يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في الذّكرى الوطنيّة لمقارعة الاستكبار العالميّ

2020

كلمة الإمام الخامنئي في ذكرى مولد النّبي الأكرم (ص) والإمام جعفر الصادق (ع)، والذّكرى الوطنيّة لمقارعة الاستكبار العالميّ

عدد الزوار: 19

كلمة الإمام الخامنئي في ذكرى مولد النّبي الأكرم (ص) والإمام جعفر الصادق (ع)، والذّكرى الوطنيّة لمقارعة الاستكبار العالميّ 3-11-2020

بسم الله الرحمن الرحيم،


والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المنتجبين المعصومين، ولا سيما بقيّة الله في الأرضين.

إنّ ولادة النبي الأكرم (ص) مهّدت لأعظم حادثة في تاريخ البشرية. أبارك لجميع المشاهدين الأعزاء، وجميع أبناء الشعب الإيراني، وأبناء الأمة الإسلامية العظيمة، ذكرى المولد السّعيد للنبي الأكرم والرسول الأعظم (ص)، وذكرى مولد الإمام جعفر الصادق (ع)، اللذين يُعدّان من الأعياد العظيمة. لقد مهّد هذا المولد المبارك الأرضية للبعثة النبوية الشريفة التي هي أعظم حادثة في تاريخ البشرية قاطبة. أسأل الله – تعالى – أن يجعل هذا العيد مباركاً على شعبنا العزيز وجميع الشعوب المسلمة، وأن يكون أساساً لكثير من البركات للمجتمع البشري أجمع.

تزامنت مع هذا اليوم ثلاث مناسبات إحداها المولد المبارك للنبي الأكرم (ص) وحفيده العزيز الإمام الصادق (ع)، والمناسبة الثانية «أسبوع الوحدة الإسلامية»، وهي مناسبة مهمّة جداً، والمناسبة الثالثة الذكرى السنوية لمقارعة الاستكبار التي تصادف الثالث عشر من آبان [الثالث من تشرين الثاني]. سنتحدث لشعبنا الإيراني العزيز باختصار عن كل واحدة من هذه المناسبات الثلاث.

التلاؤم الواضح بين بعض آيات «القرآن الكريم» ووضع البشرية الحالي
هناك عدد من الآيات في القرآن الكريم التي نزلت حول النبي الأكرم (ص)، وبعضها يناسب بوضوح الوضع الحالي للبشرية، إذ عندما يقرأ الإنسان هذه الآيات يشعر كأنها تخاطب البشرية الآن. من هذه الآيات الآيةُ المباركة من سورة «براءة»: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة، 128)؛ تخصّ الجملتان الأوليان في الآية جميع البشر. كما يقول في آية أخرى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف، 158)، فخطاب النبي الأكرم (ص) موجّه إلى جميع البشر. هاتان الجملتان مهمّتان جداً: الأولى {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}، أي ليعُزّ على النبي العظيم (ص) معاناة كلّ فرد من أبناء البشر، فهو يـتألّم لآلامهم، والجملة الثانية: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}، أي غيور عليكم ومشتاق لكم ومهتمّ بمصيريكم. هذا الخطاب موجّه إلى أبناء البشرية جمعاء.

إنّ المجتمع البشري اليوم هو مصداق لهذا الخطاب، أي هناك تناسب كبير بين هذا الخطاب والوضع الحالي للمجتمع البشري. في الحقيقة، يمكننا القول إن البشرية تعاني اليوم أكثر من أيّ وقت مضى في تاريخها. فهناك غيابٌ للمساواة، وحروب، وإشعال للصّراعات، ونزعة مادية متشددة قلّ نظيرها في حقب التاريخ الماضية من حياة البشر، واستخدامٌ للتطور العلمي والتقني لقمع الشعوب، كما للطغيان وأنواع الشرور والطواغيت.

توظيف الاستكبار العلمَ والتطور التّقني لتفعيل قوّته الطّاغوتية
طبعاً بعض هذه الأمور، من مثل غياب المساواة، والتمييز، وفقدان العدالة، ووجود الطواغيت، كانت موجودة على مر التاريخ وليست وليدة هذا العصر، لكن اليوم يجري توظيف العلم والتّطور التّقني لإعمال هذه القوّة الطّاغوتية. مثلاً كان فرعون يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} (الزخرف، 51)، أي كان يمارس طغيانه في نطاق محدود هو مصر. أما اليوم، فأمريكا التي تمثّل فرعون هذا العصر لا تكتفي ببلاد أمريكا، ولا تقول: «أليس لي ملك أمريكا!»، بل تتدخّل في شؤون البلدان الأخرى، وتصنع الحروب، وتتسلّط، وتنشئ قواعد عسكرية لها. الوضع على هذا النحو، فاستخدام الطواغيت المعرفة البشرية والتّطور العلمي جعل انتشار التّمييز والحروب أكثر من أي وقت مضى. إنّ الرّوح الطاهرة للنبي الأكرم (ص) تتألّم حقاً لما تعانيه البشرية اليوم، كما ورد في هذه الآية المباركة: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}. وهو في أمَسّ الشّوق لتحقيق سعادة البشرية وهدايتها، وهو بما للكلمة من معنى كأب حنون يريد السعادة للبشرية، وأن تهتدي إلى الصّراط المستقيم، وأن تصل إلى النّهاية التي فيها نفعُها.

