة وجيزة إبلاغ الرسالة الإلهيّة، وقلب المجتمع من مجتمع جاهليٍّ يعيش على الغزوات، ويمارس وأدَ البنات، ويعبد العُزَّى والَّلات، وغيرها من الأوثان والأنصاب والأزلام، إلى حضارة الإسلام ومجتمع العدالة والإستقرار وعبادة الإله الواحد القهَّار... ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيز الْحَمِيد3

وقد قام النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الإنجاز العظيم من خلال دورين أساسِيَّين، هما:

الأوّل، تبليغ التشريع الإلهيّ

وشرحه وبيان تفصيلاته، يقول تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون4، ذلك القانون العادل الذي يضمن من خلال الإلتزام به خير الدُّنيا وبركاتها، وفوز الآخرة، يقول تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ5، ويقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عليهم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ6.

الثاني، قيادة المجتمع الإنسانيّ

وذلك لأجل تطبيق هذه الأحكام والقوانين، وتحقيق المصالح، للوصول إلى الأهداف الإلهيَّة التي تتمثَّل بالإنسان الكامل والمجتمع الصالح. هذه القيادة التي أوجب الله تعالى على المسلمين التمسّك بها والإلتزام بمضمونها، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ7.

ضرورة الإمامة

يقول تعالى: ﴿مَّا كَانَ محمَّد أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عليّمًا8، فالآية تصرِّح بختم النبوّة، فلا نبيَّ بعد نبيِّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، ولا رسالة بعد الإسلام، هذا الإسلام الذي يجب أن يبقى واضحاً في تشريعاته، مستمرّاً في مسيرته، فما الذي يضمن ذلك كلّه بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال تعالى: ﴿مَا محمَّد إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ9.

والإمامة تمثّل الضمان الحقيقيّ لبقاء التشريع ومتابعة المسيرة بالشكل الصحيح، وقد استفاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من كلّ فرصة مفصليّة ليرسِّخ الإمامة ويؤكّد على متابعة الإمام بعده، امتثالاً لأمر الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينََ10.

فكان للإمام دور حفظ التشريع، ومنع أيِّ تحريفٍ في مفاهيم وقواعد الشريعة، وهذا ما أشارت إليه العديد من النصوص الشرعيّة؛ كالرواية عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"11.

وكان للإمام أيضاً دور قيادة الأمّة وتحقيق الأهداف الإلهيّة في المجتمع، يقول تعالى ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون12.
ومع ضمان الاستمرار من خلال الإمامة، تحقّق كمال الرسالة ونزلت الآية بعد التبليغ بالولاية، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عليكم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا13.

معرفة الإمام

إنّ الإمام هو قطب الرحى في المجتمع الإسلاميّ بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرنا سابقاً، والمسلمون مكلّفون بتولّيه، والسير على نهجه، والائتمار بأمره، كما ذكرت الآية الكريمة، والعديد من النصوص الأخرى كنصّ الغدير، حيث قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنتُ مولاه فعليّ مولاه..."14.

ومتابعة الإمام تقتضي معرفته، من هنا كانت الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة"15، لأنّ الذي لم يعرف إمامه سيضيّع ميزان تمييز الحقائق، وبالتالي ستضيع عليه تلك الحقائق، وهذا ما تشير إليه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"16.
 
من هنا كانت تسمية وتنصيب الإمام بالنصّ، إماماً بعد إمام، حتَّى الثاني عشر منهم، الإمام محمَّد بن الحسن المهديّ المنتظر عجل الله فرجه الشريف، صاحب الزمان.

*معز الأولياء، سلسلة الدروس الثقافية ،  نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: الأولى آب 2009م- 1430هـ.


1- الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 342
2- المائدة: 3
3- إبراهيم: 1
4- النحل: 44
5- الأنعام: 155
6- الأعراف: 96
7- محمد: 33
8- الأحزاب: 40
9- آل عمران: 144
10- المائدة: 67
11- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 34
12- المائدة: 55
13: المائدة: 3
14- الكافي، ج 1، ص 295
15- المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 5، ص 199
16- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 34

2010-07-13