تمييز الخطاب القرآني بين أئمة الكفر وغيرهم من عامّة الكفّار
من النقاط اللافتة في هذه الآية المباركة أنها جاءت آخر سورة «براءة» (التّوبة). و«براءة» هي سورة الحرب، والبراءة من الكفار، وسورة الأمر بالجهاد وأمثال ذلك. فأن يقول القرآن آخر هذه السورة: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ويكون الخطاب موجّهاً إلى أفراد البشر كافة، كما أسلفنا، فهذا يمكن أن نفهم منه هذه النقطة: تلك الخطابات التي وجّهتها هذه السورة لا تخصّ الأفراد الجاهلين والغافلين من غير المسلمين، وإنما قادة الكفر والاستكبار، وتلك الأنظمة المتحكّمة بمصير المجتمعات البشرية التي عبّر عنها القرآن في إحدى آياته بأئمّة الكفر: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} (التوبة، 12)، كما عبّر عنها في مكان آخر في سورة «القصص» بالأئمة الذين يدعون إلى النار: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)}، أي يجرّون الناس إلى جهنم ويدعونهم إلى النار. في الواقع إنّ تلك الحدّة والشدّة التي يبديها القرآن قُبالة أعداء الإسلام، والكفّار، إنّما موجّهة إلى تلك التيّارات. أما عامّة الأشخاص من غير المسلمين، الذين ينشدون الحقّ ويميلون إليه وليسوا من أهل العناد وليس لديهم أهداف مغرضة، فهم المخاطبون في هذه الجملة الجميلة من القرآن الكريم: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}.

إن العدوّ الأساسيّ للإسلام اليوم، والمصداق الحقيقي لتلك الآية: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}، هي قوى الاستكبار والصهيونية. هؤلاء من يواجهون الإسلام ويعارضونه بكلّ ما أوتوا. وآخر حلقة في مسلسل المواجهة ما حدث، للأسف، الأسبوع الماضي في باريس. هذه الرّسوم المسيئة التي عُرضت في باريس تحتاج إلى كثير من الدّقة والانتباه (إلى الهدف منها).

سقوط الفن في فرنسا وتلقّيه الدّعم السّياسي من الدّولة
إنّ قضية نشر الرّسومات الكاريكاتيرية المسيئة إلى النبيّ (ص) ليست مجرّد أن رسّاماً كاريكاتيرياً فاسداً ومنحرفاً ارتكب هذا الفعل القبيح وأساء إلى نبيّ الإسلام (ص) بلغة الكاريكاتير، بل توجد أيدٍ خفيّة وراء هذه الحادثة. ما الدليل على ذلك؟ الدليل هو ما شاهدناه من التحرك المفاجئ لرئيس جمهورية فرنسا، وحتّى بعض الدول، للدّفاع عن هذا العمل الفنيّ العادي! واضحٌ أن هناك جهات تقف وراء هذه القضية، فالمسألة ليست مجرّد أن الفنّ في فرنسا وصل إلى هذا المستوى من السقوط والانحطاط، بل القضية هي سياسة تلك الدولة التي تدافع عن هذا العمل الخطأ، وذاك المسؤول السياسي الذي يعلن دعمه الصّريح لهذا العمل. حسناً، أنتم تقولون إنّ هذا الطّرف [المسلم] قتل ذلك الإنسان. حسناً! فلماذا بدلاً من إظهاركم الأسف والتّعاطف مع المقتول تأتون بهذه الرسوم المسيئة وتنصبونها في مكان ظاهر للجميع وتدافعون عنها بكلّ صراحة؟ هذه حادثة مؤلمة وقبيحة جداً على مستوى دولة، وليست مجرّد عمل لفنان أو رسام كاريكاتير. في المرّات السابقة، عندما حدثت أعمال مشابهة لذلك، رأينا أيضاً، كيف أن مسؤولين في الدولة وشخصيات سياسية انبروا للدّفاع عن هذه الأعمال وحمايتها.

غضب الأمّة الإسلامية يدلّ على أن المجتمعات الإسلاميّة حيّة
طبعاً إنّ الأمّة الإسلامية تبدي اليوم اعتراضاً وغضباً عارمين، وهذا يدّل على أن المجتمعات الإسلامية لا تزال حيّة، وهو ما يبعث على الرّضا. إنّ الشّعوب المسلمة وحتى كثيرين من المسؤولين والشّخصيات السياسية شرقيّ العالم الإسلامي وغربيّه – طبعاً هناك من أظهر حقارته حتى هنا – عبّروا عن غضبهم واعتراضهم، ودافعوا عن الهويّة الإسلامية والشّخصية العظيمة للنبي الكريم (ص)، وهذا يدّل على أن الشعوب المسلمة حيّة. لكن هناك عبرة لافتة في هذه الحادثة هي من جملة الأشياء التي يجب أن يلتفت إليها الذين يعملون بالسياسة ويتابعون المسائل السياسية في العالم. العبرة في الحادثة هي ربط الدّولة الفرنسية بين هذه القضيّة وموضوع حقوق البشر وحرّية التعبير وأمثالها.

تقديم الدّولة الفرنسيّة الدّعم إلى أكثر الإرهابيّين وحشيّة وعنفاً في العالم
لنرَ الآن هذه الدولة الفرنسية أيّ دولة هي، وسياستها أي سياسة؟ هي السياسة نفسها التي انتهجتها وجعلت من أراضيها ملاذاً آمناً لأكثر الإرهابيين عنفاً ووحشية في العالم، أي الإرهابيّين الذين استهدفوا رئيس الجمهورية في بلادنا، ورئيس الوزراء، ورئيس السّلطة القضائية، وأشخاصاً كثيرين من أعضاء المجلس والحكومة والسلطة القضائية، وأدّوا إلى استشهادهم. طبقاً للإحصاءات لدينا تسبّب هؤلاء في استشهاد أكثر من سبعة عشر ألف شخص من عامّة الناس في الأزقة والأسواق. هؤلاء ليسوا إرهابيّين عادييّن، وهم يقيمون في فرنسا وباريس، ثم يأتي هؤلاء ويدّعون الدّفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير. هذه الدولة نفسها كانت من أكبر الداعمين للذئب الدموي صدّام [حسين] أيّام الحرب المفروضة – طبعاً لا يمكننا القول إن دعمها كان أكبر من الدّول الأخرى لكنها كانت من الدّاعمين الكبار لصدّام أثناء هذه الحرب – وقدّمت إليه أحدث الطّائرات والمعدّات الحربية المتطورة، ولم تخجل من فعلتها واعترفت بذلك. هذا سلوكهم تجاه الإرهابيين وأمثالهم وقد شاهدتم بأُمِّ أعينكم كيف تعاملوا مع المتظاهرين من شعبهم في مظاهرات أيام السبت التي اندلعت خلال السنة الأخيرة! ثمّ يأتي هؤلاء ويدّعون أنهم من أهل الدّفاع عن الحريّات وحقوق الإنسان وأمثال ذلك!

الدّفاع عن الوحشيّة الثقافيّة وعن المنافقين وصدّام وجهان لعملة واحدة
أعتقد شخصياً أن الدّفاع عن هذه الوحشية الثقافية، أي العمل الإجرامي لرسام الكاريكاتير، والدّفاع عن المنافقين (جماعة «خلق») وعن صدّام وتقديم الدّعم إليهما، هما وجهان لعملة واحدة.
لقد تكرّرت أمثال هذه الحوادث في السنوات الأخيرة في الدّول الأوروبية وأمريكا، الإساءة إلى القرآن وإلى النبي المعظّم (ص)، لكنها لن تستطيع الخدش، لو قليلاً، بكرامة نبي الإسلام (ص) وجلالته وعظمته؛ واضح جداً أن الوجه النّوراني لنبي الرّحمة (ص) لن تؤثّر فيه مثل هذه الأشياء، وسيزداد نور شمسه سطوعاً يوماً بعد يوم. وكما أنّ زعماء مكّة والطّائف في تلك الأيام، رغم كلّ الجهود التي بذلوها، لم يستطيعوا محو الاسم المقدس لنبيّ الإسلام (ص)، اليوم أيضاً لن يستطيع هؤلاء «الحضرات» الذين يشبهونهم أن يلحقوا أيّ ضرر بالنبي (ص).

علامات ظهور الجاهليّة الحديثة والحضارة الغربيّة المتوحّشة
ما يمكن أن نفهمه من أمثال هذه الأفعال أنها تكشف عن الذّات الظّالمة للحضارة الغربية. إنها تكشف مدى الظّلم والوحشيّة في ذات هذه الحضارة وهذه الثقافة التي تمثّل في حقيقتها جاهليّة حديثة. طبعاً يخفون هذا الوجه الوحشيّ لأنّ لديهم علماً وتطوراً تقنياً، فيوظّفون العلم والتّقنيات الحديثة ليخفوا خلفها تلك الوحشية عبر أنواع التعابير الإنسانية والوجوه التي في ظاهرها بشرية. يخفون حقيقتهم الوحشيّة خلف ظاهر مجمّل بربطات العنق والعطور وأمثال ذلك. إذاً، الإسلام ونبيّه الكريم (ص) لن يمسّهما سوء، لكن هذه الأفعال وسيلة لنعرف – أنا وأنتم – هذه الحضارة على حقيقتها. حضارة وحشيّة حقاً! لقد كانت هذه الحضارة وبالاً على شعوبها أنفسهم. الآن، بعد مرور قرون على هذه الحضارة وعصر النّهضة، تشاهدون غياب المساواة، والفقر، وفقدان العدالة، وحالة الانحلال الأخلاقي المخجلة في الدّول الأوروبية وفي أمريكا وأتباعهم. هذه هي طبيعة الحضارة الغربية وحقيقتها. إلى هنا كان الحديث عن المناسبة الأولى.

الابتكار العظيم للإمام الخميني الراحل (قده) بإعلانه «أسبوع الوحدة الإسلامية»
في ما يتعلّق بـ«أسبوع الوحدة الإسلامية»، أظنّ أنه اتّضحت اليوم أهمّية هذا الابتكار العظيم للإمام الراحل أكثر من أي وقت مضى. في ذلك اليوم الذي أعلن فيه إمامنا العظيم «أسبوع الوحدة الإسلامية»، ودعا جميع الفرق والمذاهب الإسلامية إلى توحيد توجّهاتها وميولها العامة والسياسية والاجتماعية، لم يستطع كثيرون ممّن عناهم هذا الخطاب أن يدركوا المدى لأهمية هذا النداء، ولا سيما مسؤولي عدد من الدّول الإسلامية، إذ لم يفهموا حجم الأهمية التي ينطوي عليها النداء. بل إن كثيرين منهم أظهروا العناد، وتجاهلوا هذا النّداء لأغراض في أنفسهم. واليوم نحن ندرك كم كان هذا النداء مهمّاً. عندما يرى الإنسان هذه الأحداث اليوم، وهذه الاختلافات الكثيرة بين الدول الإسلامية، وهذه الأحداث المريعة في بعض دول المنطقة، في سوريا والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان، يدرك كم أنّ الحاجة إلى اتّحاد المسلمين مهمّة، وكم أنّ وحدة الأمة الإسلامية ذات قيمة، تلك التي طرحها الإمام الرّاحل ودعا إليها، ولو أنها تحققت، ما حدثت كثير من هذه القضايا.

الحركة الخائنة للتّطبيع مع الصّهاينة من نتائج تفرّق العالم الإسلاميّ
في الواقع إنّ ما نشهده اليوم في العالم الإسلامي، ولا سيما في هذا الجزء منه، أي منطقتنا، مؤلم للغاية؛ لقد همّشوا القضية الفلسطينية وحرّكوا مسار التّطبيع الخائن والمذلّ مع الصّهاينة. هذا كله ناتج عن غياب الوحدة في العالم الإسلامي، فبسبب هذا التّنافس والدّوافع الفاسدة وغير السليمة لدى بعضهم جاء الإقدام على هذا العمل القبيح وتضييع حقوق الشّعب الفلسطيني.
لكن القضية الفلسطينية لن تنتهي، وهؤلاء لن يستطيعوا، وهم أصغر من أن يستطيعوا، تصفية القضية الفلسطينية. إنّ هذه القضية ستستمرّ، وستعود فلسطين إلى الفلسطينيّين، وهذا الكيان الصهيوني المُختلق هو من سيزول. هذا مما لا شك فيه، وكل ما يفعله هؤلاء هو مجرّد زرع للعراقيل أمام ذلك، ومنها موضوع التّطبيع مع هذا الكيان الغاصب القاتل المجرم. هذه حقيقة الكيان الصهيوني: غصب أرض فلسطين وقتل شعبها. فكم قتل هؤلاء الصهاينة من أبناء الشعب الفلسطيني وكم ارتكبوا من جرائم! هم فرحون بعملهم هذا (التّطبيع) ويختلقون لأنفسهم مبرّرات تُضحك الثّكلى.

إدراك العدوّ لمدى الأهمية لوحدة المسلمين وتخطيطِه ضدّها
أريد أن أقول: من المؤسف أن كثيراً من الدول الإسلامية لم تدرك مدى الأهمية للطرح الذي قدّمه الإمام الراحل آنذاك، لكنّ العدو أدرك ذلك جيداً وأدرك أهمية هذه الدعوة التي وجّهها الإمام الرّاحل لوحدة المذاهب الإسلامية على أساس التوجهات الكليّة – مع احتفاظ كل منها بعقائده ومناسكه الخاصة – وكم ستحدّ من نفوذه داخل البلدان الإسلامية. لهذا، بدأ التخطيط ضد هذا المسار وهذه الحركة. ووضع خططاً عملانية لمواجهة نداء الوحدة الذي رفعه إمامنا العزيز، من جملتها. أولاً: إيجاد مراكز لإنتاج الفكر المُعادي لما نسميه التّقريب بين المذاهب الإسلامية. أنشؤوا مراكز وقدموا المال إلى بعض العملاء ليجلسوا في هذه المراكز وينتجوا أفكاراً وأبحاثاً تتعارض مع فكرة التقريب، أي أن يعملوا عبر مراكز لإنتاج الفكر من أجل إحباط سياسة الإمام وهذا التدبير الإلهيّ العظيم الذي عمل عليه. ثانياً: صناعة الجماعات التكفيرية. فجماعة «داعش» الجرّارة أوجدها أعداء الإسلام، وقد اعترف الأمريكيون بذلك. طبعاً نحن كنّا نعلم بذلك ولدينا معلومات، لكن عندما ندّعي هذا الادّعاء ربّما يكون كلامنا محلّ أخذ وردّ، لكن هم أنفسهم اعترفوا بهذا، سواء الذين أوجدوا «داعش» في الحكومة الأمريكية السابقة أو التي بعدها، ولا سيما هذا الذي يتربّع على عرش السلطة الآن (1). لقد قال بكل صراحة إنهم من أوجدوا «داعش» وقدموا إليها الحماية والدعم، بل أمروا عملاءهم في المنطقة، الدول التابعة لهم، لكي يمدّوا «داعش» بالمال ويشتروا لها السلاح وكلّ ما تحتاجه من عتاد وتجهيزات.

إذاً، هؤلاء أوجدوا مراكز لإنتاج الفكر المُعادي للوحدة، وكذلك تيارات تكفيرية إرهابية، واستطاعوا أن يُقحموا في هذا المسار كثيرين من العناصر الجاهلة والغافلة، وأن يُدخلوهم في هذه اللّعبة، بإثارة غضبهم ودفعهم ليشتم كلٌّ منهم الآخر. لهذا، نرى مثلاً شخصاً من أهل المنبر، في إحدى الدول الجارة، يقوم فجأة ويصعد المنبر ويكيل الإساءات إلى مقدسات المذهب الآخر ورموزه، ثم ينزل من على المنبر، ويذهب إلى السفارة البريطانية طالباً اللجوء. أمثال هذه الحوادث كثيرة وليست قليلة أبداً. يدفعون أشخاصاً ليحرّضوا الناس ويثيروا غضبهم، كي يقتتلوا بينهم. إذاً، هؤلاء قالوا بصراحة إنهم وراء هذه الأعمال. لكن ما أريد أن أقوله: إنّ إثم بعض دول المنطقة الذين تولّوا تقديم الدعم المالي إلى هذه الجماعات أكبرُ بكثير من الأفراد التّابعين لها، أي ذاك الشخص الذي جاء من إحدى بقاع العالم الإسلامي وانضم إلى هذه الجماعات من منطلق التعصّب الديني وبسبب الجهل ذنبه أقلّ من ذاك الرئيس وذاك المسؤول وذاك الملك الذي أمدّ هذه الجماعات بالمال وقدّم إليها التّسهيلات، وهيّأ لها السّلاح والعتاد وغيرها. طبعاً يبقى المجرم الأساسيّ الأمريكيّين. هذا هو الواقع.

أمريكا والنّظام السعوديّ هما المجرمان الأساسيّان في مسألة التيّارات التّكفيريّة
أما موضوع التيّارات التكفيرية في هذه المنطقة، فيتحمّل جرمها أساساً الأمريكيّون، ثمّ أتباعهم السعوديّون الذين قدّموا المال والدعم إليها، كما أنّ الأمريكيّين ارتكبوا جرماً آخر بغزوهم البلدان الإسلامية بذريعة هذه الجماعات التكفيرية، فغزوا أفغانستان وسوريا، وكانوا يخططون لغزو أماكن أخرى مثل العراق ولا يزالون، لكنّ شباب العراق والشعب العراقي المؤمن لن يسمحوا لهم بذاك، فغيرتُهم وتعصّبهم للحق سيمنعان أمريكا، إن شاء الله، من تحقيق مبتغاها. لكن هؤلاء لديهم خطة ويسعون جاهدين للنفوذ داخل هذه الدول. طبعاً في كلّ مكان دخلوه زرعوا الخراب وسلبوا الأمان. لقد دمّروا البنى التحتية للدول التي دخلوها ونشروا الفوضى وأشعلوا الحروب الداخلية وأرهقوا كاهل الحكومات بإشغالهم بالمشكلات لكي لا تتمكّن من القيام على وظائفها الأساسية. إنّهم المصداق الحقيقيّ لقوله – تعالى –: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} (البقرة، 205)؛ هذا ما فعلوه تماماً، فهذه الآية تنطبق عليهم بما للكلمة من معنى.

علاج القضيّة الفلسطينيّة وفاجعة حرب اليمن يكونُ بوحدة الأمّة الإسلاميّة
في اعتقادي «أسبوع الوحدة الإسلامية» مهمّ للغاية، واتّحاد المسلمين هو العلاج لكثير من آلام الأمّة الإسلامية. مثلاً هذه الحرب المفجعة في اليمن منذ خمس سنوات، وهذا الشعب المظلوم الذي يتعرّض للقصف في الأزقة والأسواق والبيوت والمستشفيات والمدارس وحتّى التجمّعات البشرية، هذا حدث ليس صغيراً. إنه حدث كبير جداً. وقد أظهر السعوديّون في هذه الحرب قسوة رهيبة. أو (مثلاً) في ما يخصّ القضية الفلسطينية وما فعلته بعض الدول الضعيفة الذليلة من التّطاول على العالم الإسلامي والأمة الإسلامية وتجاهلها القضية الفلسطينية وتطبيعها العلاقات مع الغاصب القاتل. بلا شكّ، كلّ هذه الأمور لا تعالج إلا بالوحدة الإسلامية، وكذلك المشكلات الأخرى للدول والشّعوب المسلمة – هناك مشكلات كثيرة في أنحاء العالم الإسلامي مثل قضية كشمير والحرب في ليبيا وغيرها – لن تزول إلا ببركة اتّحاد المسلمين. هذا بشأن الوحدة الإسلامية.

مقارعة النّظام الأمريكيّ المستكبر أمر عقلانيّ وحكيم
أما مسألة الثالث عشر من آبان [الثالث من تشرين الثاني]، فمن محاسن المصادفات هذه السنة هذا التّزامنُ بين ذكرى المولد النبوي الشريف ويوم مقارعة الاستكبار، الأمر الذي يستحضر في ذهن الإنسان هذه الآية المباركة: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح، 29). فمن جهة لدينا المولد، ومن جهة أخرى {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}، وهي الحركة العظيمة التي فعلها شبابنا. لقد كان الثالث عشر من آبان مظهراً من مظاهر مقارعة الشعب الإيراني للاستكبار. لم تكن القضية مجرّد مشكلة مع بعض الموجودين داخل إحدى السفارات، بل كانت عملاً مهماً وفي محلّه، وله رمزيته في المواجهة ضد الاستكبار. فالنّظام الأمريكي نظام استكباري، ومثل هذا النّظام ينطوي على كثير من المساوئ والشّيطنات والمضارّ، فهو يشعل الحروب ويمارس الإرهاب ويرعاه، ويتدخّل في شؤون الغير، كما أنه فاسد ومحتكر. أي عندما نقول «نظام استكباري» نعني ذاك النظام الذي فيه كل هذه المساوئ والقبائح والشّيطنات. بناءً على هذا، إنّ مواجهة هذا الاستكبار وهذه الظّاهرة هي عينُ العقلانيّة. هناك من يقول: يا سيّد! هذا خلاف العقلانية والحكمة. ونحن نقول له: ليس هذا خلاف الحكمة بل هو عين العقلانية، وإنما خلاف العقلانية هو الاستسلام والخنوع.

أمريكا هي البادئة بالعدوان
لم نكن البادئين، أي لم نشرع في العدوان – اللّطيف أنه يوجد في القرآن الكريم عبارة تعبّر عن وضعنا تماماً، قوله تعالى: {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (التوبة، 13) – بل هم من بدؤوا. نحن لم نهاجم السفارة الأمريكية بعد انتصار الثورة مباشرة، بل كانت في بدايات انتصار الثورة موجودة وموظّفوها يؤدّون أعمالهم، لكنِ الأمريكيّون هم من بدؤوا التحرّك ضدّ الثورة. لقد أصدروا قرارات ضدّها في الكونغرس الأمريكي، وراحوا يهاجمون الجمهورية الإسلامية في تصريحاتهم وفي الكونغرس، وصنعوا الجماعات الإرهابية، وعملوا على دعم العناصر والجماعات الانقلابية بالتخطيط والإمكانات، فيما كانت سفارتهم في طهران – كما وُصفت بحقّ «وكرٌ للتجسس» – تشرف على أعمال تجسّس كبيرة جداً. إذاً، هم كانوا البادئين، وما فعله الطلاب من تحرّك واحتلالهم السفارة الأمريكية كان عملاً دفاعياً، وفي محلّه. إنّه عمل عقلاني تماماً.

التّصوّر الخطأ لبعضهم حول الاستسلام أمام أمريكا
أريد أن أقول في هذا الإطار إنّ بعضهم لديه تصوّر خطأ عن الدولة والنظام الأمريكيين. يظنّون أنه لو استسلمت دولة ما للنظام الأمريكي، فستحقّق مكاسب من ذلك. هذا الأمر غير صحيح، وإنْ كان هناك دول تقيم علاقات مع أمريكا ووضعها الاقتصادي جيّد، فذلك بسبب أنها لا ترضخ – بمقدار ما تسمح هذه الدول لأمريكا أن تتدخل في شؤونها، ستتلقى الضربات – وأما تلك الدول التي استسلمت للإرادة الأمريكية وخضعت لسياساتها وإملاءاتها، فتلقت ضربة. مثال ذلك معاهدة «كامب ديفيد» التي أدّت إلى تأخّر الدولة الموقّعة عليها ثلاثين سنة أو أربعين إلى الوراء. المثال الآخر النظام البهلوي في بلادنا الذي أرجعها إلى الوراء بسبب استسلامه أمام سياسات أمريكا. ويوماً بعد يوم تزداد هذه الأنظمة تبعيّة ومعاناة.

سياستنا المدروسة والثّابتة تّجاه أمريكا
سياستنا تجاه أمريكا مدروسة وواضحة، ولا يبدّلها ذهاب الأشخاص ومجيئهم. اليوم هناك انتخابات في أمريكا، وبعضهم يتساءلون: من الذي سيفوز ومن سيخسر، وإنْ فاز فلان، فماذا سيحدث، أو لو فاز الآخر، ماذا سيحدث... نعم، من الممكن أن تقع أحداث لكنها لا تعنينا، أي لن تُؤثّر في سياستنا، فسياستنا مدروسة وواضحة ولا يؤثر فيها تبدّل الأشخاص. لكن لو لاحظتم حال هؤلاء، لوجدتم وضعاً مدعاةً للفرجة. فرئيس الجمهورية الموجود الآن على رأس السلطة ويُجري الانتخابات يقول إنّها أكثر الانتخابات تزويراً في تاريخ أمريكا! من يقول هذا؟ رئيس جمهورية أمريكا الموجود على رأس السلطة، والذي في الواقع يُدير إجراء الانتخابات. أمّا منافسه (2)، فيقول إن ترامب لديه نيّة كبيرة للتّزوير! هذه هي الدّيمقراطية الأمريكية! هم يتحدثون عن انتخاباتهم على هذا النحو. هذا نموذج من الوجه «الكريه» للدّيمقراطية الليبرالية داخل أمريكا. وبغضّ النظر عمّن سيفوز – ربما هذا المرشّح أو ذاك، هذا الأمر سيُعرف اليوم أو غداً – هناك أمر واضح وجليّ، هو ذاك الانحطاط السياسيّ والمدنيّ والأخلاقيّ في النّظام الأمريكيّ، فأيّ من المرشحين فاز لن يختلف الأمر.

الانحطاط السياسيّ والمدنيّ والأخلاقيّ في النّظام الأمريكيّ
للحقّ والإنصاف أنّ النّظام الأمريكي يعاني من تردٍّ كبير على المستوى السياسيّ والمدنيّ والأخلاقيّ. هذا ليس تحليلاً. ما أقوله ليس مجرّد تحليل، بل هو ما يقولونه بأنفسهم، ما يقوله كتّابهم ومفكّروهم داخل أمريكا. هم من يقولون هذا. في السنوات الأخيرة، أُلّفت كُتُب عدّة حظيت بنسبة مبيع كبيرة داخل أمريكا تكشف الستار عن أمور كثيرة. تُرجم أحدها إلى الفارسية، وقد قرأته شخصياً. إنّه مليء بالشواهد على هذا التردّي والانحطاط، أي من يقرأ هذا الكتاب، فسيجد في الحقيقة أنه من أوّله إلى آخره يشير إلى مدى الانحطاط في النظام السياسي الأمريكي وتصرّفات الرؤساء الأمريكيين. على هذا الوضع، لن يطول الأمد بهذه الإمبراطورية. عندما يصل الوضع السياسي إلى هذا المستوى من التردّي في نظام ما، من الواضح أنه لن يُعمّر طويلاً، وسوف ينهار. طبعاً إنْ جاء أحدهم إلى السلطة، فسيُعجّل الانهيار، والآخر ربّما يؤخّره قليلاً، لكن في جميع الأحوال هذه هي الحقيقة.

تقوية البلاد هي السّبيل الوحيد قبالة العداوات
إنّ عداءهم لنا سببه أننا لم نقبل هيمنتهم الظّالمة، أي أنّنا لم نخضع لإملاءاتهم، ولم نوافق على سياساتهم في المنطقة، ورفَضنا سياستهم في القضية الفلسطينية. هم يعادوننا لأننا رفضنا سياساتهم الظالمة، وهذه العداء سيستمرّ. السّبيل الوحيد لحلّ هذه العداوة هي إيصالهم إلى مرحلة اليأس، أي يجب على الشّعب الإيراني والدّولة والنّظام في الجمهورية الإسلامية أن يواصلوا العمل على نحو ييأس معه الطرف المقابل من اعتقاده بقدرته على توجيه ضربة قويّة، أي يجب أن نصير أقوياء. هذا الكلام قلته مراراً لشعبنا العزيز وللمسؤولين في جلسات العمل والجلسات الخاصة وأمام الرأي العام. يجب علينا أن نعمل على تقوية وسائل القوّة لدينا – القوّة الحقيقيّة، لا الشكليّة – ليصير شعبنا قويّاً ودولتنا قويّة. عندئذ سيشعر العدوّ باليأس. إنّ شعبنا في الحقيقة قاوم جيّداً، واستطاع الصمود وتحمّل الصعاب، وأظهر الاستقامة.

الحاجة إلى تحرّك أكثر لدى المسؤولين على ثلاثة أصعدة
في رأيي، يجبُ على المسؤولين أن يتحرّكوا على نحو أفضل في ثلاثة مجالات: الاقتصاد، والأمن، والثقافة. علينا، نحن المسؤولين، أن نُضاعف جهودنا في هذه المجالات الثلاثة. فعلى صعيد الاقتصاد النّظرةُ الصّحيحة والأساسية هي ألّا ننظر خارج البلاد مُطلقاً، لا بمعنى أن نقطع علاقاتنا مع الخارج. كل مرّة كنت أدعو فيها أن نبحث عن علاج لمشكلاتنا في الداخل، كان يبتر بعضهم سياق الكلام وينشرون على الإنترنت: «السيد يعتقد أنه يجب أن نقطع العلاقات مع الخارج». لا! الأمر ليس كذلك، بل يجب أن تبقى العلاقات. لكن المهم في الموضوع ألّا نطلب الحلول من الآخرين، وألّا نستجدي العلاج من الخارج، لأن العلاج موجود فينا، موجود داخل البلاد، ومن أهمّ عناصره زيادة الإنتاج، الأمر الذي أكّدته مراراً. يجب أن نؤدّي جهوداً مدروسة ومنظّمة على الصعيد الاقتصادي.

حلّ المشكلات الاقتصادية يتوقّف على التناغم الإداري بين الإدارات
إنّ كثيراً من مشكلاتنا الحاليّة لا علاقة لها بالحظر الاقتصادي وأمثال ذلك، وإنما سببها نحن، سببها ضعف التنسيق. موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة لا مبرّر لها أبداً، وكثير من حالات ارتفاع الأسعار الأخيرة غير مبرّرة. يجب أن تُعالَج، وهي قابلة للعلاج، ويجب على المسؤولين أن ينسقوا بينهم لعلاجها. عندما ننظر، نجد أنّ ارتفاع الأسعار شمل اللحم الأحمر ولحم الدجاج والطماطم وصولاً إلى حِفاض الأطفال. ارتفاع أسعار هذه السلع لا مبرّر له، ولا يوجد دليل يُبرّره، فهذه السلع متوافرة. إذاً، المشكلة هي في وزارة الصّناعة والتّعدين والتّجارة، وفي «هيئة التعزيرات الحكومية» (3) والتّعبئة وجميع الأجهزة المعنيّة بهذا الأمر مثل الجمارك وغيرها. على هؤلاء أن يتعاونوا وينسّقوا بينهم ليريحوا الناس من هذه المشكلة. جميع هذه الأمور يمكن ضبطها. إذاً، بحُسن التّنسيق الإداري بين مختلف الأجهزة، يمكن علاج هذه المشكلات.

إرساء الأمن الخارجي والأمن الداخلي
في ما يخصّ أمن البلاد، وعلى صعيد الأمن الخارجي، يجب تجهيز البلاد بالوسائل الدّفاعية اللّازمة، مثل الصواريخ والطائرات المسيّرة والطائرات الحربية التي تُصنّع اليوم في الداخل، فهذه الوسائل تُرسي الأمن الخارجي لبلادنا، أي تحميه من مطامع الأعداء. ليس الأمر أن نتصوّر أنّ صناعة الصواريخ تحلّ المشكلات جميعاً. كلّا، هناك بعض المشكلات لا ارتباط لها بالصّواريخ بتاتاً، لكن هناك مشكلات كثيرة نجد لها ارتباطاً بهذه الوسائل الدّفاعية.
أما في الأمن الداخلي، فيجب على أجهزتنا الأمنية الحذر من اختراقات العدو. فالاختراق هو المسألة الأساسية، ونفوذه داخل الأجهزة المختلفة في الدولة وزرعه أنواع الوساوس، أي المطامع والإغراءات... هذه هي المشكلة الأساسية. عليهم أن ينتبهوا إليها جيداً.

الحاجة إلى جهود ذكيّة في مجال العمل الثقافي
الشيء نفسه في المجال الثقافي. على المسؤولين المعنيّين أن يبذلوا جهوداً ذكيّة في هذا الإطار. أحياناً يكون لدينا أعمال ثقافية كثيرة لكن علينا أن نكون أذكياء في العمل، أي أن نعلم مكان احتياجنا إلى شيء وأين نحتاج الأعمال الثقافية، فننفذ ما نحتاجه. في رأيي إنّ هذه المواضيع الثلاثة، أي الاقتصاد والأمن، والثقافة، إنْ عملنا عليها جيداً، فهي من المواضيع الأساسية التي يمكن التقدّم بها عبر حسن التدبير والتنسيق والمتابعة، والحمد لله، المسؤولون مشغولون بالعمل، لكن المطلوب منهم هو المزيد من الجديّة في تنفيذ الأعمال.

تحرير الأراضي الأذربيجانيّة المحتلّة وتأمين الحماية للأرمن
النّقطة الأخيرة هي الحرب المؤسفة الدائرة بجوارنا بين دولتين جارتين لنا، أي أذربيجان وأرمينيا. هذه الحرب حدث مرير يهدّد أمن المنطقة، وليست جيدة على بلادنا، ولذا يجب أن تتوقف في أقرب وقت. طبعاً يجب أن تُحرّر جميع الأراضي الأذربيجانية التي تُسيطر عليها أرمينيا، وتنبغي إعادتها إلى الدولة الأذربيجانية – هذا من الشّروط الأساسية – لأنّ هذه الأراضي تعود ملكيّتها أساساً إلى أذربيجان، ولها الحقّ في استعادتها، ويجب أن تُحرّر. طبعاً في الوقت نفسه، يجب الحفاظ على أمن الأرمن الموجودين في هذه المناطق، كما تجب رعاية الحدود الدولية، أي على طرفي النزاع ألّا يتعدّوا على الحدود الدولية للدول الأخرى، وأن يحافظوا على هذه الحدود، وألّا يسمحوا للإرهابيّين بالاقتراب من حدودنا. كما تشير التقارير، وإنْ كان هناك من يُنكر ذلك لكن هناك تقارير موثوقة، ثمة دخول لأعداد من الإرهابيّين من هنا وهناك على خطّ الصراع. هؤلاء إنِ اقتربوا من الحدود وشعرنا بأي خطر، فقطعاً سنتعامل معهم بمنتهى الحزم، فعليهم ألّا يقتربوا.

نأمل من الله أن تتخلّص جميع الشّعوب المسلمة وشعوب المنطقة وأفراد البشرية من هذه المشكلات، وأن ينتظر شعبنا الإيراني العزيز أياماً جميلة في المستقبل، ببركة هذا المولد العظيم والرّوح المطهّرة لنبي الإسلام الأكرم (ص) والإمام الصادق (ع)، وروح إمامنا المطهّرة، ونحن كلّنا أمل، إن شاء الله، في أننا قد اقتربنا من هذا المستقبل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


(1) الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
(2) المرشّح الديمقراطي جو بايدن.
(3) تسمّى أيضاً هيئة العقوبات التقديرية، وهي مؤسسة حكومية وظيفتها الرقابة على الأسعار ومكافحة الغلاء.

 
2020-12-17